شكلت الزيارة التاريخية التي قام بها أمير دولة قطر السابق “حمد بن خليفة” عام 2012 لقطاع غزة، علامة فارقة في حياة الفلسطينيين هناك، فمنذ ذلك الحين أغدقت قطر مساعداتها الإنسانية والمالية لأهالي القطاع فأقامت العديد من المشاريع السكنية في إطار خطة إعادة إعمار القطاع، وحاولت التخفيف من وطئ أزمة الكهرباء بمنحة متكررة لشراء وقود تشغيل محطة التوليد الوحيدة بغزة، إضافة إلى سعيها الدائم في تحسين ظروف العيش لآلاف الأسر الفقيرة والمُعوزة عبر مؤسساتها الخيرية.
اليوم هذه المشاريع والمنح التي قُدرت بـ (407) ملايين دولار أمريكي، تبرعت بها عام 2012 وقرابة المليار دولار تعهدت بدفعه في مشاريع إعادة الإعمار بعد حرب 2014، تقف على عتبات التهديد بعد أن أعلنت دول الخليج العربي وغيرها قطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع قطر في إطار أزمتها مع الإمارات العربية المتحدة.
مراقبون فلسطينيون أكدوا على دور قطر البارز في دعم قطاع غزة والتخفيف من أزماته المستعصية كالكهرباء وإعادة إعمار المنازل المدمرة، وأشاروا أن القطيعة الأخيرة لقطر من دول الخليج العربي وبعض دول الجوار كالأردن ومصر لن تفت في دورها ولن تُنهيه أبدًا وإن عملت على تقويضه بعض الشيء.
تأثير محتمل
لا ينفي “د. معين رجب”، الخبير الاقتصادي، احتمالية تأثير المقاطعة العربية لقطر على دور الأخيرة في تمويل قطاع غزة بعدة مشاريع بتخفيضها أو إنهائها خاصة إذا ما استسلمت للشروط التي وضعتها دول المقاطعة وعلى رأسها السعودية بقطع علاقتها مع “حماس” والكف عن دعمها، لكنّه في ذات الوقت يُؤكد أن القاعدة التي أرستها “قطر” في قطاع غزة بإنشاء المشاريع المتنوعة والتي وفرت العديد من فرص العمل للعاطلين عن العمل في مجال المقاولات والحرف، لا يُمكن أن تنتهي أبدًا ويُمحى أثرها من الاقتصاد والحياة الفلسطينية عمومًا في غزة، وقال: ” لا يُمكن إنهاء الدور القطري في غزة بين عشيٍة وضحاها فبصمتها بقيّت واضحة برغم الحصار”، وأضاف أن تلك المشاريع كانت سببًا في إنعاش الاقتصادي الفلسطيني وتنميته تنمية مستدامة لافتًا أن ذلك يُقلل من فرص إنهاء نشاطها وملامح وجودها في الاقتصاد الغزي – وفق تقديره-
ويُبين “رجب” أن علاقة استمرار التمويل من عدمه للمشاريع القطرية في قطاع غزة والتي بدأت في عام 2012 ستبقى رهن الموقف القطري بالاستجابة للشروط المفروضة من عدمها، وقال: من الظلم مباغتة الفلسطينيين في غزة بهذه الطريقة خاصة وأن ما يُقدم من قبل قطر من مشاريع هي إنسانية بالدرجة الأولى تستهدف بناء الوحدات السكنية والبنية التحتية والطرق والمرافق الصحية”.
وتوقع “رجب” أن يكون التأثير محدود في العلاقات بين قطر وقطاع غزة خاصة إذا ما رفضت قطر الشروط التي وضعتها السعودية بالبحث عن شركاء جدد والاتجاه نحو إيران وروسيا وتركيا التي أعلنت مساندتها وبدأت بإرسال قوات عسكرية إليها لتُنهي أي احتمالية للمواجهة الخليجية.
تضامن فلسطيني مع قطر
من جانبهم أبدى الفلسطينيون المستفيدون من المشاريع القطرية تعاطفهم وتضامنهم مع الدولة التي حققت لهم بعضًا من تفاصيل الحياة الإنسانية بالسكن أو العمل، ففي مدينة “حمد” المُقامة على أراضي المحررات في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، لم يجد السكان بُدًا من أن يرفعوا أصواتهم عالية
يقول أحد المستفيدين من المشاريع القطرية: “إن ما تتعرض له قطر مؤامرة عربية تهدف إلى إنهاء دعمها لقطاع غزة وحكومته تحت ذريعة تمويل الإرهاب”، سألته عن سبب تضامنه مع قطر فأجاب سريعًا: “يكفي أنها كررت منحة وقود محطة توليد الكهرباء لتُخفف عنها، وقبل ذلك كانت قطر الوحيدة التي أسرعت في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار وبناء الوحدات السكنية التي آوتني وعائلتي بعد قصف منزلي” يصمت قليلًا ثم يُعقب: ” لقد تفضلت علينا كثيرًا ومنحتها بعض ملامح الحياة الإنسانية في مجالات الصحة والإسكان أقل واجب أفعله هو التضامن معها“.
وغير بعيدٍ عنه كانت “أم إبراهيم زيدان” من سكان مدينة حمد، تقول لـ “الحدث”:” قطر تتلقى عقابًا شرسًا لأنها وقفت بمسئولية أمام احتياجات سكان القطاع ورفضت المشاركة في حصاره وإذلال أهله، أنا موجودة هنا لأسدد فاتورة التضامن”.
وتستغرب “زيدان” من الصمت المطبق الذي يلف موقف السلطة الفلسطينية إزاء ما تتعرض له قطر من مقاطعة، مؤكدة أن قطر كانت تدفع ملايين الدولارات إلى خزينتها عبر منحها ضريبة إدخال الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء.
وتُقدر منحة ضريبة الوقود الشهرية بـ 4 ملايين دولار دفعتها قطر لكثر من خمسة مرات أي ما يُعادل 20 مليون دولار أُتخمت خزينة السلطة الفلسطينية بها، تُطالب “زيدان” بضرورة تصلب الموقف الفلسطيني الرسمي وتوحده خلف إطار التضامن الكامل مع قطر ضد سياسات الدول المُقاطعة ودحض اتهاماتها التي تُشير إلى تمويل الإرهاب.
وحول تخوفها من إنهاء الدور القطري في غزة، نفت “زيدان” ذلك لافتة إلى أن المشاريع القطرية المُنفذة في قطاع غزة هي مشاريع مستدامة وتُلبي احتياجات الناس لسنوات متوالية ولذلك يصعب اجتثاث جذورها أو إنهائها خاصة المشاريع الإسكانية ومشاريع البنية التحتية والطرق والشبكات والمشاريع الصحية، وقالت: ” ستبقى تلك المشاريع علامة ودليل دامغ للدعم القطري الإنساني لأهل القطاع”.