تطور علاقات قطر مع أوروبا بشكل عميق بعد الأزمة الخليجية

الدوحة – وكالات:

أكد الدكتور يونس بلفلاح، أستاذ الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية بفرنسا، أن العلاقات القطرية الأوروبية ازدادت عمقاً بعد الأزمة الخليجية، لافتاً إلى أن دعوة قطر للحوار أثرت بشكل إيجابي على الرأي العام الأوروبي، خاصة أن الدوحة أحدثت اختراقا استراتيجيا مهما في اوروبا بمشروعها الداعم للديمقراطية.
وكشف بلفلاح في حواره مع “الشرق” أن صانع القرار الاوروبي أدرك أن السعودية تجاوزت كل الخطوط الحمراء، موضحاً أن ارتباط المصالح السعودية بواشنطن أثر على علاقة الرياض مع الدول الأوروبية.
ورأى أن ارتباك الموقف الأمريكي أفسح المجال لأوروبا للتواجد في المنطقة، مشيراً إلى أن الأزمة الخليجية دولية بامتياز وخلقت تحالفين في المنطقة، وأن الولايات المتحدة جزء من الأزمة وتملك مفاتيح حلها. وإلى نص الحوار..
*د. يونس، كيف ترى العلاقات القطرية الأوروبية بعد الأزمة الخليجية؟
* في تقديري أن العلاقات القطرية الأوروبية ازدادت عمقاً بعد الأزمة الخليجية، وقد عززت زيارات حضرة صاحب السمو، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، إلى بعض الدول الأوروبية وخاصة المانيا وفرنسا هذه العلاقات، وزادتها عمقاً وبعداً سياسياً واستراتيجياً.
كما أن زيارات صاحب السمو، أثرت بشكل ايجابي على الرأي العام الأوروبي، خاصة في مسألة دعوة قطر للحوار مع الدول الأربع، وعدم تبنيها لخطاب الكراهية، أو انحيازها للأجندات العدوانية التي تستخدمها دول الحصار، رغم تعرضها للظلم، كل ذلك أثر على ذهنية المواطن الأوروبي على وجه الخصوص.
علماً أنه لا يخفى على أي مراقب أن قطر أحدثت اختراقا استراتيجيا مهما في اوروبا وخاصة في باريس وبرلين، وذلك من خلال توطيد العلاقات مع الدولتين، وذلك باعلاء المصالح الاقتصادية عبر الاستثمارات القطرية في ألمانيا وفرنسا والتي تقارب 100 مليار دولار، وكذلك من خلال توضيح المشروع السياسي القطري الداعم للديمقراطية، على حساب علاقات متوترة مع الجانب السعودي، الذي فشل في التسويق لنفسه في العالم الغربي، نظراً لغياب مشروع سياسي حقيقي وارتباط مصالحها الاقتصادية بأمريكا اكثر من اوروبا.
كما أن حجم التبادل التجاري بين قطر وفرنسا وصل إلى 25 مليار يورو، وبلغ رأس مال المشاريع والاستثمارات القطرية في فرنسا 40 مليار يورو، وهناك ما يقارب الـ100 شركة فرنسية تعمل في قطر، وبالتالي هذا الأمر انعكس على علاقة البلدين ووثقها وزادها متانة وصلابة، وهو ما حدث بشكل مشابه أيضا على صعيد العلاقات القطرية الالمانية.
حل الأزمة الخليجية
*إلى أي مدى يمكن الاعتماد على الدول الاوروبية للضغط على دول الحصار لحل الأزمة الخليجية بعد تقاعس الوسيط الامريكي؟
*في الواقع أظن أن الأمر أكثر تعقيدًا من الاعتماد على الجانب الأوروبي في حل الأزمة، لان الولايات المتحدة هي في حقيقة الأمر جزء من الأزمة الخليجية، وبالتالي لديها الحل للازمة، لان المنطقة هي منطقة نفوذ أمريكي بامتياز.
لكن في تقديري أن ارتباك الموقف الأمريكي في التعامل مع قضايا المنطقة، وخاصة الأزمة الخليجية، وخروج واشنطن من الاتفاق النووي، أفسح المجال لأوروبا للتواجد في المنطقة، والتواصل مع كافة الأطراف، وتصويب بعض المسارات، وهذا ما اتضح جليا في الاعتراض الأوروبي وتحديداً الفرنسي على أداء التحالف العربي في اليمن، والذي اتضح في زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لأبوظبي، ولقائه بالقيادة الإماراتية، وابلاغها بضرورة الاسراع في ايجاد حل سياسي للازمة.
انزعاج أوروبي
*في المقابل. كيف ترى العلاقات السعودية الأوروبية؟

* بكل تأكيد، هناك انزعاج أوروبي وتحديدا فرنسي من الاجراءات السعودية، خاصة بعد احتجاز رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في الرياض، وكذلك اعتقال بعض الامراء ورجال الاعمال السعوديين الذين تربطهم علاقات ومصالح قوية بفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، كذلك التوتر السعودي الالماني، والسعودي الكندي جعل صانع القرار الاوروبي يدرك أن السعودية وحليفتها الامارات تعدت جميع الخطوط الحمراء، وبالتالي استلزم هذه التعدي وقفة من الجانب الأوروبي.
*بعد مرور أكثر من عام على الأزمة الخليجية.. كيف يراها الشارع الغربي وهل تغيرت وجهة نظره من الفاعلين فيها؟
*في تقديري، أن الأزمة الخليجية تتمثل في خلافات بين مشروعين رئيسيين.. مشروع سعودي إماراتي يعتمد على دعم الديكتاتوريات والأنظمة الفاسدة في العالم العربي، في مقابل مشروع قطري داعم لثورات الربيع العربي وتطلعات الشعوب، ومنحها الفرصة للتعبير عن رأيها بكل حرية دون قمع أو تنكيل.
وفي رأيي أن الأزمة الخليجية خلقت تحالفين في المنطقة، الأول تحالف سعودي إماراتي بحريني مصري إسرائيلي، في مقابل تحالف قطري تركي علاوة على الكويت وعمان اللتين ربما تنضمان في وقت لاحق إلى الحلف بشكل علني. علماً أن هذه التحالفات ربما تضعف الدور الأمريكي في المنطقة بشكل رئيسى.
* برأيك، هل الأزمة الخليجية أزمة إقليمية محلية أو أزمة دولية تخص كافة الأطراف؟
*أعتقد أن الأزمة الخليجية أزمة دولية بامتياز، خاصة أن دول الحصار حاولت في البداية تدويل الأزمة، من خلال محاولة استمالة الرأي العام وبعض القادة وصناع القرار الدوليين، وذلك باتهام قطر ببعض الاتهامات التي لم تقنع الرأي العام الغربي، وتحديداً ما يتعلق بإغلاق المنابر الإعلامية مثل قناة الجزيرة وغيرها، وهو الأمر الذي لم يلق أي تجاوب من قبل الشارع الأوروبي والغربي بشكل عام.
زيارة وزير الخارجية
*زار وزير الخارجية القطري إسبانيا الأسبوع الماضي، ودعا الاتحاد الأوروبي من هناك لضمان حماية العائلات والشعب القطري.. كيف قرأت تصريح الوزير القطري؟

* لا شك، أن تصريحات الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، التي طالب فيها الاتحاد الأوروبي بلعب دور لضمان حماية العائلات والشعب القطري من المغامرات السياسية التي ينفذها قادة دول أخرى، تؤكد ان هناك علاقات استراتيجية قوية تجمع دولة قطر بدول الاتحاد الاوروبي، وان رؤية الطرفين متقاربة بشكل كبير فيما يتعلق بأهمية الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وخاصة في الخليج.
وفي تقديري أن المطلب القطري سيلقى ردا ايجابيا من طرف الجانب الاوروبي، لأنه في حقيقة الأمر مطلب مشروع يخص حقوق الانسان والقانون الدولي، الذي تم الاعتداء عليه من طرف دول الحصار، مع التأكيد على أن المصلحة القطرية الأوروبية تتجلى في إرساء الأمن وعدم العبث بمصائر الشعوب كما هو الحال في اليمن على سبيل المثال.
تضرر دول الحصار
*هل تضررت دول الحصار بالأزمة الخليجية؟

*في الحقيقة، هناك عوامل كثيرة تسببت في تراجع اقتصادات دول الحصار بشكل كبير، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، خاصة بعد شن القيادة السعودية الجديدة حملة اعتقالات شملت رجال الاعمال البارزين والامراء، والترويج لرؤية (20 — 30) التي تبين فيما بعد أنها رؤية فارغة، ولا تحوي أي مضمون، إضافة إلى الكلفة الباهظة لحرب اليمن، كل ذلك بالترافق مع الأزمة الخليجية، أثر بشكل كبير على السعودية وعلى دول الحصار أيضا.

نقلاً عن صحيفة الشرق القطرية

السابق
وزير الخارجية يلتقي رئيس اليونان
التالي
سائقي الدراجات النارية يبحثون عن مركز للتدريب