وكالات – بزنس كلاس:
كشف تقرير نشرته نيويورك تايمز اليوم إن القيادة السعودية في عهد محمد بن سلمان بدأت تهتم بمشروع تنفيذ الإغتيالات كسياسة منذ عام 2017 وذلك من أجل التخلص من الخصوم، وكان من ضمن العمليات التي خطط لها تنفيذ إغتيال ضد قيادات ومسؤولين إيرانين مثل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني وأحد أقوى المسؤولين الإيرانيين وذلك منذ العام الماضي، وقال التقرير إن المشروع تمت مناقشته بين اللواء أحمد عسيري المقرب من ولي العهد السعودي ومدير المخابرات العامة ورجل الأعمال اللبناني الاصل الامريكي الجنسية جورج نادر مستشار ولي عهد أبوظبي ورجل الاعمال الاسرائيلي المقرب من اسختبارات بلاده جويل زامل. حيث أرشد نادر القيادات السعودية إلى شركة مقرها في لندن يمكنها القيام بالإغتيالات التي ترغب المملكة في تنفيذها.
وتمت مناقشة مشروع الاغتيالات لتصفية الخصوم على هامش الإجتماع الذي عقده عسيري مع نادر وجويل من أجل مناقشة خطتهما التي تقدر تكلفتها بـ 2 دولار والتي تم وضعها من اجل تخريب الاقتصاد الإيراني .
وقال تقرير “التايمز” إن رجال أعمال طلبوا من مسوؤلون كبار من المخابرات السعودية مقربون من ولي العهد محمد بن سلمان إستخدام شركات خاصة لتنفيذ عمليات إغتيالات لأعداء المملكة من الإيرانيين، وذلك وفقا لثلاثة مصادر كانت على إطلاع بالمناقشات التي جرت في الإجتماع الذي عقد لهذا الخصوص.
وبدأ السعوديون في هذه الاتجاه في الوقت الذي كان يشغل فيه محمد بن سلمان منصب ولي ولي العهد ووزير الدفاع، وكان يقوم بتعزيز تواجده في السلطة وتوجيه مستشاريه لتصعيد العمليات العسكرية والاستخباراتية خارج المملكة . وكانت مناقشات عمليات الاغتيالات قد بدأت فعليا قبل عام من وقوع جريمة إغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بأسطنبول في الثاني من اكتوبر الماضي، في الوقت الذي يشير فيه مسؤولين سعوديين كبار بأن برنامج الإغتيالات طفى على السطح مع بدء هيمنة الأمير محمد بن سلمان على السلطة.
وقد صورت السلطات السعودية إغتيال خاشقجي على أنه عملية نفذتها عناصر مارقة وأمر بها مسؤول سعودي تم فصله من عمله منذ ذلك الحين، ولكن هذا المسؤول، هو اللواء أحمد عسيري الذي حضر إجتماعا في مارس 2017 في الرياض حيث وضع عدد من رجال الأعمال خطة بقيمة 2 مليار دولار تستخدم خلالها عناصر الإستخبارات الخاصة لتنفيذ حملات لتخريب الاقتصاد الإيراني.
وخلال المناقشات التي شهدها هذا الاجتماع الذي يعتبر جزء من سلسلة إجتماعات ، حاول رجال الأعمال كسب التمويل من السعودية لخطتهم ، فيما طلب كبير مساعدي اللواء عسيري من رجال الإعمال تنفيذ إغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والرجل الذي يعتبر عدوا شرسا للمملكة العربية السعودية.
وعليه فأن الإهتمام ببرنامج الإغتيالات والعمليات السرية والحملات العسكرية مثل حرب اليمن، التي يشرف عليها ولي العهد السعودي، يعتبر تغيراً جذرياً في توجهات المملكة والتي لديها تاريخاً طويلاً في تجنب السياسة الخارجية القائمة على المغامرة والتي يمكن أن تخلق حالة من عدم الإستقرار وتهدد وضع المملكة المريح كواحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم .
اما بالنسبة لرجال الأعمال، ذوو الخلفيات الإستخباراتية، فإنهم يرون أن خطتهم لضرب الإقتصاد الإيراني تعتبر مصدر دخل مربحا للغاية بالنسبة لهم وفي نفس الوقت تساهم في شلل إيران التي يعتبرها السعوديون تهديداً لهم وخطراً محدقاً، ورتب جورج نادر رجل الأعمال الأميركي – من أصل لبناني- الإجتماع بين رجال الأعمال والمسؤولين السعوديين في الرياض ، وكان قد التقى في السابق بولي العهد السعودي وعرض خطة تخريب إيران على مسؤولين بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وشارك في الإجتماعا جويل زامل الإسرائيلي الذي يتمتع بعلاقات قوية بالاستخبارات والأمن في بلاده.
وجورج نادر وجويل زامل هم شهود في “تحقيقات مولر” بشأن مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016″، وقد سألهم الإدعاء العام عن مناقشاتهم التي أجروها مع المسؤولين الأمريكيين والسعوديين حول مقترح تخريب الإقتصاد الإيراني، وتقول نيويورك تايمز إنه من غير الواضح أن يتم التحقيق مع هذا الثنائي في هذا الشأن ضمن تحقيق مولر الموسع، وفي عام 2016 قامت شركة “Psy-Group” التي يملكها الإسرائيلي جويل زامل بوضع خطة للتلاعب بوسائل التواصل الإجتماعي خلال حملة دونالد ترامب للإنتخابات الرئاسية. ووجهت نيويورك تايمز أسئلتها حول الموضع للحكومة السعودية ولمحامو نادر وزامل إلا أنهم جميعا رفضوا التعليق عليها.
ويمضي تقريرالتايمز في القول: خلال إجتماع مارس 2017 الذي عقد لمناقشة خطة تخريب الإقتصاد الإيراني وفقا لثلاثة مصادر على علم بهذه المناقشات، سأل السعوديون رجال الأعمال عما إذا كانوا قد قامو بتنفيذ عمليات أغتيال من قبل ، وذلك نسبة لرغبتهم في إغتيال مسؤولين إيرانيين كبار، ولكن رجال الأعمال أبدوا ترددهم وقالوا إنهم بحاجة إلى استشارة محاميهم حول هذا الموضوع. وبإطلاعه على الأمر رفض المحامي الخطة وبشكل قاطع ، فأخبروا السعوديين بأنهم لن يشاركوا في تنفيذ أي عمليات إغتيال، إلا أن جورج نادر أخبر السعوديين عن شركة تقوم بتنفيذ عمليات الإغتيالات بالوكالة ومقرها في لندن ويديرها عسكريون كانوا يعملون في السابق في القوات الخاصة البريطانية. وقال لهم نادر إن هذه الشركة سوف توافق على عقد الإغتيالات ضد المسؤولين الايرانيين، ولم تذكر التايمز في تقريرها اسم الشركة المعنية.
وقبل إقالته في الشهر الماضي يعتبر اللواء أحمد عسيري المستشار الأقرب من ولي العهد بن سلمان، وعسيري قد تخطى صعوده في الجيش السعودي صعود بن سلمان في الحكم، ففي عام 2016 أصبح المصدر الرئيسي للأخبار عن الحرب التي تقودها السعودية في اليمن والمتحدث الرسمي بإسمها وذلك من خلال تقديمه للتقارير الدورية عن الاحداث في حرب اليمن. وسافر خلال تلك الفترة كثيرا الى العاصمة الأمريكية حيث أن جماعات الضغط التي تدفع لها السعودية كانت تقدمه للمراكز البحثية الامريكية من اجل أن يمدهم بتقييمات متفائلة حول تقدم السعودية في الحرب، وعن الرفاهية التي يعيشها الشعب السعودي.
وبحلول عام 2017 وصلت الحرب التي تقودها السعودية في اليمن ويشرف عليها أحمد عسيري الى مرحلة حرجة جدا حيث أنها تحولت إلى كارثة إنسانية، ولكن محمد بن سلمان لم يحاسب عسيري على ذلك بل عزز سلطته الأمنية في المملكة وتمت ترقيته إلى نائب رئيس المخابرات السعودية ومديرا للمخابرات العامة.
ويعتقد محللون غربيون أن بن سلمان نقل عسيري جزئيا إلى المخابرات حتى يراقب عن كثب رئيسها خالد بن علي بن عبدالله الحميدان المعروف بإسم “أبوعلي” المقرب من أجهزة الإستخبارات الغربية والمشبته في ولاءه لأحد الأمراء من خصوم محمد بن سلمان، وربما تشير النيويورك تايمز في تقريرها الى الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق.
وفصل اللواء أحمد عسيري من عمله بعد أن اعترفت السعودية بأغتيال جمال خاشقجي وقالت السلطات إن عسيري هو من أمر بتنفيذ عملية الإغتيال، والسبت الماضي قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن حكومت قد سلمت تسجيلات إغتيال خاشقجي إلى الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وبريطانيا وفرنسا، وذلك من أجل الضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليقوم بمعاقبة السعودية وبقسوة كبيرة بسبب جريمة قتل خاشقجي.
وقال تقرير نيويورك تايمز إن خطة نادر وزامل لضرب الإقتصاد الإيراني يعود تاريخها لبداية عام 2016، وذلك عندما شرعوا في مناقشة خطة حرب اقتصادية ضد إيران شبيهة بالحملة التي شنتها إسرائيل وأمريكا خلال العقد الماضي لإرغام إيران على وقف برنامجها النووي. وتم وضع الخطة التي تضمنت الكشف عن الأصول العالمية غير المعروفة والتي يمتلكها فيلق القدس الايراني، وإنشاء حسابات وهمية ناطقة باللغة الإيرانية على وسائل التواصل الأجتماعي وذلك لإثارة الإضطرابات داخل ايران ، وتمويل المعارضة الإيرانية والترويج للإتهامات الحقيقية والكاذبة ضد كبار المسؤولين الإيرانيين وزرع الفتنة بينهم ليحاربوا بعضهم بعضا.
وتقول التايمز إن نادر هو مستشار ولي العهد في دولة الامارات “ولي عهد ابوظبي” وهي أي الامارات والسعودية واسرائيل قد وصفوا إيران بانها المهدد الرئيسي للإستقرار في الشرق الأوسط.
وكان نادر وجويل يعتقدان أن فوز هيلاري كلينتون بالإنتخابات الرئاسية في عام 2016 يعني إستمرار الإتفاقية النووية بين أمريكا وايران التي وقعها الرئيس السابق باراك اوباما، ولفتح شهية الراغبون في الحملة المنسقة لتخريب الاقتصاد الايراني، قررا طرح الخطة على المسؤولين السعوديين والإماراتيين وذلك خلال الإجتماع الذي جمعهم باللواء أحمد عسيري في بلجيكا.
وقد غير إنتخاب ترامب حسابات جورج وجويل ، حيث أنه وبعد ذلك بوقت قصير سافر نادر وجويل إلى نيويورك من أجل بيع خطتهم لضرب إيران لإدارة ترامب والجنرالات السعوديين. وكانت خطة نادر لمحاولة تخريب الإقتصاد الإيراني قد تم الإبلاغ عنها لأول مرة عن طريق نيويورك تايمز في شهر مايو. أما المناقشات التي أجراها اللواء عسيري ومسؤولين سعوديين اخرين في نيويورك فقد أوردتها صحيفة “ذي ديلي بيست” الشهر الماضي.
وتقول نيويورك تايمز أن نادر وجويل قد قاما بتجنيد إيريك برينس الرئيس السابق لشركة بلاك ووتر والمستشار السابق لفريق ترامب الانتقالي، وعقب ذلك قاموا بمناقشة تفاصل خطتهم مع برينس خلال الإجتماع الذي جمعهم به وعلموا من خلاله بأنه قد قام بإعداد خطة ومقترحات شبه عسكرية خاصة ليبيعها للسعوديين . وحاولت نيويورك تايمز سؤال المتحدث بإسم إيريك برينس للتعليق على هذه المسألة إلا أنه رفض .
وقال التقرير إن الإجتماع الذي ضم اللواء عسيري وجورج نادر وجويل زامل قد تم في جناح بأحد الطوابق العليا من فندق مندرين اورينتال “Mandarin Oriental” بنيويورك، وتحدث نادر وزامل خلال الاجتماع الى عسيري ومساعديه عن خطتهم لضرب إيران، وابدى المسؤولين السعوديين إهتمامهم بالفكرة ولكنهم قالوا بإنها خطة مستفزة للغاية للنظام الإيراني ومن المحتمل أن تؤدي إلى زعزعة الإستقرار في المنطقة وأنهم يريدون الحصول على موافقة إدارة ترامب على الخطة قبل أن تدفع المملكة ثمنها.
وبعد فوز ترامب بالإنتخابات الرئاسية في يناير 2017 التقى السيد نادر وبشكل متكرر مع مسؤولين بالبيت الأبيت لمناقشة خطة تخريب الاقتصاد الإيراني.
وقال شخص سعودي موالي لولي العهد بن سلمان ومطلع على التحقيقات الجارية بشأن جريمة اغتيال خاشقجي إن إهتمام اللواء عسيري بالإغتيالات لم يكن أمرا مفاجئا ولكنه لا يمثل السياسة السعودية الرسمية. وقال إن التحقيقات أظهرت أن الجنرال عسيري متكبر وطموح وكان يسعى لإقناع ولي العهد بن سلمان بخطط العمليات السوداء التي تنفذ الإغتيالات بطرق غير رسمية.
ولكن الجنرال عسيري المعروف بقربه الشديد من ولي العهد السعودي ، كان غالبا مايكون متواجدا خلال الإجتماعات التي كان يعقدها بن سلمان في الرياض مع المسؤولين الأمريكيين، وهذا ما يجعل من الصعب على مؤيدي بن سلمان أن يبعدوه عن خطة الإغتيالات، مثلما ساعدت نفس هذه المعطيات في إقناع الاستخبارات الغربية بأن ولي العهد السعودي كان على علم مسبق بجريمة إغتيال خاشقجي، وعلاوة على ذلك كان اللواء عسيري ومساعديه يلتقون بجورج نادر في نفس الوقت الذي كان يجتمع فيه نادر بولي العهد السعودي، وهذا وفقا لإعتراف مسؤولين سعوديين.
وفي رسائل إلكترونية أرسلها نادر لشريك أعمال حصلت نيويورك تايمز عليها أشار نادر في بعضها إلى المحادثات التي اجراها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والمعروف أيضا بـ “MBS” وعن المشاريع الاخرى التي ناقشها مع اللواء عسيري. حيث كتب نادر في أوائل عام 2017 عن مناقشته العقود التي من المحتمل أن يوقعها مع السعودية:” لقد عقدت اجتماعا رائعا حقا مع “MBS”..” وقال إن ولي العهد نصحه “بمراجعة خطته مع اللواء عسيري”.
صورة تجمع ولي العهد السعودي بجورج نادر استخدمتها التايمز في تقريرها
صورة استخدمتها التايم في تقريرها – اللواء المقال أحمد عسيري ضمن المتهمين بتنفيذ جريمة إغتيال خاشقجي