وكالات – بزنس كلاس:
بدأت المسألة النووية في منطقة الشرق الأوسط تأخذ بعداً شديد الخطورة مع تحولها يوماً بعد يوم إلى نوع من السباق بين جميع دول المنطقة للحصول على سلاح نووي يشكل قوة ردع بوجه الخصوم الإقليميين ما يهدد المنطقة والعالم بما لا تحمد عقباه خصوصاً أن الشرق الأوسط يغلي بالحروب والعداوات والصراعات الدولية على أراضيه ما يجعله أخطر بقعة على وجه الأرض. فكيف سيكون الحال عند امتلاك اكثر من دولة في هذه المنطقة للسلاح النووي؟!! لا أحد يمكنه التكهن بما ستؤول إليه الأمور وإلى أي مدى يمكن أن تذهب سيناريوهات الدمار الشامل المتوقعة إذا ما انطلق فعلاً هذا السباق المجنون.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة فورين بوليسي” بأن قرار الرئيس «دونالد ترامب» الأخير بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وعرضه لمساعدة المملكة العربية السعودية لبناء مفاعلات نووية، يثير مسألة انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط وحقيقة مخاطر سباق التسلح الإقليمي. وإذا استأنفت إيران برنامج أسلحتها النووية، فسوف يسعى السعوديون بالتأكيد إلى تحقيق أهدافهم الخاصة، وقد تتبعهم الجزائر ومصر وتركيا في ذلك.
ولحسن الحظ، فإن ذلك يمكن تجنبه بتعزيز قواعد مكافحة تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة وقود المفاعلات المستهلك (وهي مفاتيح تطوير الأسلحة النووية).
وقد تحصل إيران على قنبلة في غضون عام. ونحن نعلم بالفعل أنها عملت على تصميم قنبلة بوزن 10 كيلو طن. أما بالنسبة لتخصيب اليورانيوم المستخدم في صناعة الأسلحة، فيمكن لطهران على الأرجح تجديد أسطولها من أجهزة الطرد المركزي لإنتاج ما يكفي للقنبلة الأولى في غضون ٨ إلى ١٠ أشهر.
وهناك خيار استخدام البلوتونيوم المتولد من الوقود المستهلك من مفاعل الطاقة في «بوشهر». وبافتراض أن إيران تفتقر حاليا إلى مصنع فصل كيميائي صغير (يمكن إخفاؤه داخل مستودع متوسط الحجم)، يمكن لطهران أن تبني واحدا من الصفر في غضون ٦ أشهر. (تم الإعلان عن التصميم لمثل هذا المصنع قبل 40 عاما). ويمكن لمثل هذا المصنع أن يعالج ما يعادل قنبلة واحدة من البلوتونيوم في غضون أسبوع تقريبا، وقنبلة يوميا بعد ذلك. وبالنظر إلى عمل طهران السابق في تصميم الأسلحة، فمن المعقول أن نفترض أن إيران سيكون لديها جهاز انفجار داخلي جاهز ويمكنها تحضير البلوتونيوم أو اليورانيوم عالي التخصيب لوضعه في قلب الجهاز بسرعة نسبية.
كما أظهر التحليل الأخير أنه إذا استخدمت إيران «بلوتونيوم من الدرجة المفاعلية»، من مفاعل الطاقة الخاص بها في «بوشهر»، فيمكنها أن تنتج سلاحا مضغوطا يتراوح من 9 إلى 12 كيلوطن، (والذي من شأنه أن يتوافق مع الجهد الإيراني السابق لإكمال رأس حربي بوزن 10 كيلو طن). وإذا قامت إيران بتفريغ وقود «بوشهر» قبل إحراقه بالكامل، كما حدث في عام 2012، فبإمكانه بناء أسلحة أكثر قوة الآن.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تنطلق طهران نحو خيارات صنع القنبلة حيث يعلم الملالي أن الإسراع في بناء قنبلة قد يؤدي إلى ضربات عسكرية أمريكية. كما تود إيران أن تبقي الصين وروسيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى جانبها. ومن شأن الحصول على قنبلة أو التسرع في بناء واحدة أن يخاطر بكل هذا.
الرياض أول المرشحين
ويمكن للاستفزازات النووية أو العسكرية الإيرانية أن تدفع الرياض إلى تطوير قدراتها النووية كوسيلة للتحوط. وفي الواقع، أكد كل من ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» ووزير الخارجية «عادل الجبير» أنه إذا حصلت إيران على قدرة إنتاج أسلحة نووية، فإن السعودية ستفعل كل ما يتطلبه الأمر «لفعل الشيء نفسه».
وتستطيع الرياض أن تطالب الصين، التي باعت السعودية صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، أو باكستان، التي يمول السعوديون برنامجها لصنع القنابل، بإرساء الأساس لصنع أسلحتهم النووية على الأراضي السعودية. وتستطيع الصين وباكستان القيام بذلك بشكل قانوني بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، طالما بقيت الأسلحة النووية تحت السيطرة الصينية أو الباكستانية.
ومع ذلك، يفضل السعوديون بالتأكيد الحفاظ على التحكم في ذلك بأنفسهم، الأمر الذي يفسح المجال أمام إمكانية قيام الصين أو باكستان بمساعدة الرياض على الحصول على الوسائل اللازمة لتخصيب اليورانيوم الخاص بها. ويمكن القيام بذلك عن طريق تبادل المعلومات التي تسمح للسعوديين بالحصول على الأجزاء والخطط اللازمة لإكمال مصنع خاص بهم.
واستنادا إلى تحليل برامج تخصيب الطرد المركزي السابقة، قد يربح السعوديون مصنعا في غضون عام إلى ٣ أعوام، وقد ينتج بعد ذلك اليورانيوم سنويا أو نحو ذلك بعد ذلك بتكلفة تبلغ عشرات الملايين من الدولارات فقط. أما بالنسبة لإتقان تصميم الأسلحة النووية، فمن المرجح أن يتم ذلك بالاستفادة مما تم إنجازه في كل برامج القنابل الأخرى تقريبا.
ويمكن أيضا بدلا من ذلك، قد تشتري الرياض مفاعلا بقوة 1000 ميغاواط من أحد أكبر المزودين النوويين، وهي كوريا للطاقة الكهربائية، أو «وستنغهاوس»، أو «إي دي إف»، أو «روساتوم»، أو الصين، لبناء معمل لإعادة معالجة الخامات الصغيرة وفصل البلوتونيوم عن الوقود المستهلك في المفاعل. وانطلاقا من التجربة النووية الأخيرة لدولة الإمارات العربية المتحدة، قد يستغرق إكمال مفاعل الطاقة الكبير نحو عقد من الزمان. وإذا أوفى السعوديون بوعدهم ببناء مفاعل طاقة كهربائية أصغر من 100 ميغاواط بالشراكة مع كوريا الجنوبية، وقرروا بناء مصنع صغير لإعادة المعالجة، فبإمكان الرياض إخراج أول دفعة من البلوتونيوم لاستخدامها في الأسلحة في أقل من ٥ أعوام.
الآخرون أيضا
وبالتالي، سيكون القلق هو أن يتبع الآخرون نفس النهج. وتعمل مصر منذ فترة طويلة على مفاعل أبحاث كبير قادر على إنتاج أكثر من قنبلة من البلوتونيوم كل عام، وقد تم إعادة تصنيعه باستخدام إعادة المعالجة. وقد بدأت كل من تركيا ومصر ببناء العديد من مفاعلات الماء المضغوط بمعاونة من روسيا. وتقوم تركيا أيضا بتطوير سلسلة من القذائف التسيارية ذات القدرة النووية.
وإذا طورت مصر خيار الأسلحة، يخشى البعض أن تلعب منافستها التقليدية، الجزائر، دورا في اللحاق بالركب. ولعقود من الزمان، قامت الجزائر بتشغيل مفاعل أبحاث كبير أنتج أطنان من وقود المفاعلات التي تحتوي على كمية كبيرة من البلوتونيوم. كما أن لديها خلايا ساخنة، وهي مختبرات صغيرة تسمح بالتعامل الآمن مع المواد المشعة، والتي يمكن استخدامها لفصل البلوتونيوم عن غيره من النفايات النووية.
وأخيرا، هناك (إسرائيل)، التي لديها بالفعل ترسانة نووية تقدر بـ 100 إلى أكثر من 300 رأس حربي. وقد تم تشغيل مفاعل إنتاجها بالقرب من «ديمونة» لإنتاج التريتيوم. كما تقوم بتشغيل أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم من أجل برنامج أسلحتها النووية. ويعود عمر مفاعل «ديمونا» إلى أكثر من نصف قرن، لكن (إسرائيل) تأمل في تشغيله لمدة عقدين آخرين.
يمكن تجنبه
ويعد الشرق الأوسط حيا نوويا مظلما. ومع ذلك، فإن أي تنافس إقليمي نووي حاد يقع على بعد عدة أعوام ويمكن تجنبه.
أولا، بصرف النظر عن محطة «بوشهر» الإيرانية، لا توجد مفاعلات للطاقة تعمل في الشرق الأوسط، وبدونها، من الصعب تبرير التخصيب أو إعادة المعالجة. ويتقدم المشروع الروسي الضخم في تركيا إلى الأمام، لكنه خسر 49٪ من تمويله، وانسحبت اليابان ماليا من مشروع تركيا النووي الآخر المخطط له.
وفي غضون ذلك، لن يكون سعر المصانع الروسية المخطط لها بالقرب من الضبعة رخيصا؛ حيث يتعين على القاهرة أن تضخ مليارات الدولارات لتسديد الدفعات المالية للروس. ونظرا للمخاوف الاقتصادية في مصر، فقد لا يتم بناء المصنع أبدا. وأخيرا، هناك المملكة العربية السعودية، التي أعلنت على نحو متفائل أنها قد تنفق أكثر من 80 مليار دولار لبناء مفاعلات بحلول عام 2040. ومع ذلك، ستواجه الرياض صعوبة في موازنة ميزانيتها الحالية ما لم يصل سعر النفط ويظل عند مستوى 85 أو 87 دولار للبرميل. وقد سحبت المملكة بالفعل الكثير من احتياطياتها المالية، وتواجه صعوبات في بيع أسهم أصولها الرئيسية مثل بيع حصة في عملاق النفط المملوك للدولة «أرامكو» السعودية. ووفقا لذلك، قد تكون وتيرة العمليات النووية السعودية بطيئة.
وقد أصبحت الطاقة النووية في المنطقة غير اقتصادية على نحو متزايد. فكل هذه البلدان لديها إمكانية الوصول إلى احتياطيات متزايدة من الغاز الطبيعي الرخيص ومصادر الطاقة المتجددة منخفضة التكلفة. وتشمل هذه الطاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي، جنبا إلى جنب مع مصادر الطاقة الأخرى، توفر الطاقة ٢٤ ساعة في اليوم ٧ أيام في الأسبوع بمعدلات تكلفة أقل من الطاقة النووية.
وتعد المخاوف من أن يتم استخدام هذه الأنشطة النووية الخطيرة لصنع أسلحة نووية هي السبب في رفض واشنطن في البداية للمساعدات النووية المدنية الإماراتية عام 2009، إلى أن تخلت عن التخصيب وإعادة المعالجة. وقد أوحى المسؤولون في إدارة «ترامب» بحكمة بأن مثل هذه المطالب قد تمنع توقيع الرياض على اتفاق تعاون نووي أمريكي سعودي. ويجب على البيت الأبيض والكونغرس أن يثبتوا صرامة في التمسك بهذه المطالب مع الرياض، وكذلك عند تجديد التعاون النووي المدني الأمريكي مع مصر وتركيا.
ويجب أن تظهر هذه المطالب، كما أوضح الوزير «بومبيو»، في أي صفقة مستقبلية مع إيران، حيث يتم دفع طهران لتتخلى عن التخصيب وإعادة المعالجة كما فعلت الإمارات. ويجب تشجيع (إسرائيل) على تبنيها كذلك. وأخيرا، تحتاج واشنطن إلى العمل مع الآخرين لتعزيز التعاون في مجال الطاقة غير النووية بدلا من الاستمرار في دفع الطاقة النووية في البلدان الفقيرة في الطاقة.
وقد يبدو هذا طموحا، لكن البديل الصارخ في الشرق الأوسط هو الفوضى.