خبراء ومراقبين.. قطر تجاوزت مطب 2016 الصعب.. القادم أفضل بلغة الأرقام

 

ربما كانت الدوحة واحدة من الدول القلائل التي تمكنت من تجنب أسوا سيناريو ممكن لانخفاض أسعار حوامل الطاقة وذلك بفضل السياسات الحكيمة لقيادة البلاد التي عملت بجد على تحييد الآثار السلبية للأزمة وتوجيه الاقتصاد القطرية بشكل استراتيجي نحو تنويع المصادر. وقال مراقبون أن الاقتصاد القطري تمكّن من تجاوز التحديات التي واجهها خلال عام 2016، خاصة تداعيات تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية وتأثيره على الموازنة القطرية التي شهدت عجزا قدر بنحو 12 مليار دولار في العام 2016.

وفي هذا الإطار، قال رجل الأعمال سعد آل تواه الهاجري إن عام 2016 شهد استقراراً على مستوى السياسات الكلية للاقتصاد القطري، رغم العجز الذي شهدته الموازنة لأول مرة منذ مدة طويلة والتي شهدت على امتدادها نجاحات اقتصادية كبيرة عززت من مكانة الاقتصاد القطري.

ولاحظ الهاجري الإمكانات الكبرى التي وفرتها الحكومة، من خلال مواصلتها تنفيذ المشاريع الكبرى والإنفاق على مشاريع البنية التحتية التي كان لها عميق الأثر على أداء القطاع الخاص، من خلال مواصلة مساهمته في تنفيذ هذه المشاريع، وبالتالي تحقيق قدر كبير من فرص النمو والتطور للقطاع.

وقال الهاجري إن القطاع الخاص القطري تمكن من خلال حسن إداراته للوضعية التي تسبب فيها تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية من تحسين تنافسيته وتركيزه على الآليات التي تعزز تواجده داخل السوق المحلية وفي المنطقة.

وقال إنه خلال السنوات الخمس الماضية، زاد الاهتمام الموجه، لتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وقطاع الشركات الناشئة، بالنهج ذاته الذي اتبعته الدولة لتطوير قطاع الغاز المسال.

إعادة الهيكلة

من جهته قال السيد هاشم العقيل الرئيس التنفيذي لشركة بيت الاستثمار إن الاقتصاد القطري تمكن من اجتياز مرحلة تراجع أسعار النفط بامتياز ونجاح كبير، مشيراً إلى إشادة صندوق النقد الدولي بإجراءات إعادة الهيكلة التي أقدمت عليها قطر خلال عام 2016، حيث تم إدخال تعديلات على أسعار الكهرباء والماء والوقود في الدولة ودمج بعض الوزارات من أجل تخفيف المصروفات.

وقال إن عام 2016 شهد أيضاً الإعلان عن اندماجات بين كبريات الشركات القطرية، على غرار ما حصل بين قطر غاز وراس غاز، والإعلان عن اندماج ثلاثة بنوك قطرية، قائلا: “كل هذه الإجراءات ستؤتي ثمارها في الفترة القادمة خاصة من ناحية الدعم الذي تقدمه الحكومة للقطاع البنكي، فبدلا من دعم ثلاثة بنوك يمكن دعم بنك وحيد”.

وقال العقيل إن عام 2018 سيشهد إصلاحات إضافية، فمن المنتظر أن يتم إقرار الضريبة على القيمة المضافة في دول التعاون الخليجي وفق ما اتفق عليه في وقت سابق، وهي كلها إجراءات تندرج في التخفيف من الأعباء المالية على الموازنة العامة للدولة. ولفت العقيل إلى ضرورة الانتباه لتأثير ارتفاع أسعار الفائدة على الشركات والإقراض العمومي.

توقعات صندوق النقد

وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة قطر بواقع 3.4% في كل من 2016 و2017، مرجحًا أن تسجل قطر أقل عجز في الموازنة بمعدل -2.7 في المائة من الناتج المحلي في عام 2016 (16.8 مليار ريال قطري) وأن ينتعش تدريجيا ليصل إلى 4.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2021.

ورجح التقرير أن يكون الاقتصاد القطري أكثر الاقتصادات نمواً في المنطقة خلال عامي 2016 و2017 (بمعدل نمو قدره 3.4 في المائة للعامين) نظرا لاستعداد البلاد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022. وأشار التقرير إلى أن صندوق النقد الدولي خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للمرة الثالثة خلال عام 2016 بمعدل 20 نقطة أساس، ليصل إلى نسبة 3.2 في المائة بالمقارنة بالمعدل المتوقع في يناير 2016 عند 3.4 في المائة.

وتعكس هذه الانخفاضات في التنبؤات إلى حد كبير حالة الضعف العام، حيث يتوقع أن تواجه جميع الاقتصادات والمناطق الكبرى تحديات في النمو وانتعاش هش في المدى القريب. ومع ذلك، يتوقع صندوق النقد الدولي تزايد الانتعاش بدءا من عام 2017، رغم أنه خفض توقعاته أيضا للنمو الاقتصادي خلال عام 2017 بمعدل هامشي قدره 10 نقاط أساس ليصل إلى 3.5 في المائة. في غضون ذلك، بلغ معدل النمو الاقتصادي العالمي خلال عام 2015 أدنى مستوياته منذ وقوع الأزمة المالية العالمية مسجلا 3.1 في المائة، حيث استمر النمو في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية -رغم بلوغه أدنى مستوياته منذ حدوث الأزمة المالية العالمية-في تجاوز النمو في الاقتصادات المتقدمة.

بوادر تحسن

وبدوره أكد الخبير المالي إبراهيم الحاج عيد على تأثر الاقتصاد القطري بتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، خاصة أن جزء كبير من تركيبة الناتج المحلي الإجمالي القطري متأتية من مداخيل الموارد الهيدروكربونية، ما يعني ضمنا تأثر باقي القطاعات التي تدور في فلك هذا المجال الحيوي للاقتصاد القطري، مشيرًا إلى بوادر التحسن التي بدأت تظهر في الثلاثية الأخيرة من العام مع التحسن المسجل في أسعار النفط العالمية وتجاوزها للسعر المرجعي الذي ضبطته الحكومة بالنسبة للموازنة العامة للدولة لعام 2016 عند حدود 48 دولارا للبرميل الواحد.

وقال الحاج عيد إن عام 2016، رغم التحديات التي يواجهها الفاعلون الاقتصاديون، مثّل فرصة لمختلف الأنشطة الاقتصادية للقيام بعمليات إعادة الهيكلة على غرار ما قامت به راس غاز وقطر الغاز واندماجهما في كيان واحد أسهم في التقليل من التكاليف التشغيلية. كما قام العديد من الشركات في القطاعين العام والخاص بعمليات مماثلة بهدف تحسين القدرات التنافسية.

وأضاف أن الاقتصاد المحلي يوفر فرصًا استثمارية واعدة خلال الفترة القادمة، تدعمها الموازنة الجديدة التي تتيح هذه الفرص للقطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، بعد أن أعلنت الحكومة عن زيادة مخصصات المشاريع الرئيسية وتوقيع عقود مشاريع جديدة بقيمة 46 مليار ريال خلال العام القادم. وشدد الخبراء وكبار المسؤولين، على أن قطر لديها إستراتيجية متكاملة للنمو تتمتع بمميزات تنافسية هي الأعلى في العالم.

ولفت إلى أن قطر تتميز بوجود احتياطيات كبيرة من الهيدروكربونات، وأن الدولة تعمل حاليا على توجيه اهتمامها إلى مسألة التنويع الاقتصادي، وذلك لضمان استمرار نمو مستدام حتى ما بعد فترة النفط والغاز.

القطاعات غير النفطية

وأكد تقرير “الآفاق الاقتصادية لدولة قطر “2016-2018” الصادر عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء أن المحرك الرئيسي للنمو المتوقع للاقتصاد القطري خلال عام 2016 يأتي أساسا من القطاع غير النفطي، وتشير سلسلة من التقارير الصادرة عن الاقتصاد القطري إلى استمرار زخم نموه وتنويعه رغم التراجع الكبير في أسعار النفط وهو ما يتجسد في تراجع معدلات التضخم، والنمو السكاني القوي، والفوائض الخارجية الضخمة.

وبحسب تحليل لمجموعة بنك قطر الوطني، فقد كانت أكثر القطاعات إسهاما في النمو الحقيقي غير النفطي هي الخدمات المالية، والتشييد والبناء، والتجارة والفنادق والمطاعم حيث زاد نشاط التشييد والبناء بنسبة 19.7 في المائة على أساس سنوي على خلفية مشاريع البنية التحتية الجاري تنفيذها.

ويرجح أن تساعد الإصلاحات قيد الاعتبار اليوم على ترسيخ استقرار الموازنة على المدى البعيد، بعد أن عدم تسجيل قطر أي عجز في موازنتها خلال العام الماضي الذي شهدت فيه أسعار النفط أكبر تراجعاتها.

نمو الاقتصاد

ويتوقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد القطري نحو 3.4% عام 2017، وهو أعلى معدل متوقع للنمو في منطقة مجلس التعاون الخليجي ويتماشى مع توقعات صندوق النقد الدولي. ورغم التراجع الكبير في أسعار الطاقة بالأسواق العالمية -والذي كان له تأثير على إيرادات الدولة من النفط والغاز خلال العامين الماضيين- فإن قطر تمكنت من الحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي عند مستويات جيدة. ومن المنتظر أن يستفيد الاقتصاد القطري خلال العام القادم من حزمة جديدة من الإجراءات لتعزيز الأداء الاقتصادي من خلال تطبيق قانون المناقصات الحكومية الجديد، بما يضمن تحقيق الشفافية وزيادة مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الكبرى، كما يسعى القانون إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال إعفائها من بعض متطلبات المناقصات مثل الضمانات المالية.

السابق
مكاسب بورصة قطر خلال أسبوع: 11 مليار ريال قطري
التالي
الأثنين المقبل.. اجتماع لمناقشة سير عمل دلالة القابضة