دور التنقل المستدام في تحوُّل قطر

الدوحة- بزنس كلاس
استضافت دولة قطر مؤخرًا معرض إكسبو الدوحة 2022 للمدن الذكية، وقد تناول المعرض ضمن فعاليته العديد من الموضوعات ومن بينها التكنولوجيا الرقمية وعلاقتها بالتنقل الذكي والمستدام. وتشير هذه الموضوعات إلى وجود رابطٍ قويّ بين ضرورة تغيير أنماط التنقل التقليدية، والقدرات والإمكانيات التي يمكن للتكنولوجيا الرقمية توفيرها، وتحقيق أهداف الاستدامة. فعلى سبيل المثال، وضعت دولة قطر هدفًا يتمثل في خفض انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول عام 2030، وهو هدف طموح يمكن تحقيقه شريطة أن تعتمد دولٌ مثل قطر إطار عمل شامل يؤدي إلى إحداث تغيير نوعي في منهجية إدارة التنقل والتنظيم المدني. إلا أن دولة قطر ستواجه تحديًا عندما يحل موعد استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022 – المتوقع أن يحضرها أكثر من مليون مشجع – والتي ستشكل اختبارًا حقيقًا لمرونة دولة قطر وقدرتها على توفير خيارات التنقل الذكي والمستدام في البلاد.

تعتمد قطر – كما هو الحال في المدن الأخرى بمنطقة الشرق الأوسط – على السيارات الخاصة في معظم عمليات التنقّل، وما يساعد في هذا الأمر هو أنّ امتلاك السيارات الخاصة غير مكلف نسبيًا بفضل تكلفة الوقود المعقولة، ورسوم الترخيص المنخفضة نسبيًا، والسياسات الداعمة لاستخدام السيارات الخاصة. إلا أنّ استخدام السيارات الخاصة ينطوي على تكلفة غير مباشرة تتمثل في التلوث، والازدحام، وسوء جودة الهواء، وحوادث المرور، والعبء الاقتصادي الناجم عن ذلك. ووفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة، يسهم قطاع النقل وحده في 25% تقريبًا من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المدن.

ومع هذا، يمكن أن يؤدي تغيير ثقافة الاستخدام المفرط للسيارات الخاصة إلى منافع اقتصادية واجتماعية جـمّـة، فضلًا عن المكاسب البيئية الواضحة. ومع توجه المدن – وعلى رأسها قطر – نحو إعادة النظر في نظم التنقل والتنمية المدنيّة والاستثمار في التنقل المستدام والذكي، ستتحسن الحركة المرورية – وكذلك الدورة الاقتصادية وكفاءة استخدام الطاقة – وستكون منظومة النقل أكثر أمانًا بما يؤدي إلى رفع الإنتاجية المجتمعيّة وتقليل الحاجة إلى ضخ الاستثمارات في الطرق والبنى التحتيّة الجديدة.

يمكن للمدن التحول نحو نظم التنقل الذكية والمستدامة من خلال اعتماد إطار عمل شامل من خمسة عناصر:

أولًا، يتعين على المدن جعل نظم النقل العام محورًا مركزيًا في الخطط المستقبلية، مع إتاحة أساطيل النقل العام المكهربة بالكامل. وتوفر دولة قطر مثل هذا النمط من نظم التنقل، حيث استثمرت 36 مليار دولار في نظام مترو الدوحة المؤتمت وعالي الجودة. وتلتزم الدولة أيضًا بالوصول إلى صفر انبعاثات من وسائل النقل العام بحلول عام 2030، مع السعي لتحقيق هدف مرحلي يتمثل في جعل 25% من أسطول النقل خاليًا تمامًا من أي انبعاثات خلال كأس العالم لكرة القدم المقرر إقامته في نهاية عام 2022 (والذي تريد أن تكون قطر خلاله أول دولة محايدة للانبعاثات الكربونية في تاريخ البطولة).

ثانيًا، ينبغي على المدن العمل على استبدال المركبات العاملة بالوقود بالمركبات الكهربائية. وبدأت قطر في استخدام بدائل تتمثل في تشغيل الحافلات الكهربائية على خط المترو الذهبي. ومؤخرًا، قامت مواصلات – وهي الجهة المشغلة للنقل العام في قطر – بإطلاق محطات شحن الحافلات الكهربائية كجزء من الاستراتيجية الشاملة للمركبات الكهربائية التي تقضي بأن تقدم وزارة المواصلات حوافز لمالكي السيارات الخاصة لاعتماد المركبات الكهربائية، كما وقَّعت الوزارة مذكرة تفاهم مع الفردان للسيارات لتركيب نقاط شحن مجانية للمركبات الكهربائية في الدولة، مما يسهل من تبني المركبات الكهربائية.

ثالثًا، يتعين على المدن تقليص عدد رحلات السيارات الخاصة وجعل التنقل أكثر فعاليّة عبر تشجيع التنقل المشترك. وقد أثبتت العديد من الشركات أن تشارُك المركبات هو نموذج عمل مجدٍ يؤدي إلى تعزيز كفاءة استخدام منظومة النقل. ومن الأمثلة الإقليمية في هذا الإطار شركة Swvl التي تم طرحها مؤخرًا في البورصة على مؤشر ناسداك، وقد بدأت في تقديم خدمات طلب الحافلات في القاهرة، ونقلت مقرها الرئيسي لمدينة دبي، وتقدم الآن خدمة مشاركة المركبات في أكثر من 20 دولة.

رابعًا، يمكن للمدن تحفيز التنقل بوسائل غير معتمدة على المركبات. ويعني هذا جعل المدن أكثر قابلية للمشاة وتوفير وسائل التنقل اللّيّن مثل مشاركة الدراجات الهوائية والدراجات البخارية الإلكترونية. وبالإضافة إلى كونه خيارًا نشطًا وصحيًا، يمكن لهذا النمط من التنقل أن يعزز النقل العام كبديل مجدٍ عبر التغلب على تحديات ربط “الميل الأول” و”الميل الأخير” التي تدفع الناس إلى تفضيل سيارتهم الخاصة كوسيلة نقل. ويعدُّ التنقل اللّيّن مفيدًا بشكل خاص أثناء الفعاليات الجماهيرية عندما تحتاج أعداد كبيرة من البشر إلى التنقل لمسافات قصيرة نسبيًا، مثل التنقل بين ملاعب كرة القدم والمنشآت المحيطة.

خامسًا، يمكن للمدن أن تعيد التفكير في طريقة تصميمها للمدن لتشجيع خفض استخدام السيارات الخاصة. ويمكن أن يتضمن التخطيط المدني مفاهيم مثل “الشوارع المتكاملة” التي توفر خيارات تنقل أكثر أمانًا وذكاءً لكل مجموعات المستخدمين بما يتجاوز الاعتماد على السيارات الخاصة. وبدأت العديد من المدن تبنّي سياسات مثل “الدقائق الخمس” بحيث يمكن الوصول إلى جميع وسائل النقل العام أو المرافق الرئيسية خلال خمس دقائق أو أقل سيرًا على الأقدام.

ينبغي على المدن أن تدعم إطار العمل الشامل بالبنية التحتية والتكنولوجيا والعوامل التمكينية الأخرى. وتعمل تحليلات البيانات المتقدمة – على سبيل المثال – على تسهيل فهم تدفقات حركة المرور، وإرشاد حركة السير على الطرق بفعالية، ومراقبة الانبعاثات – مما يجعل النقل المستدام ذكيًا. وفي هذا الإطار، وقّع مركز قطر للابتكارات التكنولوجية (كيومك) مذكرة تفاهم مع مركز كاليفورنيا للتنقل، وهي شراكة بين القطاعين العام والخاص، للتعاون في تسويق ابتكارات التنقل المنتجة محليًا. كذلك ينبغي أن تكون هناك سياسات لتوزيع عبء تكلفة تحوُّل التنقل. ويمكن للحكومات استثمار الأموال التي تتلقاها من إنفاذ قوانين المرور ورسوم الطرق والازدحام على سبيل المثال لتغطية تكاليف النقل العام المستدام والذكي.

لقد شكّل معرض إكسبو الدوحة للمدن الذكية 2022 فرصة لاستكشاف هذه الأفكار. ومع استعداد قطر لاستضافة كأس العالم في كرة القدم، فإنّ الوقت مناسب الآن – أكثر من أي وقت مضى – لوضع إطار عمل شامل وتنفيذه لدعم التنقل الذكي والمستدام.

بقلم مارك حداد – الشريك – وغوستاف قرداحي المدير في ستراتيجي& الشرق الأوسط، جزء من شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز.

السابق
عشرة أفلام دعمتها مؤسسة الدوحة للأفلام تُختار للعرض في مهرجان كان السينمائي 2022
التالي
مؤشر البورصة يتراجع بأعلى وتيرة في مايو بنسبة 2.43% عند مستوى 13143.5 نقطة