تُخطط حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بفرض ضرائب مع سعيها لتعزيز إيراداتها التي تضررت كثيراً؛ جراء هبوط أسعار النفط بنحو حاد منذ منتصف 2014؛ ما دفع بعضها لتسجيل عجز في الموازنات المالية.
وتأتي الضرائب المزمع فرضها في العام الحالي والقادم، في إطار إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق؛ بهدف اللجوء إلى موارد جديدة بعيداً عن العوائد النفطية.
ولعل أبرز الضرائب المُقرر فرضها هي “القيمة المضافة” التي ستُطبق في الربع الأول من العام القادم، وضريبة السلع الانتقائية المُقرر تطبيقها خلال العام الجاري على بعض السلع المضرة بالصحة مثل التبغ ومشروبات الطاقة.
وضريبة القيمة المضافة هي ضريبة مركبة تُفرض على فارق سعر التكلفة وسعر البيع للسلع، فهي ضريبة تفرض على تكلفة الإنتاج، وتُعد ضريبة غير مباشرة.
والضريبة الانتقائية هي ضريبة غير مباشرة يتحملها المستهلك النهائي، تُفرض على السلع ذات الأضرار على الصحة العامة، أو البيئة، أو السلع الكمالية بنسب متفاوتة. وتحصل على مرحلة واحدة من قبل الموردين والمصنعين.
البداية من السعودية
وتأتي في مقدمة الدول الخليجية التي ستطبق تلك الضريبة السعودية، والتي نشرت لوائح وأنظمة الضريبة الانتقائية في الجريدة الرسمية لتصبح سارية بعد 15 يوماً في 10 يونيو 2017.
وتتوقع المملكة أن تبلغ الإيرادات السنوية للضريبة الانتقائية نحو 8 مليارات ريال (2.13 مليار دولار) سنوياً؛ إذ ستبلغ ضريبة مشروبات الطاقة نحو 100%، في حين ستكون 50% على المشروبات الغازية.
الإمارات ثانياً
وتأتي دولة الإمارات في المرتبة الثانية لتطبيق تلك الضريبة بعد إعلان وزارة المالية الإماراتية أنها ستبدأ في تطبيق الضريبة الانتقائية في الربع الأخير من العام الحالي.
وقالت الوزارة في بيان: إن الضريبة الانتقائية ستُفرض على التبغ ومشروبات الطاقة بنسبة 100%، والمشروبات الغازية بنسبة 50%.
وعن ضريبة القيمة المضافة، ذكر بيان الوزارة، أنه سيتم البدء بتطبيق الضريبة في 1 يناير 2018.
وتوقع اقتصاديون لـ”مباشر” أن تحقق ضريبة القيمة المضافة عائداً مالياً لدول الخليج يتجاوز الـ 25 مليار دولار سنوياً، مُشيرين إلى أن تلك الضرائب ما هي إلا “أداة مُكملة للإصلاح المالي في موازناتها، لكنها لن تكون كلمة السر في القضاء على عجز موازنات تلك الدول”.
وتوقعت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” للأبحاث في بريطانيا، في تقرير لها منتصف أبريل الماضي، أن تتحسن أوضاع موازنات دول الخليج في العامين الحالي والقادم، وأن كثيراً منها ستحقق فوائض.
ورجحت المؤسسة أن تخفف الحكومات في دول الخليج إجراءات التقشف في الموازنة في حين تتباطأ وتيرة إصدارات الديون.
تعافي الاقتصادات
من جانبه، قال أمجد رمضان، المحلل الاقتصادي، إن دول مجلس التعاون ستتمكن من خلال تلك الإجراءات، وأبرزها الضرائب من مواجهة أزمة هبوط أسعار النفط، وبدأت اقتصاداتها بالتعافي.
وأشار رمضان إلى أن السعودية نموذج لهذا التعافي، فقد قررت في بداية العام إلغاء البدلات والحوافز الحكومية، وأعادتها بعد عدة أشهر، وهذا دليل على تراجع هوامش العجز بسبب السياسات التقشفية التي طبقت، وهذا مؤشر جيد.
وذكر رمضان أن إعادة الحوافز والبدلات الحكومية سيسهم أيضاً في إنعاش الاقتصاد السعودي؛ وذلك لأنه يعتمد على الاستهلاك، وأوصى بضرورة تنويع مصادر الدخل لدول الخليج، من خلال رفع القيمة المضافة للنفط بتحويله لمنتجات بترولية.
إصلاحات فورية
وقال رضا بسيوني، المحلل الاقتصادي، إن: “العجز في موازنات الدول الخليجية زاد التخطيط والرغبة لدى هذه الدول لتخفيض اعتمادها على عائدات النفط، إضافة لإجراء إصلاحات فورية للنفقات والإيرادات”.
وأضاف بسيوني أن السعودية مثلاً اتخذت العديد من القرارات التقشفية التي أدت بالفعل إلى تقليل معدلات الإنفاق بصورة كبيرة؛ وهو ما أثبتته بيانات الربع الأول من العام الحالي 2017، حيث حقق إجمالي المصروفات نحو 6.9 مليار دولار، مقابل توقعات بمصروفات بلغت 14.9 مليار دولار.
وذكر بسيوني أن جميع القرارات والخطوات التي اتبعتها السعودية، بجانب تطبيق رؤيتها للعام 2030 في تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، يزيد من التوقعات بأن تقضي المملكة على عجز الموازنة عام 2020.
وأضاف بسيوني، أن هناك مؤشرات تحسن بالتأكيد؛ فالتوقعات تُشير إلى أن الاقتصاديات الخليجية، ومعدلات النمو في هذه الدول، ستتعافى في السنوات المقبلة.
وأوضح بسيوني أن الإيرادات غير النفطية في السعودية بلغت نحو 200 مليار ريال بنهاية عام 2016، مقابل 166 ملياراً عام 2015، بارتفاع يقارب الـ 20%، لتشكل هذه الإيرادات الآن نحو 38%.
ولفت بسيوني إلى أن التوقعات تُشير إلى ارتفاع قيمة الإيرادات غير النفطية في المملكة، لتبلغ 212 مليار ريال في العام 2017.
وذكر بسيوني أن نفقات الموازنة القطرية للعام 2017 انخفضت بنحو 2%، إلى جانب زيادة الإيرادات بنسبة 9%؛ ما أدى إلى انخفاض إجمالي العجز في الموازنة إلى 28.3 مليار ريال قطري، مقارنة بالعام 2016، الذي بلغ فيه العجز 46.5 مليار ريال.