دولة بحجم 43 مليون نسمة تحت رحمة شركة من 300 موظف

تماماً مثلما يرتبط اسم “جورج سوروس” ببنك إنجلترا، و”جيم تشانوس” بشركة الطاقة الأمريكية المُعلن إفلاسها “إنرون”، سيتم ربط اسم الأرجنتين للأبد بالملياردير الأمريكي البالغ من العمر 72 عاماً “بول سينجر”.

فبسبب “سنيجر” أصبحت الأرجنتين في فترة من الفترات دولة منبوذة، تخشى تحليق طائراتها الرئاسية في الجو أو إرساء سفنها البحرية في عدد من المدن بالخارج، خشية أن يتم الاستيلاء عليها من قبل محاموه.

 

فما هي القصة، وكيف تمكن “سينجر” مدير صندوق التحوط “إليوت مانجمنت” الذي لا يتجاوز عدد العاملين به الـ300 موظف من جعل الدولة صاحبة الـ43 مليون نسمة، والتي تتوقع “فيتش” تخطي اقتصادها حجز التريليون دولار عام 2019 تجثو حرفياً على ركبتيها.

جذور القصة

– خلال الكساد الأرجنتيني الكبير (1998 – 2002) أصدرت الأرجنتين كما غير مسبوق من السندات الحكومية، وكان المستثمرون الأمريكيون أغلب مشتري هذه الأوراق المالية.

– انكمش الاقتصاد الأرجنتيني خلال تلك الفترة بنسبة 28%، وتعثرت البلاد في سداد سندات تقترب قيمتها الإجمالية من 82 مليار دولار، لتدخل أسوأ أزمة مالية في تاريخها.

– وافق معظم الدائنين أو 93% منهم على الحصول على 30% فقط من المبالغ المستحقة لهم، ولكن البقية بما فيهم “سينجر” وعدد من صناديق التحوط الأخرى رفضوا الصفقة، مصرين على الحصول على 100 سنت مقابل كل دولار من القيمة الاسمية لتلك السندات.

– رأت هذه المجموعة أن الحكومة الأرجنتينية يمكنها دفع مبالغ أكبر من تلك التي عرضتها، ونصحت باقي الدائنين بأنهم غير مجبرين على القبول بالصفقة التي وصفتها بالسيئة.


– أصبح صندوق التحوط “إليوت مانجمنت” الذي أسسه “سينجر” في عام 1977 هو الممثل العام للمستثمرين الرافضين للصفقة، حيث كان نشاط “سينجر” الرئيسي في وول ستريت هو شراء الشركات المتعثرة ثم إعادة هيكلتها إدارياً.

– هذه الحادثة لم تكن هي أول تعامل لـ”سينجر” مع الحكومات الأجنبية، حيث إنه اشتبك أكثر من مرة مع بيرو وجمهورية الكونغو حول قيمة السندات الحكومية.

– بالفعل نجحت المجموعة المتمردة التي لا تتجاوز نسبها الـ7% في استصدار أمر قضائي في عام 2012 يحظر على الأرجنتين الدفع للـ93% الموافقين على الصفقة، قبل أن تقوم بسداد القيمة الاسمية الكاملة لما يحمله “سينجر” وشركاؤه من سندات حكومية.

– أثار هذا القرار مخاوف دولية بشأن قدرة أقلية صغيرة من المستثمرين على حجب اتفاق إعادة هيكلة الديون الذي تم التفاوض عليه لسنوات، وأصبح الحكم موضع انتقاد على الصعيد الدولي وخاصة في الولايات المتحدة.

 

مطاردة “سينجر” للأرجنتين

– خلال تلك الأزمة، كانت خطوة “إليوت مانجمنت” الأكثر جرأة الاستيلاء على إحدى السفن التدريبية الضخمة التابعة للبحرية الأرجنتنية في عام 2012 بينما كانت ترسو على أحد الموانئ بغانا.

– تمكنت “إليوت” من الحصول على حكم قضائي من أحد المحاكم في غانا يتيح لها الاستيلاء على السفينة، وذلك بعد أن قدمت للمحكمة ما يثبت أن الأرجنتين مدينة لها بالأموال.

– أشارت وسائل إعلام وقتها إلى أن “سينجر” كان يراقب عن كثب مسار السفينة الأرجنتينية المسماه “ليبرتاد”، وانتظر حتى توقفها في الميناء حتى تتاح له فرصة تنفيذ الحكم القضائي والاستيلاء على السفينة التي لم تكن لها في الحقيقة قيمة تذكر في المعركة المستمرة لسنوات حول مليارات الدولارات من الديون.

– في يناير/كانون الثاني عام 2013، استقلت رئيسة الأرجنتين “كريستينا فرنانديز” طائرة خاصة في رحلة لها إلى آسيا والشرق الأوسط، بدلاً من طائرتها الرئاسية  بسبب مخاوف من محاولة استيلاء الدائنين عليها.

 

– كلفت الرحلة التي استمرت لأسبوع الحكومة الأرجنتينية حوالي 880 ألف دولار، أي بزيادة قدرها 20% عن تكلفة السفر على متن الطائرة الرئاسية.

– قرار الرئاسة الأرجنتينية باستئجار طائرة خاصة بدلاً من الطائرة الرئاسية، جاء بعد أن حذر محامي الحكومة الأرجنتينية من احتمال احتجاز الدائنين للطائرة بطريقة مماثلة لتلك التي تم من خلالها توقيف “ليبرتاد” قبل عام.

– لفتت التكتيكات التي تقوم بها صناديق التحوط القوى الدولية، ومن جهتها بدأت الأرجنتين في شن حملة مضادة ضد ما سمتهم بالإرهابيين الماليين، وحجزت صفحات كاملة في واشنطن بوست وغيرها من المطبوعات الشهيرة، ونجحت بالفعل في جذب بعض الأنصار لقضيتها.

– حاولت الأرجنتين خلال هذه الحملة التركيز على فكرة مفادها، أن إعطاءها صناديق التحوط ما تريده سوف يعرضها لمطالبات لا تستطيع تحملها أو دفعها.

– قالت السفيرة الأرجنتينية لدى الولايات المتحدة في رسالة وجهتها إلى الكونجرس في عام 2013، إن بلادها ملتزمة بمعاملة جميع حاملي السندات السيادية على قدم المساواة، ولكنها وصفت طلبات صناديق التحوط بأنها “عديمة الضمير”.

 

أخيراً بعد 15 عاماً

– بعد خلاف قانوني استمر لما يقرب من 15 عاماً توصل “سينجر” وحلفاؤه مع الحكومة الأرجنتينية إلى تسوية بخصوص قضية السندات في التاسع والعشرين من فبراير/شباط عام 2016.

– بموجب التسوية، حصل “بول سينجر” على 2.28 مليار دولار، أي ما يعادل 369% من القيمة الاسمية لحيازاته من السندات الأرجنتينية والتي لم تتجاوز 617 مليون دولار.

 

– رغم ذلك، بالرجوع إلى الوراء لم يدفع “سينجر” حين أقدم على شراء هذه السندات ما يساوي قيمتها الاسمية، وإنما اشتراها مقابل نسبة ضئية جدا من القيمة التي أصر لسنوات على استعادتها كاملة، لذلك فإن عائده على هذا الاستثمار اقترب على الأرجح من 2000%.

– ضمن التسوية أيضاً، وافقت الأرجنتين على سداد 4.65 مليار دولار نقداً لصناديق التحوط، تشمل 4.4 مليار دولار لحاملي السندات، بالإضافة إلى مصروفات قضائية.

– في الحقيقة، لم يكن “بول سينجر” هو الفائز الوحيد من تلك التسوية، حيث تمكنت “نانسي زيمرمان” مديرة صندوق التحوط “براسبريدج” – أحد حاملي السندات الأرجنتينية – من تحقيق عائد يقترب من ثمانية أضعاف القيمة الاسمية لتلك السندات والبالغة 120 مليون دولار.

السابق
أساطير الريال في التدريب الأخير قبل النهائي الأوروبي
التالي
الهلال الأحمر القطري في اليمن: استكمال نجهيز وحدات سكنية للأسر المتضررة