جهاز قطر المصرفي قوي ومتين.. الأكثر صلابة والأقل تأثراً بالأزمات

قال المتخصص في السياسة النقدية الدكتور خالد الخاطر إن الجهاز المصرفي القطري يتمتع بالقوة والمتانة، إذ أثبت أنه الأكثر صلابة والأقل تأثراً بالأزمات التي ضربت المنطقة خلال السنوات الماضية التي تخللتها مواصلة البنوك المحلية تحقيق معدلات ربحية مرتفعة، ونسب ديون متعثرة منخفضة، ومستويات سيولة مريحة جداً.
لفت المختص أيضاً بعلم الاقتصاد السياسي، إلى أن القطاع المصرفي القطري هو الأول، وربما الوحيد حتى الآن في دول مجلس التعاون الخليجي في تطبيق معيار بازل 3 لكفاية رأس المال، وهو أحد المعايير الدولية التي طورت بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وأضاف في لقاء مع قناة الجزيرة الإخبارية أن الريال القطري أثبت بدوره مصداقية عالية خلال العقود الماضية التي تخللتها اضطرابات جيوسياسية، إذ واصلت العملة القطرية الحفاظ على استقرارها حتى يومنا، مدعومة بالاحتياطيات الكبيرة من العملات الصعبة المتوافرة لدى المصرف المركزي، والكافية لتغطية الواردات للبلاد لفترات طويلة أكثر مما تطلبه المعايير الدولية، ومن وراء ذلك هناك أيضاً الاحتياطيات السيادية الضخمة للدولة التي يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
بيد أن ذلك لا يعني عدم لجوء البعض للعملات الأخرى في أوقات محددة، الأمر الذي يتسبب في زيادة الطلب بشكل كبير ومفاجئ وفي حالة من الارتباك بالأسواق المحلية، نتيجة عدم القدرة على توفير العملات الرئيسة كالدولار الأميركي وسواه، بحسب الخاطر. وحول الإجراءات التي يمكن أن تتخذها البنوك المركزية للتعامل مع هذه الحالات ولمواجهة التدفقات المُحتملة في رؤوس الأموال إلى الخارج، أكد الخاطر أن الدور يصبح مناطاً بالسلطة النقدية، والمتمثلة في البنك المركزي الذي يتوجب عليه أن ينبري لطمأنة الأسواق عبر اتخاذه الإجراءات والتدابير اللازمة، وذلك لضمان تعزيز الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي المحلية، ولمواجهة تدفقات رؤوس الأموال المحتملة إلى الخارج، فالبنوك المركزية لديها ترسانة من الأدوات التي يمكن أن تستخدمها لتحقيق ذلك الهدف، منها ضمان توفر العملة الأجنبية والدولار لتلبية طلب السوق المحلية.
ومن بين التدابير الأخرى التي يمكن أن تحد من تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج، قيام البنك المركزي برفع سعر الفائدة على ودائع العملاء بالعملة المحلية، وأيضاً بالعملة الأجنبية لتحفيز العملاء على الاحتفاظ بودائعهم في الجهاز المصرفي. وهذه الطريقة استخدمت في تركيا وجنوب إفريقيا لمواجهة تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج. وفي هذه الحالة يمكن أن يرفع البنك المركزي سعر فائدة إيداع البنوك لديه، على أن تمرر البنوك الارتفاع في أسعار الفائدة هذا إلى الجمهور من خلال ودائع العملاء، ولا تحتفظ بالفائدة لها فقط. هناك أيضاً أدوات أخرى يمكن أن تلجأ إليها البنوك المركزية، مثل ضمان ودائع العملاء بحد معين، وخفض معدلات الاحتياطي اللازم لتوفير المزيد من السيولة في الجهاز المصرفي وغير ذلك، بحسب الخاطر.
الحصار
وحول مدى تأثير الحصار التجاري على دولة قطر، فقد أكد الدكتور الخاطر على فشل هذا الحصار أخلاقياً قبل أن يفشل اقتصادياً، حيث تسبب بتشويه سمعة الدول المحاصِرة لدولة قطر، مشدداً على أن القطريين غير مستعدين للتفريط بالمبادئ والسيادة وقبول الابتزاز السياسي الذي يطرحه سواهم، حتى لو كلفهم ذلك العيش على التمر والماء كما عاش الآباء والأجداد. وشدد على أن هذا الحصار لن يفُت في عضد الاقتصاد القطري على الإطلاق، خصوصاً وأن دول مجلس التعاون الخليجي ظلت تقدم منتجات متشابهة طيلة العقود الماضية، حيث إنها فشلت في تنويع اقتصاداتها وواظبت على الاعتماد على العوائد النفطية فقط، فيما تستورد هذه البلدان كل ما نحتاج إليه من سلع استهلاكية ورأسمالية وعمالة من الخارج. وزاد «في ظل حجم تجارة بينية متواضعة عند مستوى 10 % بين دول المجلس، فإن الحصار الراهن الذي ضربته دول خليجية على دولة قطر لم يكن ليؤثر على الأخيرة التي ستعتمد بدورها على الاستيراد من مصادر أخرى متاحة ومتعددة». ونوه إلى أن الدول المحاصِرة ستتكبد خسائر ناتجة عن منع شركاتها من التصدير للسوق القطري، فيما نجحت الدوحة في إيجاد بدائل سريعة تتضح معالم منتجاتها في الأسواق المحلية.
دروس
لكن الخاطر شدد على أهمية الدروس التي تمخض عنها الحصار المفروض على الاقتصاد القطري، ومن ذلك ضرورة الإسراع بتنويع مصادر ووسائط نقل السلع والبضائع، وعدم تركزها في مصادر أو منافذ قليلة. ولفت أيضاً إلى أهمية توظيف الطاقة الاستيعابية الهائلة لكل من مطار وميناء حمد، وذلك لإعادة هيكلة تجارة الاستيراد بكل سهولة.
ونوه إلى أهمية السعي الحثيث لتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المنتجات التي يعتمد عليها المواطن والمقيم بشكل يومي من قبيل الألبان ومشتقاتها والدواجن. ودعا إلى إعادة تصميم السياسات وتوجيهها نحو تحفيز المنتج المحلي الزراعي والحيواني.. ومن ضمنها الاستماع إلى المنتج المحلي ومعرفة همومه ومشاكله ومحاولة حلها، وتقديم الدعم اللازم له، في جانب الإنتاج وجانب التسويق، والعمل على دعم التنافسية وتفكيك البنى الاحتكارية وتعيين الكفاءات التي تقوم على رسم وتنفيذ سياسات كفؤة في هذه الهيئات والجهات الحكومية المعنية، وإعادة توجيه الصناعات نحو خدمة احتياجات السوق المحلي لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي، والعمل على توظيف التكنولوجيا والابتكار، وإنشاء مراكز الأبحاث المتخصصة، لتحفيز الإنتاج والتغلب على المشاكل والصعوبات البيئية وغيرها، وإيجاد وسائل وطرق إنتاج بديلة تتناسب مع بيئتنا.
وختم الخاطر بالتأكيد على الآفاق الإيجابية والرحبة للاقتصاد القطري، الذي سينجح في تجاوز تداعيات الحصار المفروض عليه، بل إنه سيتمكن من الخروج من هذه الأزمة بشكل أقوى مما سبق.

السابق
بالصور.. مناورات عسكرية قطرية أمريكية مشتركة مقابل سواحل قطر
التالي
أوروبية وآسيوية وسواها.. بنوك دولية كثيرة تتحدى الحصار.. الأموال تتدفق على بنوك قطر