سمو الأمير على منبر الأمم المتحدة.. الخطاب المتوازن

الدوحة – وكالات – بزنس كلاس:

يقوم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى بإلقاء خطاب قطر من على منبر الأمم المتحدة، مخاطباً العالم بلغة متوازنة لطالما التزمت جانب المظلومين في الأرض في إطار استراتيجية أخذت على عاتقها مهمة صعبة تتمثل بالدفاع عن حقوق من لا صوت لهم وكذلك في إطار صيانة العلاقات الدولية السليمة القائمة على العدل والمساواة.

ومنذ تقلد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى للحكم عام 2013 جاءت خطابات سموه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعكس قضايا وهموم الأمة العربية وتفاعلاتها وتداعياتها ؛ بدءا من القضية الفلسطينية – قضية العرب الأولى- ؛ مرورا بالأزمات والصراعات في العراق وسوريا وليبيا وأخيرا اليمن وغيرها من الدول العربية ؛ كما عبرت بصدق عن تطلعات المواطن العربي من المحيط إلى الخليج وسعيه نحو السلام و الاستقرار وتأمين العيش الكريم ؛ لم يغفل الخطاب القطري أيضا قضية الإرهاب والدعوة للتصدي له لاقتلاعه من جذوره باعتباره أحد أهم معوقات التنمية في العالم؛ فضلا عن تبني الخطاب للقضايا الإنسانية والاجتماعية .

ولأن الخطاب القطري كان مخلصا ومن القلب يرتكز على قوة الحق العربي واحترام مبادئ حقوق الإنسان ؛ بعيدا عن المناورات أو المغامرات السياسية فقد حظي بتقدير واحترام المواطن العربي؛ بل وامتد ذلك التقدير و الثناء إلى العواصم الغربية وأروقة المنظمات الدولية والإقليمية التي رأت في الدور والسياسة القطرية نموذجا إيجابيا للدفع نحو دعم الأمن والسلم الدوليين بالتوازي مع السعي لتحقيق التنمية العالمية المستدامة كضمانة جوهرية لإرساء قيم الحق والخير والعدل ونشر ثقافة التسامح بين الشعوب..

البداية كانت عام 2013 عندما خاطب حضرة صاحب السمو الجمعية العامة في دورتها الـ 68
حيث أكد سموه أن قطر تحرص دائما على أن تكون طرفا إيجابيا فاعلا ذا دور بناء على المستوى الدولي، عبر علاقاتها السياسية والاقتصادية المتوازنة والمتميزة على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، مشددا سموه على مواصلة تنمية هذا النهج لقيام دولة قطر بمسؤولياتها والتزاماتها على مختلف الصُّعد، وطنيا وإقليميا ودوليا.

 *جرائم الاحتلال الإسرائيلي
وشدد سموه على أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والعربية عموما، وتغيير الواقع السكاني والعمراني فيها، ولا سيما عبر توسيع الاستيطان وتهويد مدينة القدس، والحصار الخانق والجائر لقطاع غزة، وتكثيف الاستيطان في هضبة الجولان السورية المحتلة وتغيير طبيعتها السكانية؛ كلها أمور لا يمكن أن تصبح طبيعية، “وذلك ليس فقط لأنها تشكّل خرقا صارخا للقوانين والمواثيق الدولية، بل أيضا لأن قضية الشعب الفلسطيني قضية عادلة، ولا بد من رفع الظلم التاريخي الواقع عليه”.

* تحديات الدورة 69
وفي الدورة التاسعة والستين في 2014 لم تغب قضايا العرب وهمومهم عن الخطاب القطري ؛ حيث أكد سموه بأن انعقاد تلك الدورة يأتي في ظل ما تشهده الساحة الدولية من تطورات ومستجدات ترتبط بأمن وسلامة الإنسانية جمعاء، والتي تتطلّب قيام الأمم المتحدة بكافة أجهزتها بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين عبر تفعيل الآليات والوسائل التي يتيحها ميثاق الأمم المتحدة، وسَبر الوسائل الكافية للحيلولة دون وقوع النزاعات ومعالجة جذورها ، والعمل من أجل تسويتها بالطرق السلمية.

 * جرائم إسرائيل تتواصل
وفي الشأن الفلسطيني أشار سموه إلى أن منطقة الشرق الأوسط مرت بمرحلة بالغة الخطورة إبّان الحرب الأخيرة على الأشقاء الفلسطينيين، وأنه لا توجد ضمانات أن لا تمر بمثلها مرة أخرى. فما زالت إسرائيل ماضية في سياستها الاحتلالية وتحديها للإرادة الدولية عبر المصادرات الأخيرة للأرض في الضفة الغربية ومواصلة بناء المستوطنات التي تكرّس الاحتلال. وقال لقد هز الضميرَ الإنسانيَ الحي ما شاهده العالم من صور مأساوية ووقائع غير مسبوقة أثناء العدوان على غزة واستهدافه للمدنيين: أطفال رضع قتلوا وهم في أحضان أمهاتهم وشُرِّد ما يقارب نصف مليون فلسطيني، ودمار شامل لقطاع غزة قبل أن ننتهي من إعمار ما هدمه العدوان السابق.

وأكد سموه على أن غطرسة القوة لن تقهر مقاومة الشعب الفلسطيني، وإنني أُحيي صمود مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة في مواجهة الاحتلال والإصرار على استعادة كافة حقوقه المشروعة وأحتسب عند الله أرواح شهدائه. وإنه على إسرائيل أن تعي أن أمن شعبها لن يتحقق إلا بالسلام، وأن الاحتلال مصيره إلى زوال.

وأشار سموه إلى أن ما خلفه العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة والحصار الجائر المفروض عليه وما سببه من تدمير للبنية الأساسية للقطاع يحتم على المجتمع الدولي إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والوفاء بالتزاماتها والإسراع في إزالة العراقيل التي وضعتها لرفع الحصار وتحقيق عملية الإعمار، وجدد التزام قطر بتقديم المساعدة لإعادة إعمار القطاع،وحث كافة دول العالم على ذلك.مؤكدا سموه أن استجابة المجتمع الدولي لتطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال الوطني أمر لازم لتأكيد عدالة الشرعية الدولية، لا سيما وأن القضية الفلسطينية هي آخر قضية استعمارية باقية.

* مخاطر ظاهرة الإرهاب
وتطرق سموه إلى ظاهرة الإرهاب فقال (تعاني العديد من مناطق العالم من ظاهرة الإرهاب تحت ذرائع وشعارات مختلفة تهدد أمن العالم واستقراره وتعرقل تحقيق التنمية المنشودة. ولا توجد حضارة لم تعرف الإرهاب في العصر الحديث. ولا شك أن المجتمعات الأكثر تضررا هي المجتمعات التي نبتت فيها هذه النبتة الضارة التي تعادي التنوع والتعددية التي تغني المجتمعات. وفي حالة المجتمعات العربية والإسلامية المتضررة منه، يمس الإرهاب بالأبرياء، ويفقر مجتمعاتنا إذ يحاول أن يحرمها من التنوع الديني والإنساني، ويطمس المطالب الحقيقية العادلة للشعوب، كما أنه يسيء للدين بتفسيرات تكفيرية سطحية له. لذا علينا جميعا مضاعفة الجهود لمحاربة هذه الظاهرة أياً كان شكلها أو هدفها أو مصدرها. وقد ثبت بالدليل القاطع ، أنه لا يمكن مكافحة الإرهاب إلا من خلال بيئته الاجتماعية، وأنه لكي تقف المجتمعات معنا في مكافحة الإرهاب يجب أن ننصفها، وأن لا نخيرها بين الإرهاب والاستبداد، أو بين الإرهاب والتمييز الطائفي ، وطالب سموه بدعم ليبيا الشقيقة حتى تجتاز المحنة التي تتعرض لها، عبر السعي الجاد من المجتمع الدولي باحترام إرادة الشعب الليبي وتلبية تطلعاته المشروعة في الأمن والاستقرار من خلال تحقيق مُصالحة تشمل كافة الأطياف الليبية.

* قضية التنمية المستدامة
وعلى صعيد القضايا الإنسانية والاجتماعية أكد سموه انه لا تزال دول عديدة في العالم تعاني من الفقر وتواجه صعوبات خطيرة في النهوض بمعدلات التنمية المنشودة. وفي هذا الصدد فإن الأهداف الجديدة للتنمية المستدامة لما بعد 2015 تشكل رؤية مشتركة بشأن الأجيال القادمة.
وجدد التزام قطر بمواصلة جهودها لبناء شراكة مع الأمم المتحدة، لاعتماد خطة التنمية لما بعد 2015 لتلبية طموحات شعوب كافة الدول والتكتلات الإقليمية. مشيرا سموه إلى أن قطر حققت خطوات متقدمة في برامجها التنموية الوطنية وتعزيز شراكاتها الإقليمية والعالمية في هذا الشأن  استناداً لرؤية قطر 2030 الهادفة لتحقيق التنمية في شتى مجالاتها.

* الدورة السبعون
وأمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة،  عبر سموه عن الارتياح لاعتماد الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لما بعد عام 2015، التي شاركت فيها قطر؛ لإيماننا بأن التنمية إذا أحسنَّا توزيع ثمارها هي شرط تحقيق العدالة الاجتماعية، وصون كرامة الإنسان، وتعزيز تماسك المجتمعات، وبالتالي تعزيز الأمن والاستقرار في العالم. ولأنه لا استقرار يدوم من دون تنمية وعدالة اجتماعية، كذلك تستحيل التنمية في ظروف القلاقل والحروب.

* الاحتلال الإسرائيلي يهدد السلم الدولي
وفلسطينيا جدد سموه أن الصراع في الشرق الأوسط سيظل يمثل تهديدا دائما للأمن والسلم الدوليين، لتأثيره المباشر على الكثير من الأزمات التي تواجه المنطقة والعالم. وتظل القضية الفلسطينية قضية شعب شُرِّد من أرضه، شعب واقع تحت الاحتلال، ولا يمكن تأجيل حلها العادل والدائم لجيل تالٍ. ويحتاج تحقيق تسوية عادلة ودائمة تسمح بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية إلى شريك إسرائيلي للسلام. ولا يوجد شريك إسرائيلي لسلام عادل حاليا، ولا حتى لتسوية. وفي هذه الظروف ثمة واجب دولي لا يمكن التهرب منه تجاه آخر مسألة استعمارية مفتوحة في التاريخ الحديث.

وقال سموه انه يتوجب على المجتمع الدولي – ممثلا في مجلس الأمن – القيام بمسؤولياته، باتخاذ موقف حازم يلزم إسرائيل باستحقاقات السلام، وفي مقدمتها وقف كل أشكال الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، والالتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تقر للشعب الفلسطيني استعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وفقا لمبدأ حل الدولتين.

 * قضايا نزع السلاح النووي
وتطرق سموه إلى قضية السلاح النووي فقال (يشوب التعامل الدولي مع قضايا نزع السلاح النووي قصور وازدواجية تقلقنا ، ولا أدلّ على ذلك من فشل مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار السلاح النووي الأخير في إخلاء منطقة الشرق الأوسط منه، والذي جاء مخيباً للآمال وألحق ضررا بمصداقية المعاهدة. وأكد سموه في هذا الشأن أن الاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 هو خطوة إيجابية ومهمة. ونحن نتطلع بأمل أن يساهم الاتفاق النووي في حفظ الأمن والاستقرار في منطقتنا، ولكننا نطالب بالانتقال إلى نزع السلاح النووي من المنطقة كلها، وكذلك أسلحة الدمار الشامل. مؤكدا في هذا السياق أن إيران دولة جارة مهمة ، وأن التعاون بينها وبين دولنا هو في مصلحة المنطقة.

* الدوحة تدعو لوحدة اليمن
وفي الملف اليمني أكد سموه حرص قطر على وحدة اليمن وسلامة أراضيه وسيادته ودعم الشرعية واستكمال العملية السياسية، وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني في اليمن في يناير 2014، وإعلان الرياض في مايو 2015، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولاسيما القرار رقم 2216. لا يعقل أن تسجل سابقة أن يوافق طرف سياسي أساسي على مخرجات الحوار الوطني، ثم يخرج عنه ليحاول أن يفرض رؤيته وهيمنته على البلاد كلها بواسطة السلاح.

* استقرار العراق والتوافق الوطني
وفي الشأن العراقي شدد سموه على أن استقرار العراق يتطلب توافقاً وطنياً عاماً بمنأى عن أية تدخلات خارجية وبمعزل عن أية تفرقة، طائفية كانت أم عرقية؛ “ونأمل أن تتمكن الحكومة العراقية من الوفاء بمقتضيات الوفاق والمصالحة بين مختلف مكوّنات الشعب العراقي”. مؤكدا أن التجربة أثبتت في العراق واليمن أن حالة الميليشيات خارج الشرعية لا تهدد الدولة بحكم تعريف الدولة وحقها الحصري في تشكيل قوات مسلحة فحسب، بل هي حرب أهلية كامنة تتحول إلى حرب أهلية فعلية عاجلا أم آجلا. وإن أي حل سياسي في العراق أو اليمن أو سورية أو ليبيا يجب أن يتضمن إنهاء الحالة الميليشياوية خارج مؤسسات الدولة الشرعية، وهذا مكون رئيسي في أية تسوية جدية، فبدونه لا تستقر التسويات، ولا تغدو حلولا حقيقية.

* الإرهاب وعواقبه الوخيمة
وفي ملف الإرهاب قال سموه “تضع ظاهرة الإرهاب بعواقبها الوخيمة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية خطيرة أمام الدول والشعوب، ولا شك أن مناطق التوتر والصراع قد أسهمت في نشوء المنظمات الإرهابية، كما أسهم تقاعس المجتمع الدولي عن التصدي لبؤر التوتر والصراع في تهيئة البيئة الراعية لتنفيذ العمليات الإرهابية. مؤكدا سموه ان الإرهاب مصدره أفكار متطرفة لا تقبل أي حل وسط مع واقع الناس وإمكانياتهم؛ وهو ينتعش في ظروف اليأس وانسداد الأفق. لم ينشأ الإرهاب في منطقتنا في ظل سياسات تضمن للمواطنين العيش بكرامة وحرية، بل نشأ في ظل الاستبداد، وتغذى على القمع والإذلال، وراكم الحقد والكراهية من التعذيب في السجون، واستفاد من فقدان الأمل في العمل السياسي السلمي. وأكد سموه أنه لا يوجد دين يدعو إلى الإرهاب في جوهره، وفي النصوص الدينية كافة ما يكفي من التعاليم التي تدعو إلى السلمية والتسامح والتعايش.

وأشار سموه إلى سعي قطر إلى انتهاج سياسة متقدمة في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان، “ونحن نواصل التعاون مع المنظمات الدولية من خلال عضويتنا في مجلس حقوق الإنسان، لترسيخ مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان عبر اتباع النهج المبني على سيادة القانون والشفافية والعدالة والكرامة الإنسانية”. وقال: “علينا أن نعمل سوياً على تعزيز قدرة نظام الأمن الجماعي على التعامل الفعال مع المشكلات الدولية والإقليمية، حفاظاً على حقوق الشعوب، وأن نواجه بإصرار أية محاولات لفرض حلول وقتية تعالج ظاهر المشكلات دون أن تلمس جذورها”.

* الدورة الحادية والسبعون
وفي الدورة الحادية والسبعين عام 2016 أكد حضرة صاحب السمو ان المجتمع الدولي يواجه تحديات جسيمة تتمثل في بعض أزمات إقليمية ودولية غير محلولة أصبحت عائقا أمام التنمية والاستقرار الإقليمي والدولي. وأن بعض الدول تستمر باتباع نهج العمل خارج نطاق الشرعية الدولية في ظل تقاعس دولي عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن. مشيرا في هذا الصدد الى أنه بعد مرور أكثر من سبعة عقود على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، لا تزال القضية الفلسطينية تنتظر الحل العادل، ولا تكتفي حكومة إسرائيل برفض قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام الشامل العربية، بل تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع عبر خطط استيطانية طويلة المدى في الضفة الغربية والقدس. وتقيم احتلالها على التمييز والفصل العنصري، إذ تنشئ نظامين حقوقيين في ظل سيادتها، واحدا للمحتلين وواحدا للواقعين تحت الاحتلال. وفي ظل صمت العالم وانشغال الدول العربية بقضاياها الراهنة قد يعتقد قادة إسرائيل أنهم نجحوا في سعيهم.. والحقيقة أنهم فشلوا في حل أي قضية

 

* الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الخليج
خليجيا قال سموه “تتمتع منطقة الخليج بأهمية استراتيجية على المستويين الإقليمي والعالمي وتشهد هذه المنطقة بعض الأزمات المتباينة في سماتها المتشابهة في جوهرها، ولابد من اللجوء إلى الحوار البناء لإيجاد الحلول لها. ولكي نصل إلى النتائج المنشودة يجب أن يرتكز الحوار بين الدول على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير. مؤكدا “يتطلب إنجاح الحوار بين الأطراف داخل الدولة كما هو الحال في العراق تغليب منطق التوافق السياسي والاجتماعي وترسيخ مفهوم المواطنة الكاملة المتساوية أمام القانون بعيدا عن الطائفية بكافة أشكالها.

وبالنسبة لليمن الشقيق تجدد قطر دعمها عودة الشرعية سبيلا وحيدا لضمان أمنه ووحدته واستقراره، ولا شك أن تقاعس المجتمع الدولي في تنفيذ قرارات مجلس الأمن وبخاصة القرار (2216) منح الفرصة لبعض القوى السياسية في اليمن للقيام بإجراءات انقلابية عرقلت الحل السياسي المنشود الذي يحقق مصلحة الشعب اليمني في الوحدة والاستقرار”.

وفي الملف الليبي قال سموه “على الرغم من أن الوضع في ليبيا الشقيقة لا يزال مضطربا، إلا إننا نتطلع إلى استعادة الاستقرار عبر الجهود التي يبذلها المجلس الرئاسي والحكومة الحالية، بدعم من المجتمع الدولي، والتصدي للإرهاب والتعامل مع آثاره الخطيرة”. مؤكدا على إسهام قطر في إنجاح الحل السياسي الدولي، وجدد دعم الدوحة لكافة الجهود التي من شأنها أن تعزز التوافق الوطني الليبي.

* إستراتيجية خاصة لمكافحة الإرهاب
وتناول صاحب السمو ملف الإرهاب فقال “يبقى الإرهاب الذي نواجهه مصدر تهديد لشعوبنا وأوطاننا ومنجزاتنا الاقتصادية والاجتماعية مما يستلزم تكثيف جهودنا في مكافحته”. وأكد أن النجاح في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة ليس سهلا لكنه أيضا ليس مستحيلا إذا توافرت الإرادة السياسية من خلال معالجة الجذور الاجتماعية لهذه الظاهرة المقيتة وفهم الظروف المساعدة على تسويق أيديولوجيات متطرفة في بيئة اليأس وانسداد الآفاق. وانه يجب ألا تقتصر محاربة الإرهاب على البعد الأمني الضروري بحد ذاته، بل تتعدى ذلك إلى إشاعة قيم التسامح وثقافة التعددية والحوار مع الأخذ بعين الاعتبار حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، الذي تكرسه الشرائع والمواثيق والأعراف الدولية.

كما تناول سموه ملف حقوق الإنسان، فقال (يشكل احترام حقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها إحدى الركائز الأساسية في مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، وانطلاقا من مبادئنا وقيمنا العربية والإسلامية التي تعلي قيمة الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى، حرصت قطرعلى ترجمة التزاماتها في هذا الجانب على المستويين الوطني والدولي، للدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية وتعزيز حقوق الإنسان في العالم. مؤكدا أنه في هذا السياق، فإن أحد التحديات في الوقت الراهن، والتي يتحتم علينا جميعا مواجهتها، يتصل بحماية اللاجئين، مما يفرض علينا التعاون والعمل المشترك للتغلب على أسباب اللجوء.

* حصار قطر يتصدر خطاب الدورة 72
وبحكم التداعيات المؤسفة والمخجلة التى أفرزتها جريمة حصار قطر، فرضت أزمة الخليج وجودها بقوة على كلمة صاحب السمو أمام الدورة الثانية والسبعين العام الماضى؛ حيث خاطب سموه الجمعية العامة قائلا: (في هذه المرة، أقف هنا وبلدي وشعبي يتعرضان لحصار جـائر مـستمـر، فرضتـه دول مجاورة. ويشمل هذا الحصار كافة مناحي الحياة، بما في ذلك تدخل الدول لقطع الصلات العائلية. مؤكدا أن قطر تدير حاليا حياتها واقتصادها وخططها التنموية وتتواصل مع العالم الخارجي بنجاح، بفضل وجود معابر بحرية وجوية ليست لهذه الدول سيطرة عليها.

وأضاف سموه (لقد فُرِضَ الحصار فجأة ودون سابق إنذار، ما حدا بالقطريين لاعتباره نوعًا من الغدر. ويبدو أن الذين خططوا له ونفذوه، تصوروا أن تحدِثَ الخطوةُ أثرًا صادمًا مباشرًا يؤدي إلى تركيع دولة قطر واستسلامها لوصاية شاملة تفرَضُ عليها.

وأكد سموه أن الأدهى أن مخططي الحصار وجدوا من الضروري الاستناد إلى تصريحات مختلقة نسبت إلي وزُرِعَت في موقع وكالة الأنباء القطرية بعد قرصنتها. وكان إعلام هذه الدول، وهو إعلام مجنّد ومأمور، جاهزًا على أهبة الاستعداد لبدء حملة تحريض شاملة معدّة سلفا انتُهكت فيها كافة القيم والأخلاق والأعراف، وانتهكت الحقيقة بوابل من الأكاذيب. وما زالت الأموالُ تصرف بسخاء على آلة صنع الافتراءات ونشرها، على أمل أن تختلطَ على الناس الحقيقة بالكذب.

وقال سموه إنه على الرغم من افتضاح أمر القرصنة، وتزييف تصريحات أمير دولةٍ ذات سيادة، لم تتراجع الدول المحاصِرة أو تعتذر عن الكذب، بل زادت شدة حملتها، وهي تُمَنِّي النفس أن يُحدِثَ الحصارُ أثرًا تراكميًا على الاقتصاد والمجتمع في بلدي، ما دام قد فشل في إحداث الأثر المباشر. وأضاف صاحب السمو (لقد ارتكب من قام بالقرصنة وتزييف التصريحات اعتداءً على دولة ذات سيادة، ذلك أن الجريمة تمت لأهداف سياسية مبيّتة، وأعقبتها قائمة إملاءات سياسية تمس بالسيادة أثارت استغرابا عالميا.

وقال سموه لقد حفّزت هذه الفعلة المشينة من جديد التساؤلات الدولية حول الأمن الرقمي والفلتان في عمليات القرصنـة الإلكترونيـة. كما أظهرت قلق أوساط واسعة رسمية وشعبية في العالم من عدم وجود مؤسسات وتشريعات دولية واضحة تنظم هذا المجال الخطير والحيوي وتعاقب مرتكبي الجرائم العابرة للحدود فيه. وقد آن الأوان لاتخاذ خطوات في هذا الصدد. ونحن مستعدون لوضع إمكانياتنا في خدمة جهد مشترك كهذا.

وأكد سموه أن الدول التي فرضت الحصارالجائرعلى قطر قامت بالتدخل في الشؤون الداخلية للدولة عبر الضغط على مدنييها بالغذاء والدواء وصلات الرحم لتغيير موقفهم السياسي لزعزعة الاستقرار في دولة ذات سيادة. أليس هذا أحد تعريفات الإرهاب..؟

وقال سموه (لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى ملاحقة دول الحصار مواطنيها والمقيمين على أراضيها وفرض عقوبات بالحبس والغرامة عليهم، لمجرد التعبير عن التعاطف مع دولة قطر، حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في سابقة لم يشهدها العالم من قبل، في مخالفة لأحكام مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان التي تكفل حق الإنسان في التعبير عن أفكاره وآرائه.

وقال سموه إن الدول التي فرضت الحصار على دولة قطر تتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من البلدان، وتتهم كل من يعارضها في الداخل والخارج بالإرهاب. وهي بهذا تُلحِق ضررًا بالحرب على الإرهاب، وهي في الوقت ذاته معارِضة للإصلاح وداعمة للأنظمة الاستبدادية في منطقتنا، والتي يتخرج الإرهابيون من سجونها. وقال سموه (لقد صمـد الشعـب القطري فـي ظـروف الحصـار، ورفض الإملاءات بعزة وكبرياء، وأصر على استقلالية قرار قطر السيادي، وعزّز وحدته وتضامنه، وحافظ على رفعة أخلاقه ورقيه، رغم شراسة الحملة الموجهة ضده وضد بلده.
وقال سموه (لقد رفضنا الانصياع للإملاءات بالضغط والحصار، ولم يرض شعبنا بأقل من ذلك. وفي الوقت نفسه اتخذنا موقفا منفتحا على الحوار دون إملاءات، وأعربنا عن استعدادنا لحل الخلافات بالتسويات القائمة على التعهدات المشتركة.

* حفظ السلم والأمن أولوية قطرية    
إلى ذلك، أكد صاحب السمو أن حفظ السلم والأمن الإقليمي والدولي يمثل أولوية في السياسة الخارجية القطرية، والتي تستند في مبادئها وأهدافها إلى ميثاق الأمم المتحدة وقواعد الشرعية الدولية، الداعية إلى التعاون البنّاء بين الدول والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار وتعزيز التعايـش السلمي واتباع الوسائل السلمية لتسوية النزاعات.

ودعا سموه حكومة جمهورية اتحاد ميانمار والمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤوليتهم القانونية والأخلاقية باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العنف ضد أبناء أقلية الروهينجيا وتوفير الحماية لهم وإعادة النازحين إلى موطنهم ومنع التمييز الطائفي أو العرقي ضدهم.

وقال صاحب السمو إن الإرهاب والتطرف من أخطر التحديات التي يواجهها العالم. وتتطلب مواجهتهما منا جميعاً عملاً متضافرا ضد التنظيمات الإرهابية وفكرها المتطرف لنحفظ للبشرية أمنها وللعالم استقراره. ولا خيار أمام حكومات العالم سوى التعاون في مجال المواجهة الأمنية للإرهاب، أما وقف إنتاج الإرهاب والتطرف فيتحقق من خلال معالجة جذوره الاجتماعية والسياسية والثقافية.

وأكد سموه (تظل قضايا الشرق الأوسط من الأكثر تهديدا للأمن والسلم الدوليين؛ لما لهذه المنطقة من أهمية حيوية للعالم. ولاتزال إسرائيل تقف حائلا أمام تحقيق السلام الدائم والعادل والشامل فيها، وترفض مبادرة السلام العربية. وتواصل الحكومة الإسرائيلية نهجها المتعنت واستراتيجيتها في خلق الحقائق على الأرض من خلال التوسع في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة. وتهويد القدس وتقييد أداء الشعائر الدينية في المسجد الأقصى، والذي يعد عملا استفزازيا خطيرا، كما تواصل حصارها لقطاع غزة. ويتعين على المجتمع الدولي منح أولوية قصوى لاستئناف مفاوضات السلام على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في إطار زمني محدد.، استنادا إلى قـرارات الشـرعـيـة الـدولـيـة ومـبـادرة الـسـلام العـربيـة. .

وبالنسبة للشأن الليبي، شدد سموه على تحقيق التوافق الوطني الليبي الذي يحافظ على وحدة ليبيا وسيادتها ونسيجها الاجتماعي ويعيد لها الاستقرار، بتضافر الجهود المحلية والدولية. وعلينا جميعا تكثيف الجهود ومساندة حكومة الوفاق، التي قامت بدعم من الأمم المتحدة. وفيما يخص العراق الشقيق، فإننا ندعم جهود الحكومة العراقية في العمل على تحقيق أمن واستقرار ووحدة العراق أرضا وشعبا، ونشيد بالإنجازات التي حققها في معركته ضد الإرهاب.

وفي الشأن اليمني، أكد على أهمية المحافظة على وحدة اليمن وتحقيق أمنه واستقراره، وإنهاء حالة الاقتتال والحرب وتبني الحوار والحل السياسي والمصالحة الوطنية كأساس لإنهاء هذه الأزمة وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (2216).

السابق
حقوق الإنسان: الدوحة تراقب تنفيذ أبوظبي لقرارات العدل الدولية
التالي
موقع IOL – جنوب أفريقيا: الخليج بحاجة ماسة للوحدة في هذا الوقت