على مدار قرون كسبت مدينة #لندن مكانة عالمية هامة كقطب ثقافي وحضاري وسياسي بارز، حيث تميزت العاصمة البريطانية بمبانيها الرائعة وحدائقها الجميلة وقصورها المذهلة وشوارعها النظيفة.
لكن صيف سنة 1858 كان “قذراً”، فقد كان الوضع في مدينة الضباب لندن مختلفاً بشكل كامل.
فخلال تلك الفترة عاشت لندن على وقع كارثة بيئية رهيبة أعاقت عمل البرلمان البريطاني وأجبرت الأهالي على مغادرتها.
ما بين سنتي 1800 و1850 شهدت المدينة تضاعف عدد سكانها، وأمام هذا التزايد العددي الملحوظ حافظت لندن على نظام تصريف مياه تقليدي، حيث احتوت معظم المنازل على الآبار. كما اتجه كثيرون إلى استغلال مياه #نهر_التايمز، فضلا عن ذلك جرى الاعتماد على آبار التسريب من أجل التخلص من المياه المستعملة والفضلات البشرية.
وفي حدود سنة 1810 قدّر عدد سكان العاصمة البريطانية بحوالي مليون نسمة وفي الأثناء احتوت المدينة على أكثر من 200 ألف بئر تسريب.
يوم غرقت المدينة بالبراز
وخلال تلك الفترة مثلت آبار التسريب مصدر رزق للعديد من العائلات، فقد امتهن كثيرون جمع الفضلات البشرية (البراز) الموجودة بآبار التسريب من أجل نقلها وبيعها كسماد (مادة عضوية غنية بالأملاح المعدنية تضاف للتربة لمساعدة النباتات على النمو) للفلاحين في محيط لندن.
مع بداية سنة 1847 اتخذت السلطات البريطانية قراراً تعيساً، حيث باشرت عملية استيراد سماد جديد يلقب بـ “غوانو” من دول أميركا الجنوبية وأمام التكلفة الرخيصة والتأثير الإيجابي لهذا السماد على التربة، أقدم الفلاحون البريطانيون على التخلي عن السماد المستخرج من البراز البشري من أجل استبداله بسماد غوانو.
وبسبب هذا القرار البريطاني ترك العديد من العمال السابقين مهنة جمع البراز البشري من آبار التسريب وبيعه للفلاحين. إلى ذلك، ومع بداية سنة 1850 شهدت مدينة لندن تزايدا ملحوظا لمساحتها مقارنة بالسنين الماضية.
وبسبب غياب عملية الإفراغ، تراكم البراز البشري بشكل كبير جدا في آبار التسريب، لينتشر عقب ذلك بشكل تدريجي في قنوات مياه الطرقات التي كانت مخصصة لنقل مياه الأمطار لتصب في نهر التايمز.
نهر التايمز يتحول لـ”بركة مقرفة”
وبعد فترة وجيزة شهد نهر التايمز (برفقة جميع تفرعاته) حالة تلوث غير مسبوقة حيث امتلأ بالفضلات البشرية (البراز) لتنبعث منه لاحقا رائحة كريهة لا تحتمل.
وفي وصف هذه الحادثة كتب السياسي البريطاني بنجامين دزرائيلي قائلاً: “إن التايمز أصبح بركة مقرفة داكنة اللون تنبعث منها روائح لا تطاق”.
بسبب هذه الكارثة البيئية عاشت لندن بداية من شهر يونيو/حزيران سنة 1858 على وقع حالة من الفوضى والاحتقان، حيث دخل عمال المصانع القريبة من نهر التايمز في إضراب بينما أجبر العديد من الأهالي على إخلاء منازلهم ومغادرة المدينة.
كما انتقلت المعاناة لتبلغ مبنى البرلمان. ففي العادة اعتاد النواب الاجتماع داخل قاعة قصر وستمنستر، لكن الروائح الكريهة أجبرت البرلمانيين على مغادرة المكان وعقد اجتماعاتهم بقصر هامبتون كورت.
أقذر مدينة على وجه الأرض
وتزامنا مع كل هذا، شهدت مدينة لندن انتشار بعض الأمراض وقد تفاقم الوضع أكثر إثر فشل عمليات السيطرة على الوضع، حيث لم تتكلل عمليات إضافة كلوريد الكالسيوم والجير لنهر التايمز بالنجاح.
ولعدة أسابيع عاشت مدينة لندن على وقع كارثة بيئية تسببت حينها في جعلها أقذر مدينة على وجه الأرض.
لكن مع حلول منتصف شهر يوليو/تموز سنة 1858 شهدت الأزمة انفراجا تدريجياً، فإثر هطول كميات هائلة من الأمطار تحرك مجرى مياه التايمز، ناقلاً معه نسبة كبيرة من البراز المتراكم.
وخلال الأسابيع القليلة التي تلت الكارثة البيئية، وافقت إدارة لندن على دعم مشروع عملاق تقدم به مهندس يدعى جوزيف بازالجيت، من أجل إعادة هيكلة برنامج الصرف الصحي بالمدينة.
وقد تلقى هذا المشروع تمويلا مبدئيا بلغ قوامه 3 ملايين جنيه، وتضمن بناء عشرات الأميال من قنوات الصرف الصحي المترابطة بالإضافة إلى محطات ضخ ومحطات معالجة وقد استغرق إنجازه أكثر من سبع سنوات.