في جزيرة بينانغ الإندونيسية، كان المعلم الأول الذي زرناه، هو حديقة الفراشات، التي تغير اسمها إلى “إنتوبيا، Entopia”، وتحوي – فضلا عن 100 نوع من الفراشات بألوانها البديعة – عدداً من الزواحف والبرمائيات المتنوعة، والتي تعيش في المناطق الحارة والاستوائية، كالثعابين الضخمة، والتنانين المتعددة الأشكال والأحجام.
تمتد الحديقة على مساحة كبيرة، وسقفها من الزجاج الذي يسمح بدخول الشمس لتغذي النباتات المنتشرة في أقسامها المتعددة.
وتضم حديقة ومتحف الفراشات أيضاً معرضا مصورا ومجسما، يسمى “معرض الأميرة” وربما يقصد بها الفراشة، يضم أقساما مختلفة بالصوت والصورة، تشرح الحياة البرية للفراشات والزواحف، ومراحل تطورها وتزاوجها وأماكن توجدها.
الصباغة اليدوية “كرافت باتيك”
وغير بعيد من حديقة الفراشات في بينانغ الماليزية، توجهنا إلى مصنع الصباغة اليدوية على القماش، ويسمى “كرافت باتيك”، وهو مصنع كبير لا توجد فيه آلة واحدة، بل فتيات وفتيان موهوبون، أدواتهم أصباغ ومواد شمعية مذابة في قوارير على سخانات، وطاولات يفردون قماشهم عليها، ويزينونها بأشكال تقليدية وحديثة في غاية الروعة.
ولمحت في هذا المصنع، أو المعمل بالأحرى، ركناً لأطفال صينيين يتدربون وينتجون أعمالا فنية بديعة على القماش.
وما دمنا قد أتينا على ذكر الصينيين، فقد عرفت أنهم يشكلون 60% من سكان جزيرة “بينانغ” البالغ تعدادهم مليونا وثلاثة أرباع المليون نسمة، في حين يشكل المالاويون 27%، والبقية من الهنود والبورميين وغيرهم.
بوذا التايلاندي
كنت قد تعرفت على بوذا Buddah خلال رحلة لسريلانكا، أو “سيلان” في تسميتها الاستعمارية، أو “سرنديب” كما ناداها العرب، حيث رأيت معابده هناك، وزرت واحداً كبيراً منها، وشاهدت طقوس مريديه وهم كثر من جنسيات كثيرة.
لكنني في بينانغ الماليزية، زرت ثلاثة معابد بوذية مختلفة، واحد تايلاندي، وآخر بورمي، والثالث صيني!
كنت أعتقد أن تعدد المذاهب والطوائف ظاهرة مقصورة على الديانات السماوية، لكني في رحلتي هذه اكتشفت أن الوثنيين متعددون ومختلفون أيضا.
ولنبدأ بالنسخة التايلاندية لبوذا، ففي هذا المعبد نجد تمثال بوذا وهو مستلق، أو مضطجع، في الوضعية التي قيل إنه مات عليها، وهو رابع أضخم تمثال من هذا النوع في العالم، ولا علم لي بموضع الثلاثة الآخرين.
وأمام المعبد، كما في معظم المعابد البوذية التي زرناها، يوجد تنينان ضخمان وطويلان يستقبلانك قبل الولوج من البوابة الرئيسية، كما تتناثر حول المعبد الرئيسي الكبير، مجموعة من المعابد البوذية الصغيرة.
هناك تعليمات مكتوبة أمام كل معبد، بوجوب خلع الحذاء قبل الدخول… فلما دخلت “حافيا”، شاهدت السيد بوذا مستلقيا بطول مئة قدم تقريبا، مطليا بالذهب، وتحت سريره من الأمام مجموعة من التماثيل، هي لبوذا أصغر حجما، وحتى لبوذا مستلقيا ولكن بحجم أصغر، أما الجهة الخلفية للسرير الضخم، فتعلوها لوحات فنية، وفي أسفل حائط به فتحات تحوي أواني فخارية مزركشة، بداخلها رماد أشخاص ماتوا منذ زمن، ربما كانوا من عِلية القوم فأرادوا أن يحظى رمادهم بـ”البركة” تحت تمثال بوذا، وعلى كل فتحة غطاء زجاجي معلق عليه صورة المتوفى، وما تيسر من المعلومات عنه أو عنها.
وفي الخلفية أيضا رأيت كثيرا من تماثيل بوذا الجالس بإشارات يديه التي يبدو أن كل واحدة منها تحمل معنى ومغزى وتوجيهاً لدى البوذيين، إما أمر أو نهي أو موافقة ورضا غير ذلك، بينما القدمان في كل التماثيل وضعهما ثابت، اليمنى فوق اليسرى، والاثنتان مثنيتان ومفلطحتان.
و…بوذا البورمي
كان علينا أن نعبر الشارع فقط، لننتقل من معبد بوذا التايلاندي، إلى آخر لبوذا في نسخته البورمية، ولم يكن التنين الشهير على بوابته هذه المرة، بل وجدت – في حماية بوذا البورمي- حيواناً خرافيا يفتح فمه ويظهر أنيابه، أما بوذا نفسه، فقد رأيته واقفا بحجم ضخم جدا، ويده اليمنى في وضعها الشهير وكأنها تهدئ من الروع أو تطلب التوقف أو الكف عن فعل شيء، فيما طوى البنصر والوسطى من يده اليسرى الممدودة قليلا إلى الأمام، وتحت أقدامه أزهار وورود، بينما كان هناك شاب وفتاة انتهيا لتوهما من الصلاة أمامه، وكأنهما يطلبان مباركة خطبة أو زواج، أو طلب أمنية في الحياة. وقد تناثر حول هذا التمثال مجموعة من البوذات الأصغر حجما ولكن بأشكال مميزة عن نظرائها التايلاندية فرؤوسها مزدانة بشعر أسود، لكن إشارات أيديها تطابقت مع ما رأيناها سابقا.
كانت رحلتنا في بينانغ “بوذية” بامتياز، حيث توجهنا إلى المعبد البوذي الصيني، والذي يبهر الزائر إليه إن من حيث موقعه، أو حجمه الضخم وتنوع محتوياته، أو الطقوس الخاصة التي تشاهدها عند الزيارة، قبل أن نتوجه إلى باقي معالم هذه الجزيرة الماليزية الخلابة.