بزنس كلاس- موفق ابو خالد
يذكرنا حصار الدول الخليجية لقطر بحصان طروادة ولكن بنتيجة مقلوبة، فذلك الحصان الذي تم من خلاله صناعة خدعة عسكرية سهلت لأصحابها خطط الاختراق، ارتد على أعقابه في قطر، وهذا يعود في الغالب إلى أن مهندسي “الحصان” الخليجي اختاروا حصاناً غير أصيل..
ويبدو أن قطر كانت محاصرة فعلياً بعلاقاتها الطبيعية التي كانت قائمة مع الدول الخليجية قبل قرار الحصار، وبإعلان تلك الدول مقاطعتها لقطر تحررت الدولة من عبء تلك العلاقات الاقتصادية المربكة والمقيدة لحركة الاقتصاد القطري، فبسبب تلك العلاقات التي كانت تبدو في ظاهرها نموذجية وإيجابية، شُلّت يد الكثير من القدرات الاقتصادية الدفينة حيث لم يكن لديها محفّز أو دوافع، فالمواد السلعية والخدمية التي كانت توفرها دول الحصار على سبيل المثال دفعت القطريين للاسترخاء وعدم البحث عن بدائل محلية تغنيهم عن استيراد تلك المواد والسلع من دول أخرى..
إن إظهار العداء أفضل بما لا يقاس من إضمار الخصومة وإلباسها جلباب الصداقة، فثمة أخلاقيات وواجباب تجاه الأصدقاء وكانت قطر تقوم بكل تلك الواجبات المترتبة على حالة الصداقة، فيما كانت دول الحصار تتلقى الخدمات من زاوية، وتفكر في تقديم المقابل ولكن على شكل أذى حقيقي وعميق لا يتردد أن يودي بالدولة أو الشعب إن استطاع..
إن حركة الحصار ليست إلا كشفاً لحالة العداء المضمرة منذ فترة طويلة لقطر وشعبها، فلا يمكن لعاقل أن يتصور أن كل ذلك الكم من الحقد والكراهية ولد وكبر في أيام قلائل، وإنما هو بلا شك حقد متراكم لا يمكن تكهن متى نشأ وأين نما وإلى أي حد تضخم حتى انفجر دفعة واحدة تماماً كالزائدة الدودية التي لم يتسن لها أن تستأصل خارج الجسد، فانفجرت داخله، ولكنها لم تؤذ إلاّ جسدها، لأن القيح الدفين لا يمكن أن يتطاير باتجاه الآخرين وإنما يرتد عادة على ذاته..
نعم لقد عطلت حالة الصداقة المفتعلة التي كانت سائدة مع دول الحصار الكثير من قدرات الشباب القطري دون أن تتقصد ذلك، وجاء قرار الحصار ليطلق كل المواهب الدفينة، ويدفع القطريين للبحث والابتكار، وهو ما يحدث الآن على قدم وساق..
ولو أن دول الحصار توقعت النتائج الإيجابية التي تحصدها قطر جراء قرارها ذاك، لامتنعت تماماً عن تلك الخطوة، لأن نية الأذى هي الهدف الوحيد الذي كانت تتوخاه، وهي تبدو اليوم نادمة أشد الندم على قرارها لا لأنها راجعت نفسها أو لأنها أحست بقوة الطعنة التي غدرت بها الدولة القطرية والمجتمع الخليجي برمته فأثرت مباشرة على وحدة نسيجه ولحمته الاجتماعية، بل لأن كل الوقائع تثبت مدى استفادة القطريين من الضربة التي لم تقتلهم، فبادروا للاعتماد على الذات وتعويض خسائرهم بأنفسهم وإيجاد كامل البدائل المحلية لكل البضائع التي توقفت عنهم..
لقد قدمت دول الحصار لقطر خدمة جليلية، هكذا على الأقل كانت النتائج، أما النوايا فعلى عكس ذلك تماماً، وتخيلوا لو أن تلك الدول لم تقدم على تلك الخطوة، لكانت قطر اليوم تتعامل مع خصوم حاقدين على أنهم أصدقاء وأخوة، ولكانت كل تلك الطاقات الوطنية غير مفعلة، وقد لا يفكر أحد بتفعيلها..
لقد أدرك القطريون نعمة الحصار، وباتوا يتمنون لو أنه جاء مبكراً بضعة أعوام.. ولو توقف قرار الحصار اليوم فتلك ستكون الأزمة الحقيقية في قطر، ولربما وجدت القطريين يهتفون في صوت واحد: ألا ليت الحصار يعود يوماً..
رئيس التحرير
> موفق أبو خالد