أكد تقدير موقف صادر عن مركز الجزيرة للدراسات أن قطع السعودية والإمارات والبحرين للعلاقات مع قطر، يلقي بظلاله على مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلى تعبيره عن إرادة خليجية موحدة. مشيراً إلى أن تجاهل الرياض وأبوظبي الفادح لمؤسسات مجلس التعاون، وحدَّة الأزمة وتطورها، وتنكرها لقيم المنطقة التقليدية واصطدامها مع الروابط الوثيقة بين الشعوب، كشفت أن المجلس لم يعد يعني الكثير لأكبر أعضائه وأثقلهم وزنًا، حيث لم تتم الدعوة لقمة خليجية طارئة أو يتم طرح الاتهامات لدولة قطر على أيٍّ من مؤسسات مجلس التعاون لبحثها، كما أن الأمانة العامة لمجلس التعاون سمعت بقرارات قطع العلاقات مع قطر وحصارها عبر وسائل الإعلام.
وأشار التقرير إلى قول وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في العاصمة الفرنسية باريس، أن السعودية وشركاءها يراهنون على أن تنجح إجراءات الحصار في دفع قطر إلى الخضوع والاستجابة لمطالب السعودية والإمارات .. لكن المؤكد أن قطر تستطيع الصمود أمام هذه الإجراءات؛ لأنها تمتلك احتياطيات كبيرة، وخيارات واسعة للاستيراد، ومنافذ بحرية وجوية عديدة، وشركاء اقتصاديين كبارًا يرتبطون معها باستثمارات كبيرة وبعقود حيوية مثل استيراد الغاز، كما أن الحكومة القطرية اتخذت إجراءات لمواجهة وضع حصار شبيه بالوضع الحالي منذ أزمة 2014. وبالرغم من التفاوت الكبير بين أزمة سحب السفراء في 2014 وأزمة العلاقات الخليجية الراهنة، ليس من المستبعد أن تنجح الوساطة الكويتية، بدعم من عُمان وتركيا، في احتواء الموقف، ومنع التصعيد، ومن ثم إيجاد مخرج ما، خلال أسابيع أو شهور، لكن اليقين أن انكسارًا حقيقيًّا وقع في العلاقات القطرية-السعودية، ربما يفوق حتى الانكسار في العلاقات القطرية-الإماراتية، وأنَّ قدْرًا ملموسًا من فقدان الثقة ترسَّب في رؤية كل من الرياض والدوحة للأخرى .. مشيرا إلى أن قطر لن تنسى اللغة التي استُخدمت في الحملة الإعلامية ضدها، وأن السعودية فرضت عليها حصارًا قُصد به تجويع سكانها، وقطع صلات الرحم الوثيقة بين شعبي البلدين، وسيصعب عودة العلاقات القطرية-السعودية إلى طبيعتها، خاصة أنها ضربت كل الإنجازات التي حققها مجلس التعاون الخليجي منذ نشوئه، مثل حرية تنقل الأفراد، والعلاقات البنكية، وغيرها من الإنجازات على قِلَّتها.
وذكر التقرير أن محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي يريدان استسلامًا قطريًّا، وتحكمًا كاملًا في قرار الدوحة الخارجي والداخلي، لكنه رأى حتى وإن وافقت قطر على تقديم تنازلاتٍ ما لصالح إنجاح جهود المصالحة وخفض التوتر الخليجي، فلن تتخلى القيادة القطرية مطلقًا عن قرارها المستقل؛ لأنه يعرِّض أمن بلادها ورفاهية شعبها لخطر كبير، وسيجد معسكر الرياض وأبو ظبي صعوبة في إلزام قطر بشروط لا يلتزمون هم بها، مثل فرض الوصاية على علاقات قطر الخارجية بينما تتدخل أبو ظبي في الشأن الليبي والشأن اليمني وتدعم محمد دحلان المناهض للسُّلطة الفلسطينية وتعطي لنفسها حق مخالفة السعودية مثلًا في الملف اليمني.
وعندما تنقلب العلاقات بين دول المجلس بهذه الصورة المفاجئة، وتتحول من علاقات تعاون وتوافق وتحالف إلى ما يشبه الحرب غير المعلنة، لن يكون من المستبعد أن تبحث دول المجلس المختلفة عن ترتيبات خارج نطاق المجلس للحفاظ على أمنها واستقرارها، وحتى على المستوى الشعبي، رسَّبت الأزمة شكوكًا في أوساط الخليجيين من إمكانية عملهم واستثمارهم في دول خليجية أخرى، بل وحتى زواجهم من مواطنين أو مواطنات دول خليجية شقيقة. وأشار التقرير إلى أن هذه الأزمة، مهما كان مصيرها، وضعت نهاية لفكرة القيادة السعودية للمنظومة الخليجية والعربية.
وأكد التقرير أن مواقف السعودية والإمارات والبحرين من قطر عبَّرت عن تناقضات لا تخفى، ليس فقط في مادة الحملة الإعلامية، لكن أيضًا في مضمون البيانات الرسمية التي برَّرت الحصار وقطع العلاقات، حيث اتُّهمت قطر بدعم الحوثيين وحزب الإصلاح في اليمن، بالرغم من أن الإصلاح في طليعة القوى التي تخوض الحرب ضد الحوثيين، وأن الجنود القطريين وقفوا إلى جانب نظرائهم السعوديين للدفاع عن حدود السعودية الجنوبية مع اليمن.
ولا يبدو أن اتهام قطر باتصالات مع إيران، تصب في غير مصلحة دول مجلس التعاون، يستند إلى أدلة صلبة .. اللغة التي تستخدمها قطر لوصف العلاقة مع إيران، والتي تستهدف عدم رفع مستوى التوتر، هي اللغة ذاتها التي تستخدمها السعودية والإمارات، علاوة على أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول لإيران مقارنة ببقية دول الخليج، وترتبط كل دول الخليج ما عدا السعودية بعلاقات دبلوماسية مع إيران، فضلا عن أن قطر تقف في الجانب المناهض لإيران في سوريا واليمن والعراق، كما أن الاتهامات الأخرى لقطر بدعم تنظيمات إرهابية وجماعات معارضة للسعودية ذُكِرت في البيانات السعودية بصورة عامة وبدون تقديم أدلة ما على مصداقيتها.
وقال التقرير أن ما يصعب فهمه كيف باتت العلاقات السعودية-القَطَرية، بالغة الدفء والانسجام منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، بهذا السوء إذا كانت الاتهامات السعودية مؤسَّسة على حقائق؟ .. لم تكن العلاقات القطرية – الإماراتية على ما يرام منذ زمن طويل، لكن العلاقات السعودية -القطرية مسألة مختلفة .. مشيراً إلى أن السياسة القَطَرية تصطدم مع السياسة الإماراتية منذ اندلاع الثورات العربية في 2011، سواء لتباين موقف الدولتين من الاتجاه الإسلامي في المنطقة العربية، أو لوقوف كل منهما في معسكر مقابل فيما يتعلق بقضايا محددة.
ويمكن القول إن الخلافات القَطَرية – الإماراتية تجلَّت في أكثر حالاتها حدَّة في الموقف من الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس المنتخب محمد مرسي والموقف من محاولة خليفة حفتر الذي يرفض الاعتراف بحكومة التوافق المعترف بها دوليًّا ويسعى للسيطرة العسكرية على ليبيا، والموقف من التحركات التي تستهدف تقسيم اليمن من جديد.
أما الخلافات القَطَرية – السعودية فهي شأن آخر، اختلفت السعودية وقطر في الموقف من الثورات العربية عمومًا، لكن هذا الخلاف لم يكتسب طابعًا حادًّا؛ لأن السعودية لم تتبنَّ أصلًا سياسة مناهضة بصورة مباشرة للحراك الشعبي العربي في 2011 .. ففي سوريا، نشأ توافق سعودي-قطري على دعم الثورة السورية ومواجهة النفوذ الإيراني، لكن العلاقات السعودية-القطرية تعرضت لأزمة حادة في 2014 بفعل الاختلاف في الموقف من انقلاب صيف 2013 العسكري في مصر، وبينما لا تُبدي السعودية اهتمامًا يُذكر بالوضع الليبي، بدا منذ اندلاع الحرب ضد الحوثيين، قبل ما يزيد على عامين، أن التوافق بين الدوحة والرياض من الوضع اليمني، أكبر من التوافق بين الرياض وأبو ظبي، على الأقل ظاهرًا.
وخلص التقرير إلى أنه يصعب، تحديد سبب طارئ أو تطور مستجد يمكن أن تُعزَى إليه الشرارة التي أدت إلى اندلاع التحول السعودي المفاجئ، بالغ العداء والحدة، ضد قطر .. التفسير المنطقي الوحيد لهذا الموقف أن السعودية، بتشجيع ملموس من الإمارات، تسعى إلى السيطرة الكاملة على القرار القَطَري، وإخضاع قطر كُليَّة، وتقديم قطر كإنذار لدول الخليج الأخرى، التي تحتفظ بسياسة مستقلة عن السعودية، مثل الكويت وعُمان.
وأشار التقرير إلى أن التصعيد بهدف إخضاع قطر لم يكن ممكنًا في التوقيت الحالي بدون تطورين مهمين، الأول التقارب الوثيق بين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وشعور الأول بأن الثاني يمتلك شبكة نفوذ في أمريكا نجحت في تحسين صورة السعودية في مدركات ترامب، وأن ذلك يعزِّز مكانته في المملكة باعتباره حقَّق نجاحًا في إبعاد مخاطر قانون (جاستا) ونجح في إقناع واشنطن بتبني الأجندة السعودية .. أما التطور الثاني فيتعلق بالدعم المعنوي الذي تلقَّاه معسكر محمد بن سلمان ومحمد بن زايد من زيارة الرئيس ترامب للسعودية، التي يعتقد الاثنان أنها – أي الزيارة- مثَّلت انتصارًا لسياستهما والعودة إلى سياسة التحالف التقليدية مع الولايات المتحدة، وتخلي واشنطن عن أوهام التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط. ذكر التقرير أن الحملة على قطر من البداية، وحتى بعد تطورها إلى الحصار وقطع العلاقات، تم فهمها بأنها سعودية-إماراتية، وأن دور من التحق بها بعد ذلك كان هامشيًّا، وعمل هذا التصور، إضافة إلى القلق الإقليمي والدولي من تأثير الأزمة على استقرار منطقة الخليج، على تحديد طبيعة ردود الفعل، سواء في الجوار العربي والإقليمي، أو على المستوى الدولي. ولم تُخْفِ إيران محاولتها استغلال الانقسام الخليجي، وإظهار التعاطف مع قطر، مبدية الاستعداد لتوفير حاجات السوق القَطَرية من السلع الغذائية التي يمكن أن تكون تأثَّرت بإغلاق المنافذ الحدودية مع السعودية .. وفي صورة مشابهة، قال مسؤولون إسرائيليون: إن الأزمة الخليجية تفتح نافذة لتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع السعودية والإمارات ضد قطر، التي تقدِّم الدعم لحكومة حماس في غزة، أما تركيا، التي ترتبط بعلاقات وثيقة واستراتيجية مع قطر، والتي بدأت بالفعل إقامة قاعدة عسكرية فيها، لم تُخفِ تعاطفها مع وجهة النظر القَطَرية؛ لكنها عملت في الآن نفسه على التوسط ومحاولة احتواء الأزمة، حيث توجه مبعوثان للرئيس أردوغان إلى الدوحة والرياض في 3 يونيو الجاري، لكن أنقرة فوجئت، بعد عودة المبعوثين لتقديم تقريرهما للرئيس التركي، بالتصعيد الكبير في الموقف واتخاذ قرارات قطع العلاقات مع قطر وحصارها؛ ما دفع الرئيس التركي إلى إدانة إجراءات الحصار التي اتُّخذت ضد قطر.