الدوحة – بزنس كلاس:
أكد بنك قطر الوطني في تحليله الأسبوعي أن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضي بفرض رسوم جمركية على جميع وارداتها من الصلب والألمنيوم ورد الاتحاد الأوروبي بالسعي لاتخاذ قرار مضاد لن يكون لهما تأثير سلبي كبير على الاقتصاد العالمي، ولكن أي تصعيد كبير للحواجز التجارية سيلحق ضرراً بالاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن هناك مخاوف واضحة من هذه النتيجة المحتملة.
واستعرض التحليل الصادر اليوم، السبت، تداعيات القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة، موضحاً أنه رغم أن تأثير الرسوم المقترحة حالياً يظل صغير نسبياً، فإن حدوث ردود فعل مماثلة من الاتحاد الأوربي والصين يعني أن التأثير على الاقتصاد العالمي سيكون أكثر حدة، مشيراً إلى أن الواردات الأمريكية من الصلب والألومنيوم لا تشكل سوى حصة صغيرة من التجارة العالمية حوالي 2% من تجارة السلع العالمية إلا أن تلك الخطوة تهدد بإقحام العالم في حرب تجارية، خاصة بعد رد الاتحاد الأوروبي بسرعة من خلال طرح مسودة قرار بفرض رسوم جمركية على الصلب والملابس وغيرها من السلع الصناعية الأمريكية، لكن هذه الرسوم تستهدف أقل من 1% فقط من إجمالي واردات الاتحاد الأوربي من السلع الأمريكية، فضلاً أن الصين والتي يمكن وصفها بأنها أهم اقتصاد تجاري في العالم، فقد اتسم موقفها بضبط النفس.
وذكر التحليل أن الرسوم الجمركية الأمريكية لا تعتبر مفاجأة، فالخطاب المناهض للتجارة العالمية ظل سمة ملازمة لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ فترة طويلة، واتخذت الإدارة الأمريكية خطوات تدريجية قبل هذا التحرك الأخير، ففي أبريل 2017، أمر وزير التجارة الأمريكي بإجراء دراسة حول تجارة الصلب والألومنيوم، ونُشرت نتائج الدراسة في الشهر الماضي، حيث أوصت بفرض الرسوم الجمركية المذكورة.
ووفقاً للتحليل فقد سبق هذا القرار حدثاً مشابهاً، فقد قام الرئيس جورج بوش الإبن بفرض رسوم جمركية نسبتها 30% على واردات الصلب في عام 2002 مع بعض الاستثناءات لمستوردي الصلب الأمريكيين، وبلدان مثل كندا والمكسيك، واستمرت تلك السياسة لسنة واحدة فقط ثم ألغيت خوفاً من فرض تدابير انتقامية.
وبالإضافة إلى ذلك، تتهيأ الإدارة الأمريكية لزيادة السياسات الحمائية، حيث أمرت في أغسطس 2017 بإجراء دراسة بشأن ممارسات الملكية الفكرية في الصين وقد توصي تلك الدراسة بفرض رسوم جمركية عندما يتم الإعلان عن نتائجها لاحقاً هذا العام.
ونوه بنك قطر الوطني في تحليله الأسبوعي إلى أن جميع هذه النقاط تشير إلى أن الحكومة الأمريكية عازمة على تنفيذ أجندتها المناهضة للتجارة العالمية، وذلك يشكل خطراً محتملاً على الاقتصاد العالمي نظراً لأن التجارة العالمية أصبحت أكثر أهمية للولايات المتحدة ولبقية اقتصادات العالم مما كانت عليه قبل عقدين، وتشكل واردات السلع حوالي 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة مع 17% في بداية العقد الماضي، وكانت التجارة العالمية واحدة من العوامل الرئيسية المحركة للنمو العالمي، إذ تجاوز نموها معدلات النمو العالمي في 15 سنة من السنوات العشرين الماضية.
وحسب التحليل ففي ظل هذا الوضع، تبقى الإجراءات الحالية الخاصة بالصلب والألومينيوم صغيرة في نطاقها، فمن المحتمل أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تقليص واردات الولايات المتحدة بحوالي 1%، في حال بقاء العوامل الأخرى دون تغير، وبالتالي فإن تأثيرها على النمو العالمي سيكون هامشياً، لكن في حال تم تصعيد هذه السياسات الحمائية، سيكون لتدهور التدفقات التجارية تأثير كبير على النمو.
وحسب تقديرات التحليل، فإن أي تراجع بنسبة 5% في طلب الولايات المتحدة على الاستيراد سيؤدي مباشرة إلى تقليص النمو العالمي بمقدار 0.2 نقطة مئوية، كما أن التأثير غير المباشر لذلك من خلال انخفاض الأرباح المتوقعة وتدهور القدرة على الإنفاق لدى المستهلكين وأيضاً تراجع خطط الاستثمار في بقية العالم قد يؤدي إلى تقليص النمو بمقدار 0.2 و 0.3 نقطة مئوية، وإجمالاً، فإن النمو العالمي قد يتراجع بمقدار 0.4 أو 0.5 نقطة مئوية وذلك بسبب انخفاض بنسبة 5% في الواردات الأمريكية الحقيقية.
وأوضح البنك أنه من المهم الإشارة إلى أن هذا التحليل لا يفترض حدوث رد فعل مماثل من اقتصادات رئيسية أخرى، وفي حال حدوث ذلك، فمن المحتمل أن يكون التأثير السلبي على النمو أكبر بكثير.
وبالإضافة إلى تباطؤ النمو، فمن شأن العوائق أمام التجارة أن ترفع التضخم من خلال زيادة أسعار الاستيراد، كما من شأن تراجع الربحية أن يؤدي إلى تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال وستكون الحكومات في حاجة للتدخل لتحفيز النمو، مما سيزيد من مستويات العجز المالي والدين العام، وسيكون وقع هذه التأثيرات أكبر في حال تم فرض هذه الرسوم على منتجات أخرى ذات صلة، فعلى سبيل المثال، المنتجات المستوردة المصنوعة من صلب أجنبي أرخص ستكون أكثر تنافسية من المنتجات المصنعة محليا، وستكون هناك حاجة لاعتماد تعرفة رسوم تصحيحية لمعالجة عدم التوازن وتحديد الغاية الأصلية من وراء هذه الإجراءات التجارية.
وخلص بنك قطر الوطني في تحليله إلى أن أي حرب تجارية عالمية ستكون بمثابة سباق نحو الهاوية دون أي رابح، وأمام هذه النتيجة المحتملة، يجب أن تتحلى بقية دول العالم بالحكمة لاعتماد سياسة منسقة لضبط النفس أمام السياسة الحمائية للولايات المتحدة للحيلولة دون المزيد من التصعيد، وسيشكل ذلك دون شك تحديا أمام صناع القرار، لكن المنفعة الاقتصادية تتطلب ذلك.