حليف “مزعج”.. عندما تحول أبوظبي اليمن إلى رمال متحركة تغرق فيها واشنطن!

واشنطن –  وكالات – بزنس كلاس:

يمكن وصف العلاقة الحالية بين واشنطن وأبوظبي بأنها علاقة “صديقتان حميمتان” تتصارعان على قلب شاب وحيد للاستيلاء عليه وحكم المنطقة من خلاله. ورغم أن لغة المصالح التي تجمعهما كبيرة ومهمة إلا أن بذور الشقاق في العلاقة خطيرة لأن أبوظبي لا تريد أن تكون مجرد لاعب في فريق تقوده واشنطن بل تريد أن تصبح “الكابتن” على الأقل في “المباريات الإقليمية”!!

وكما تضع الأمر صحيفة واشنطن بوست الأمريكية فإن الإمارات حليف مهم للولايات المتحدة، لكنه في نفس الوقت سبب لها صداعاً وإزعاجاً، بسبب عدد من الممارسات الضارة لمصالح واشنطن خاصة فيما يتعلق بالأوضاع في اليمن كما أشارت للأمر  في تقرير لها الخميس 3 أغسطس/آب 2017.

وقالت الصحيفة الأميركية إن جهود الولايات المتحدة لوقف الحرب في اليمن كانت على وشك أن تكلل بالنجاح لولا الإمارات التي قوضت تلك الجهود قبل عامين عندما رغبت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وقف الحرب الأهلية.

وفي مطلع عام 2015، أقدمت السعودية وبعض دول الخليج على شن عملية عسكرية في اليمن لانتزاع مدن يمنية من أيدي الحوثيين حلفاء إيران، بعد سيطرتهم على صنعاء وهروب الرئيس عبدربه منصور هادي إلى الرياض.

وبحسب واشنطن بوست فإن الإمارات وقفت أمام رغبة وزير الخارجية الأميركي جون كيري -حينما كان متوجهاً للمنطقة مايو/أيار 2015- في وقف الحرب عن طريق تشجيع شركائها في اليمن على رفض طلب كيري، بوقفِ إطلاقِ النار أو بإجراءِ محادثاتِ سلام.

وقال محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، لرئيس الوزراء اليمني في ذلك الحين: “لابد أن يكون اليمنيون حازمين، لأنَّ الوزير مُتحدِّثٌ مُقنِع”. وقال الأمير إنَّ الدول الخليجية أيضاً لابد أن “تكون حازمة”، وفقاً لمُلخَّصِ اجتماعٍ كان جزءاً من الرسائل الدبلوماسية الإماراتية المُسرَّبَة التي وصلت إلى صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

ترسيخ نفوذ الإمارات

وتعرَّضَ هذا الاجتماع إلى سعي الإمارات لترسيخِ نفوذٍ عبر الشرق الأوسط، باستخدام القوة العسكرية، والدبلوماسية، والوسائل السرية لدعم حلفائها والتغلُّب على منافسيها. وتسبَّبَ دورُها في اليمن، وغيره من الخطوات التي اتخذتها مؤخراً، في خلافٍ مع الولايات المتحدة، مما يُعقِّد علاقتهما العسكرية المستمرة على مدار عقود، بحسب واشنطن بوست.

ورغم المكانة المميزة للإمارات، كحليفٍ عسكريٍ من الدرجة الأولى للولايات المتحدة، لها عن غيرها من الدول العربية، إلا أن التوتُّرات بينها وبين واشنطن تصدَّرَت المشهد الشهر الماضي، يوليو/تموز، حين قال مسؤولون استخباراتيون أميركيون إنَّ الإمارات دبَّرَت القرصنة الإلكترونية على وكالة الأنباء القطرية الرسمية، في خطوةٍ ألهبَت النزاع طويل الأمد بين حلفاء أميركا الخليجيين، ودفعت البيت الأبيض للاضطلاعِ بالدور غير المريح في الوساطة بينهم.

وكانت دولة قطر كشفت قبل أيام عن الضالعين في اختراق وكالة أنبائها الرسمية وبث أخبار مفبركة على لسان أميرها تميم بن حمد آل ثاني، كانت سبباً في توتر العلاقات بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من ناحية، وبين قطر من ناحية أخرى.

أوقفت الدول الخليجية الثلاث علاقاتها بقطر وفرضت على الدوحة حصاراً برياً وبحرياً وجوياً.

وتشير واشنطن بوست إلى تباين في المصالح الإماراتية والأميركية بليبيا، حيث يشكو المسؤولون الأميركيون من أن الإمارات كانت تُحبِط جهود السلام. وقد عرَّضَ الصراع الشرس في اليمن الولايات المتحدة لاتهاماتٍ بالتورُّطِ في جرائمِ حربٍ بسببِ دعمها للإمارات وحلفائها الخليجيين.

وقال مسؤولٌ أميركي كبير سابق إنَّ “خطر خلق قدرةٍ عسكرية مستقلة هو أنَّك تُنشئ قدرة عسكرية مستقلة. إنَّه لأمرٌ عظيم أن يكون لدينا شريكٌ من بين الإماراتيين، لكنَّنا لسنا متفقين دوماً”.

تحشيدٌ بحماس

وفي عام 1981، أي بعد عقدٍ واحد فقط من استقلال الإمارات، سافر محمد بن زايد آل نهيان، الذي سيصبح بعد ذلك ولي عهد أبوظبي، إلى واشنطن بطموحاتٍ كبيرة لشراء مقاتلات أميركية من شأنها أن تُعزِّز القدرات العسكرية للدولة الملكية الغنية بالنفط وتجعل من بلاده قوةً عالمية. وبدلاً من ذلك، وكما يقول دبلوماسي أميركي سابق، “شعر (محمد بن زايد) بأنَّ طلبه رُفِض بسخرية. فلم يكن أحدٌ يعرف شيئاً عن الإمارات. من كان هذا الطفل؟”.

وفي السنوات التالية، بدأت الإمارات ترسل قواتها إلى صراعاتٍ يدعمها الغرب، بما في ذلك حرب الخليج 1991، والصومال، والبلقان، وأفغانستان. وتقيم الحكومة الإماراتية سلسلة من القواعد في إفريقيا من شأنها أن تُوفِّر لها إمكانياتٍ عسكرية أكبر.

وقد شرع الإماراتيون أيضاً في فورة إنفاقٍ ممتدة. فبالإضافة إلى الحصول على مقاتلات F-16، كانوا أول الحلفاء الأميركيين الذين يحصلون على نظام ثاد، وهو نظام دافعٍ صاروخي مُعقَّد. وهم يأملون الآن في شراء مقاتلات F-35 التي طُوِّرت عبر برنامج “جوينت سترايك”، وهي أكثر الطائرات تقدُّماً لدى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، والتي تُكلِّف الواحدة منها 100 مليون دولار.

وقال أندرو إكسوم، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط حتى العام الماضي، إنَّ الأسلحة المُعقَّدة ليست هي أكبر الأصول العسكرية لدى الإمارات. فقال: “ما يُميِّزهم هو الدأب الذي لازمهم بشأن الاستثمار في كل الأمور غير اللافتة” المُتطلَّبة لبناء جيشٍ مؤهَّل، بما في ذلك اللوجستيات والتدريب.

ويقول المسؤولون الإماراتيون إنَّ التهديد المُتصوَّر من إيران هو ما دفعهم إلى بناء جيشٍ حديث واختبار قواتهم خارج حدودهم. وقد رأوا أيضاً في هذا الإطار أيضاً الحاجة إلى مواجهة الإخوان المسلمين وأي مجموعةٍ سياسية أو مُسلَّحة يرون أنَّها تُمثِّل امتداداً لتلك الحركة.

فقال يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، والشخصية المحورية في جهود الضغط الإماراتية الناجحة في واشنطن: “إنَّ الأمر يتعلَّق حقاً بالجغرافيا والتهديدات التي نمت يوماً بعد يوم”. وحقَّق العتيبة، وهو مُروِّجٌ لا يَكلّ لوجهة النظر التي ترى الإمارات قوة استقرارٍ في الشرق الأوسط، تقدُّماً كبيراً مع مسؤولين رئيسيين في إدارة ترامب، بما في ذلك جاريد كوشنر، صهر الرئيس ومستشاره.

لكنَّ الرؤية الإماراتية للاستقرار، كما يقول منتقدوها، قد شملت احتضان القادة المستبدين الذين يشاركونها كراهيتها تجاه إيران والإسلاميين وعدم تسامحها تجاه أي معارضٍ سياسي.

وقد خلق هذا الموقف صداعاتٍ في رأس الولايات المتحدة، بما في ذلك صداع في ليبيا. فبينما لعب الطيارون الإماراتيون دوراً رئيسياً في تدخُّل 2011 الذي أطاح بمعمر القذافي، تنامى إحباط المسؤولين الأميركيين في السنوات التالية لأنَّ الإمارات، جنباً إلى جنبٍ مع مصر، قد قدَّمت بهدوءٍ دعماً عسكرياً ومالياً للواء خليفة حفتر، الشخصية النافِذة التي قادت حملة عنيفة ضد القوى الإسلامية، بما في ذلك مُتشدِّدين. وقد انتهك هذا الدعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا.

ورأى المسؤولون الأميركيون أيضاً حفتر باعتباره عقبةً في طريق التوصُّل إلى حلٍ سياسي. وكانت القشَّة الأخيرة هي شحنة كبيرة من المركبات الإماراتية المُدرَّعة وغير المُدرعة لحفتر والتي أدَّت لردٍ صارِم من إدارة باراك أوباما.

وقال العتيبة: “ما نريده في ليبيا هو حكومة مستقرة وعلمانية. وهو الشيء نفسه الذي نريده في سوريا، والشيء نفسه الذي نريده في اليمن. العلمانية”.

رمالٌ متحرِّكة في اليمن؟

في غضون أيامٍ من زيارته في مايو/أيار 2015، كان كيري قادراً على تأمين وقفٍ للقتال في اليمن. لكن مثله مثل اتفاقات وقف إطلاق النار كلها منذ ذلك الحين، انهار بعد بضعة أيام.

وبعد أكثر من عامين على ذلك، كان الآلاف قُتِلوا في غارات التحالف، وقذائف المدفعية، وإطلاق النار. وأصبح ملايين اليمنيين مُهدَّدين بالمجاعة والمرض، بما في ذلك وباء الكوليرا.

وأصبح الحديث عن حلٍ سياسي أكثر خفوتاً.

وكانت الإمارات قد انضمت إلى التحالف الذي تقوده السعودية بعدما أطاح الحوثيون بالحكومة اليمنية. ونظرت الإمارات، شأنها شأن شركائها السعوديين، إلى الحوثيين باعتبارهم قوة وكيلة لإيران، وهو الأمر الذي قال مسؤولون أميركيون في بداية الحرب إنَّه مُبالَغ فيه.

وبحسب روبرت مالاي، مُنسِّق البيت الأبيض السابق لشؤون الشرق وشمال إفريقيا، فقد حذَّر البعض في إدارة أوباما أيضاً حلفاءهم الخليجيين بأنَّ التدخُّل لم يكن مدروساً. وقال إنَّه، حرصاً على تهدئة الأمور مع دول الخليج التي أغضبتها مفاوضات أوباما مع إيران بشأن برنامجها النووي، قرَّر مسؤولون في الإدارة منح التحالف الذي تقوده السعودية دعماً عسكرياً، لكنَّهم أملوا في تقليص الانخراط الأميركي وتسريع التسوية السياسية.

وقال مالي: “كنا نخشى أنَّ تلك لم تكن حرباً مُقدَّراً لها الانتهاء سريعاً. فقد كان للمنطقة خبرة حافلة مع الفاعلين من غير الدول مثل الحوثيين، الذين هم بوضوحٍ ضعفاء من الناحية العسكرية، لكنَّهم مع ذلك جاهزون للقتال وغير مستعدين للاستسلام”. لقد خاطر التحالف الذي تقوده السعودية بـ”أن يُستدرَج أكثر وأكثر، وبتكلفةٍ إنسانية كبيرة”.

وبعيداً عن الأنظار، بدا المسؤولون الإماراتيون قلقين هم أيضاً. فبحسب رسائل بريد إلكتروني مُسرَّبة وزَّعتها على وسائل الإعلام مجموعة يبدو أنَّها متعاطفة مع منافسة الإمارات، قطر، كتب العتيبة لزميلٍ له في عام 2015، إنَّه مع تركيز التغطية الإعلامية الغربية “بالمقام الأول” على الأزمة الإنسانية اليمنية، كانت الإمارات “تفقد الأرضية الأخلاقية الكبيرة بسرعة”.

وتدرس إدارة ترامب، التي يبدو أنَّها تعطي الأولوية للتصدي لإيران على حساب التحفُّظات المُثارة بشأن الصراع، الآن انخراط الولايات المتحدة بصورةٍ أعمق فيه.

وقد اضطَّلعت الإمارات بدورٍ قيادي في محاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يُمثِّل هدفاً ذا أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. ففي 2015، أثبتت القوات الإماراتية قدرتها على تخطيط وتنفيذ عمليةٍ كبرى، مُتحرِّكةً على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة حينما شنَّت هجوماً برمائياً من أجل السيطرة على مدينة عدن الجنوبية وانتزاعها من يد قوات الحوثيين.

لكنَّ الإدارة الإماراتية في الجنوب قد تعرَّضت لاضطرابات.

فقد يُعقِّد خلافٌ بين الانفصاليين الجنوبيين المدعومين إماراتياً والحكومة اليمنية، الموجودة في السعودية، تسوية الحرب. ودعمت الإمارات أيضاً سُنّة محافظين للغاية يُطلَق عليهم السلفيون، الأمر الذي يُقوِّض حديثها عن منطقةٍ “علمانية”.

وقد أظهرت عملية اليمن المخاطر التي تتهدَّد الولايات المتحدة عند دعمها، حتى ولو بشكل غير مباشر، عملياتٍ تضطَّلع بها قوات أجنبية.

فقد زعمت تقارير لوكالة أسوشيتد برس ومنظمة هيومان رايتس ووتش في يونيو/حزيران الماضي أنَّ الإمارات أو قوات موالية لها قد احتفظت بشبكة من السجون السرية جنوبي اليمن. وأخبر شهودٌ وكالة أسوشيتد برس أنَّ القوات الأميركية كان لها حضورٌ في واحدةٍ من المنشآت على الأقل، والتي كانت تضم معتقلين يتعرَّضون للتعذيب.

ونفى مسؤولون إماراتيون أن تكون الإمارات قد أدارت مراكز اعتقال أو سجون تعذيب. وقال مسؤولون أميركيون لوكالة أسوشيتد برس إنَّ قادة الجيش بحثوا في المزاعم وكانوا مقتنعين أنَّ القوات الأميركية لم تكن حاضرة عندما وقعت أي انتهاكات.

وقد شارك ريان غودمان، وهو مسؤولٌ سابق في البنتاغون يُدرِّس القانون في جامعة نيويورك، مؤخراً في إعداد تقريرٍ خلُص إلى أنَّ الولايات المتحدة، وبسبب دعمها لعمليات الإمارات في اليمن، ربما تتحمَّل مسؤولية قانونية عن ممارسات الاحتجاز غير القانونية.

وكتب غودمان: “هل هذه حقاً طريقة بنَّاءة لتحقيق الهدف طويل المدى لمحاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو ضمان الاستقرار في اليمن؟”.

السابق
خليفة حفتر.. رجل ليبيا أم رجل أبوظبي وإسرائيل؟!!
التالي
سمو الأمير يهنئ رئيس رواندا بإعادة انتخابه