رمضان.. طقس قطري متميز الخصوصية

بزنس كلاس

قال صلى الله عليه وسلم مبشرا به أصحابه “جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله”.

يعتبر طقس شهر رمضان المبارك في قطر ذو نكهة خاصة نظراً للأجواء الدافئة اجتماعياً وإنسانياً ودينياً التي تسود البلاد في تلك الأيام المباركة، إضافة لم يرافق الشهر الكريم من فعاليات رسمية واجتماعية ينتظرها أبناء قطر بلهفة من عام إلى آخر. وشهر رمضان بالنسبة للقطريين لا يبدأ منذ أول أيام الشهر الفضيل بل ينطلق ابتداء من منتصف شهر شعبان حيث يلمس المرء بشكل واضح أن الدوحة ومدن قطر كافة تدخل بأجواء رمضان المبارك وتبدأ الاستعداد له على قدم وساق عبر جملة من الفعاليات والتحضيرات الضرورية، فتزدحم الأسواق بالمشترين، وتقوم ربات البيوت بتحضير التوابل وتجهيز الأطعمة الخاصة بشهر رمضان، وما أن يدخل الشهر حتى يبدأ القطريين بالرجوع للعادات والتقاليد اليت يحرصون بعناية على استعادتها وبكافة تفاصيلها خلال ايام الشهر المبارك.

ويتميز شهر رمضان في قطر كما يراه المقيمون والسياح بازدحام الشوارع ومراكز التسوق وكثرة العروض الترويجية والترفيهية، إضافة إلى تنافس المطاعم العالمية على تقديم ما لذ وطاب من وجبات خاصة لجذب الصائمين، لكن هناك وجه آخر لهذا الشهر الكريم في هذا البلد الطيب، إنه رمضان بين العائلات القطرية.

و تتميّز الدوحة بأجواء هادئة خلال الشهر الفضيل، ويمكن ملاحظة الهدوء في شكل أكبر مع اقتراب موعد الإفطار، كما تجد الخيم الرمضانية في كل الأحياء بمختلف المستويات، إضافة إلى تبادل الزيارات بين الأهل والأصدقاء، وشراء الفوانيس.

نمط حياة

خلال شهر رمضان تتغير وتيرة الحياة ويتعدل نمط النشاط بالنسبة الى كثيرين، ليس على مستوى الأكل والشرب فحسب، بل على صعيد كل النشاطات اليومية. ويشكل موعد دوام العمل في هذا الشهر الكريم مثاراً للجدل سنوياً، لا يكاد ينتهي حتى يحين موعد شهر رمضان للعام التالي، وتختلف وجهات النظر حول موعد الدوام الذي يتغير من عام إلى آخر وفق ما تقتضي المصلحة العامة.

ومثل أشقائهم في دول الخليج العربي، مازال كثيرون من القطريين يحرصون على إحياء تقاليد وعادات رمضانية ورثوها عن أجدادهم جيلاً بعد جيل، تتجسد في ممارسات متنوعة، وتظهر في الحرص على إعداد مأكولات تقليدية محلية مثل الغبقة، والاحتفاء بليلة النصف من رمضان (قرنقعوه). ويفطر الصائمون بالتمر واللبن ثم يتوجهون إلى المائدة المليئة بالأطعمة الرمضانية الخاصة وأشهرها الهريس والثريد، أما الحلويات فأشهرها المحلبية والمضروبة واللقيمات. ويحرص القطريون على المساهمة في الموائد الرمضانية التي تقيمها هيئات خيرية حكومية وشعبية للمحتاجين أو للعمالة الأجنبية.

الغبقة

ويجتمع الرجال بعد صلاة التراويح في الغبقة  وهي السهرة التي يتسامر فيها الأصدقاء والأقارب ويأكلون فيها الحلويات الرمضانية ووجبة خاصة تسمى “الغبقة” عند منتصف الليل وتدوم هذه السهرة أحيانا حتى السحور، أما النساء فيجتمعن قرابة الساعتين فقط. لذلك يطلق البعض على شهر رمضان المبارك في قطر تسمية “شهر الغبقات، وذلك  نسبة إلى “الغبقة” ، وهي الوجبة الرئيسة التي يتم تناولها بعد صلاة التراويح، إذ يتجمع أهل «الفريج» كل يوم في منزل أحدهم لتناولها، في تجمعات خاصة للنساء وأخرى للرجال.

وتعد “الغبقة” عادة غذائية صحية ومفيدة، إذ يتم فيها إعداد المعدة لتناول الوجبة الرئيسة بعد إفطار خفيف لا يتعبها، وهي نظام غذائي رمضاني مفيد للمرضى، خصوصاً مرضى السكري الذين من المستحسن بالنسبة لهم تناول وجبات صغيرة ومتكررة، عوضاً عن تناول وجبة كبيرة دفعة واحدة.

يشار إلى أن أصل «الغبقة» في اللغة هو الغبوق، وهو عادة عربية قديمة معناها الأكل المتأخر في الليل، وتعد وجبة «لِمحَمَر»، والمكونة من الأرز المطبوخ بخلاصة التمر، والسمك الصافي المقلي “سيدة الغبقة الرمضانية” في قطر. وكانت تلك الوجبة حتى ستينيات القرن الماضي، الوجبة الوحيدة ظلت حتى بدأت أطباق جانبية بالدخول إلى جانبها. وعند إحياء هذه الوجبة،  يلتزم القطريون عادة  بارتداء الملابس التقليدية، والتركيز على إبراز النواحي التراثية.

الجدير بالذكر أن الغبقة تعتبر الوليمة أو العزيمة التي تؤكل عند منتصف الليل، وتتكون من (لِمحَمَر)، ولكن في وقتنا الحاضر استبدل بالأرز واللحم، أسوةً بسفرة الإفطار التي أدرجت ضمن أصنافها التقليدية أصناف حديثة. ورغم  حرص القطريين على إحياء تقاليد وعادات رمضانية متوارثة، إلا أن غبقة هذه الأيام تفتقد المِسَحر، أو ما يسمى (أبو طبيلة)، الرجل الذي يضرب على الطبل بالعصا مغنياً، وهو يجوب الفريج «اصحى يا نايم»، لإيقاظ الناس لتناول السحور وأداة صلاة الفجر، وفي الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل، يعطيه أهل الفريج، ما تجود به أنفسهم من طعام أو مال.

قرنقعوه

لا تقف الطقوس الرمضانية عند القطريين عند هذا الحد، بل تتعداه لتشمل ممارسات أخرى، ومنها تبادل المأكولات الرمضانية بين الجيران، والتي تتميز بغنى أطباقها التقليدية، كالهريس، والثريد، والحلويات ومنها اللقيمات. وفي غرة رمضان تحرص العائلات على الاجتماع في «البيت العود»، وهو بيت الجد، تعزيزاً لصلة الرحم وكسباً لأجر مضاعف في الشهر الفضيل، الذي تتعزز فيه الروابط الأسرية وتبرز أواصر العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة.

ومن أهم ما يميز شهر رمضان الفضيل في قطر هو تجمع العائلات في هذه الأيام المباركة، وعليه من يكون على سفر يعود إلى الوطن للاستمتاع بالطقوس الرمضانية التقليدية التي مازال يحرص كثيرون على إحيائها، ومنها تبادل الزيارات العائلية والجيران والمعارف، هذا إلى جانب الدأب على عادة تبادل المأكولات الرمضانية بين الجيران، ومن أبرزها الهريس، الثريد، الجريش، الساقو واللقيمات، فضلاً عن الحرص على إعداد (الغبقة)، الوجبة الرئيسة التي تؤكل بعد صلاة التراويح، إذ يتجمع أهل الفريج، كل يوم في منزل أحدهم لتناولها، في تجمعات خاصة للنساء وأخرى للرجال الذين يكون تجمعهم في المجالس في شهر رمضان الفضيل.

ويعد الاحتفاء بليلة النصف من رمضان، (قرنقعوه) في الـ14 من الشهر الفضيل، من أبرز الطقوس الرمضانية التي مازال القطريون يحرصون على ممارستها، وفيه يرتدي الأطفال الملابس التقليدية، ويجوبون بعد صلاة العشاء الفرجان، قاصدين البيوت التي يكافئهم أصحابها بتقديم الحلوى والمكسرات التي يتم تقديمها في الوقت الحاضر على شكل توزيعات جذابة للأطفال، مرددين أثناء تجوالهم (قرنقعوه قرنقعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. يا مكة يالمعمورة.. يام السلاسل والذهب يا نوره.. عطونا تحبة ميزان.. سلم لكم عزيزان.. يا بنية يالحبابة.. أبوك مشرع بابه.. باب الكرم ما صكه ولا حطله بوابة». وفي هذه الليلة الاحتفالية الجميلة، يرتدي الأطفال الملابس التقليدية، إذ ترتدي البنات الجلابية، والبخنق والذهب، ويُزين أيديهن الصغيرة بروم الحناء التقليدية، ويحملن معهن أكياس مزينة ليجمعن فيها الحلوى والمكسرات التي يقمن بجمعهن أثناء تجوالهن على البيوت في الفريج.

ومع بداية الأيام الأولى لرمضان تكون الزيارات العائلية بين الأهل والأسرة، ويقصد الرجال المجالس بعد صلاة التراويح يتجاذبون أطراف الحديث ويتبادلون التهاني. وتعم الفرحة نفوس أفراد الأسرة من صغارها إلى كبارها. وحيث أن  كل مجتمع يتميز بطابع خاص في رمضان، فإن من أهم ما يميز المدن القطرية مثل الوكرة والخور والشمال والريان، أن العائلات جميعها متماسكة ومترابطة وتجدهم دائماً ما يصلون الرحم، ويحرصون على الاجتماع في المجالس التي تشهد الغبقات الرمضانية، وهي تقليد تاريخي اجتماعي في الخليج تعارف أهله على إحيائه منذ مطلع القرن العشرين، وهي وجبة تقع بين وجبة الإفطار والسحور. كما يتذكر ابناء الجيل المتقدم في السن أكلة «الهريس» وكيف كانت الأمهات تعدّها منذ الصباح الباكر، حيث كان الصغار ينتظرون ضرب الهريس حتى يأكلوا ما يتبقى في القدر.

وعادة ما تستضيف الدوحة خلال أيام شهر رمضان مجموعة من الفرق الموسيقية المتنوعة في خلفياتها الفنية باختلاف البلدان التي تأتي منها، وتشهد الخيم الرمضانية في الفنادق الكبرى تنافساً بين تلك الفرق على تقديم فقرات غنائية وموسيقية للجمهور الذي يأتي للإفطار أو السحور متوقعاً الاستمتاع بجرعة موسيقية خاصة.

كما تشهد الأيام الأخيرة من رمضان حركة تجارية أكبر من الأيام التي تسبقها حيث تزداد طلبات الخياطة وتزدحم الأسواق والمراكز التجارية بالمتسوقين لعيد الفطر المبارك، فيما يبقى آخرون في أجواء الشهر الفضيل حتى آخر لحظاته حيث يتنافسون لاغتنام ايامه المباركة في الذكر والاعتكاف في المساجد.

فريق عمل بزنس كلاس

 

السابق
هديّتك هذا العام متميزة ومتألقة من RITUALS
التالي
بورصة قطر: السيولة تبلغ نحو 192 مليون ريال