“هلوسة كروية” سلسلة مقالات رياضية ساخرة لا تهدف سوى إلى رسم ابتسامة بسيطة على شفتي القاريء.. دون أي أغراض أخرى دنيئة! قد يراها البعض كوميدية ومضحكة، وقد يراها البعض الآخر تافهة وسخيفة.. كما أرى أنا! لكن يجب أن نتفق على أن هذه الفقرة بريئة جداً، لدرجة أن الباحث عن أدلة براءتها سيجد الكثير.. من أدلة الإدانة! لكنها حقًا لا تُكتب تأثرًا بمشاعر حب أو كراهية تجاه أي فريق أو لاعب، حتى وإن بدا أنها تحمل مشاعر كراهية وحقد.. تجاه الجميع!
عندما يبحث شخص ما عن النجاح، فعليه أن يتجه إلى الشيء الذي يتميز فيه، فلا يوجد شخص متميز في كل المجالات، باستثناء نجوم أفلام الأكشن! أما في كرة القدم؛ فالأمر يختلف كثيراً، وإن كان لا يخلو من الأكشن!
تختلف مواهب المدربين، شأنهم شأن الوظائف الأخرى، فهناك مدرب يجيد تنظيم الدفاع، ومدرب يجيد اللعب الهجومي، ومدرب يجيد التصريحات! ومدرب يتقن تقديم كرة القدم الجميلة، ومدرب يجيد قتل المتعة! وهناك من يجيد الاعتماد على الكرات العالية، وهناك من يجيد الفلسفة! إلى آخر هذه المواهب المتنوعة، ويمكن أن يجمع مدرب بين العديد من المواهب، لكن لا يمكن أن يتقن جميعها بنفس الدرجة، أما أهم المواهب التي يمكن أن يتمتع بها المدرب؛ فهي موهبة الاعتراض على الحكم!
نجم حلقة اليوم هو بيب جوارديولا، ويبدو أنه سيكون نجم حلقات كثيرة، رغم اقترابه من الاعتزال كما أكد بنفسه! يمتلك جوارديولا مواهب لا تخفى على أحد، أبرزها قدرته على الاستحواذ! كما يمتلك موهبة فريدة تتمثل في القدرة على الفوز بالدوري بسولة، وهي الموهبة التي فقدها في إنجلترا! كما لا يمكن إنكار تميزه بفلسفة ممتعة في كرة القدم، ويبدو أنه فقد هذه الموهبة أيضاً في إنجلترا! هل جاء إلى هذا الدوري ليكتسب المزيد من الخبرات، أم ليفقد ما لديه؟! ربما يريد الرجل الاعتزال لأنه يخشى فقدان المزيد، ويريد الهروب بما تبقى لديه، قبل أن تسرقها فرق البريميرليج التي لا تحترم الاستحواذ، وتهزمه باللعب العشوائي الرائع!
لكن ربما هناك أسباب أخرى لانخفاض مستوى مدرب السيتي وضياع خبراته ومواهبه، فقد تكون الأندية الإنجليزية بريئة من هذا الذنب الشنيع! من المذنب إذاً؟ إنه جوارديولا نفسه! الرجل لم يحترم التخصص، حيث بدأ في الاتجاه إلى أشياء لا يتقنها ولا يمتلك موهبتها، فأصبح كحارس المرمى الذي يهمل التدرب على التصدي للكرات، ويهتم بالتدرب على التمرير! وأنتم تعلمون أن المقصود ليس كلاوديو برافو!! وقد يكون الأمر عكس ذلك، ربما شعر مدرب البايرن السابق أنه فقد الكثير من قدراته، فبدأ في البحث عن قدرات جديدة، لكنه لم يحسن الاختيار! وبدلاً من اختيار ما يجيده، اختار ما يجيده مورينيو! وبدأ في ممارسة عمل جديد؛ إنه الاعتراض على الحكام!
جوارديولا لم يعجبه قرار احتساب هدف بيرنلي في شباك فريقه، حيث يرى أن هناك مخالفة يجب احتسابها لحارسه، المدرب قال: “هناك مخالفة لصالح كلاوديو برافو، ويجب أن تحتسب في أي مكان بالعالم، هنا وفي جميع أنحاء العالم تقول القوانين أن حارس المرمى لا يمكن لمسه في منطقة الست ياردات”، هذا ظلم للحكم، فالقوانين واضحة، وإن كانت مليئة بالثغرات! تنص القوانين على احتساب مخالفة لحارس المرمى في هذه الحالة بالفعل، لكن كيف يدرك الحكم أن برافو حارس مرمى؟! ربما اختلط عليه الأمر عندما رآه يمرر الكرة أكثر من لاعبي المنافس، ولا يتصدى للكرات مثل حراس المرمى الآخرين، وعندما أراد أن يتصدى للكرة بيده، فعل ذلك خارج منطقة الجزاء! كما يفعل اللاعبين، فعامله الحكم معاملة اللاعبين في تلك اللقطة، لذلك يجب على جوارديولا أن يشكر الحكم بدلاَ من مهاجمته، لأنه لم يحتسب الكثير من ركلات الجزاء عندما كان حارس السيتي يمسك الكرة بيده داخل منطقة الجزاء!
المدرب الإسباني أضاف: “يجب أن أتفهم أنه يوجد قوانين خاصة هنا في إنجلترا، يجب أن أفهم القوانين هنا، أعلم أنكم متخصصون، لكن يجب أن أفهم”، لعب في إنجلترا لنصف موسم، ولم يدرك القوانين بعد! لأن الدوري الإنجليزي لديه قوانينه الخاصة بالفعل، فالقوانين هناك تمنع فوز فريق بلقب الدوري منذ الدور الأول! كما تسمح لفرق منطقة الهبوط بالمنافسة على اللقب.. والفوز به! ولا تسمح بالفوز عن طريق الاعتماد على الاستحواذ والمبالغة في التمرير مع إهمال الكرات العالية، إلا في حالة واحدة؛ إذا جاء برشلونة ليلعب في الدوري الإنجليزي! أما تحقيق ذلك مع فريق إنجليزي، فهذا يشبه محاولة فريق مثل وست بروميتش أن يفوز ببطولة مثل الدوري الإسباني عن طريق الاعتماد على العرضيات والكرات العالية فقط!
لماذا يتجه رجل رصين ومهذب مثل بيب جوارديولا إلى مهاجمة الحكام؟ رغم أنه لا يجيد ذلك، فقد كانت له بعض المحاولات القديمة، لكنها باءت بالفشل! لأن الاعتراض على الحكم فن لا يجيده سوى المتخصصين، ويجب احترام المتميزين في هذا الفن الراقي! لذلك لا يوجد ختام لتلك الفقرة أفضل مما قاله مورينيو عن جوارديولا في عام 2011، فبعد فوز ريال مدريد على برشلونة في نهائي كأس الملك بهدف رونالدو، اعترض جوارديولا على إلغاء الحكم لهدف بيدرو بداعي التسلل، حيث قال: “لا بد أن مساعد الحكم يمتلك قدرة عظيمة على الإبصار لكي يلاحظ أن بيدرو كان متسللاً بمسافة سنتيمترين”، هذا التصريح يمثل اعتداءاً على قيمة الاعتراض على التحكيم!
لم يعجب المدرب البرتغالي ما قاله جوارديولا، فعلق على الأمر تعليقا تاريخياً سيظل عالقاً في أذهان عشاق التفاهة! حيث قال: “حتى الآن كان يوجد مجموعة صغيرة جداً من المدربين لا يتكلمون عن الحكام، ومجموعة كبيرة جداً، وأنا من ضمنهم، ينتقدون الحكام، والآن ومع تعليقات بيب، بدأنا مرحلة جديدة مع مجموعة ثالثة لا تضم سوى جوارديولا، وهي المجموعة التي تنتقد الحكم عندما يتخذ قراراً صحيحاً”!