ترمب حبيس دائرة “الشك”.. من يسرّب محادثات الرئيس الأمريكي؟!!

واشنطن – وكالات:

باتت فضيحة تسريب ما دار في مكالمات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مع نظيره المكسيكي ورئيس وزراء أستراليا الشغل الشاغل لصناع القرار في واشنطن خصوصاً أنها تأتي بعد كل اللغط الذي دار وما زال حول العلاقة “الخفية” لفريق ترمب بروسيا وكيف ساعدته الأخيرة بالوصول إلى المكتب البيضاوي على حساب هيلاري كللينتون.

فهل تعبر التسريبات غير المسبوقة لمحادثات الرئيس الأميركي مع نظيره المكسيكي ورئيس الوزراء الأسترالي عن “استغاثات” مكتومة من البيت الأبيض تسعى للتخلص من ترمب الذي وصف بـ “النرجسي” حتى حدود مخيفة؟

بدا هذا السؤال الأهم في واقعة التسريب التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية أمس الخميس 3 أغسطس/آب 2017، واعتبرها سياسيون أميركيون غير مسبوقة، فيما وصفها ترامب نفسه بأنها “خيانة”.

فهذه التسريبات تجعل ممارسة النشاط الدبلوماسي رفيع المستوى وحل الأزمات الخطيرة مهمةً أصعب أمام الولايات المتحدة، وليس فقط تحت رئاسة ترمب، بل قد يمتد هذا إلى ما بعد فترة رئاسته، إذ من المفترض أن تظل المناقشات التي جرت بين رؤساء العالم سرية حتى يمكنهم التحدُّث بحرية وإرساء الثقة فيما بينهم.

وكان نشر نصوص المحادثات آخر علامةٍ، ضمن علاماتٍ عدة، على انهيار أعرافٍ ثابتة داخل إدارة ترامب، ما قد يحمل تداعياتٍ ممتدة الأثر وغير مُتوقَّعَة.

ومن المُحتَمَل أن يكون القلق تجاه التداعيات الأمنية لقيادة ترامب المتذبذِبة هوَ ما دفع المُسرِّب لفعل ذلك – أن يكون التسريب صرخة استغاثة من داخل الإدارة الأميركية، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.

 

“تسريب معلومات مرة كل يوم”

 

ديفيد فروم القريب من الرئيس جورج بوش الابن كتب في نشرة “ذي أتلانتيك” إن “تسريب نصوص محادثة هاتفية رئاسية مع مسؤول أجنبي غير مسبوق وخطير ويثير الصدمة”.
وأضاف في تعليقه على الواقعة “من الضروري أن يتمكن الرئيس من التحدث بسرية تامة، والأهم من ذلك أن يتمكن القادة الأجانب من الرد بكل ثقة”.

ورأى جون كيربي، الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، أنه “أياً تكن الأسباب التي تقف وراء هذه التسريبات، إنه أمر خطير على سياستنا الخارجية”.

ونشر الجمهوريون في لجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ، تقريراً في تموز/يوليو حول “الموجة غير المسبوقة لتسريبات تنطوي على خطورة” منذ أن تولى ترامب السلطة.

وقال التقرير “في عهد الرؤساء الذين سبقوا ترامب، كان تسريب المعلومات حول الأمن القومي نادراً نسبياً”. وأضاف “في عهد الرئيس ترامب، تأتي التسريبات بوتيرة واحدة في اليوم” ويبدو أنها “تأتي من كل الحكومة”.

ولم تعد التسريبات تتعلق بالقضية الروسية وحدها، حسب التقرير، بل “اتسعت لتشمل معلومات حساسة أخرى يمكن أن تهدد الأمن القومي”.

 

“نرجسيٌّ متذبذب”

 

وتُظهِر نصوص محادثات ترامب مع الرئيس المكسيكي إنريكه بينيا نييتو، والرئيس الأسترالي مالكوم ترنبول أنَّ الرئيس الأميركي ليس أكثر اتساقاً في السر مما هوَ في العلَن: فهو محدود العلم حتى بوقوع هجمة كُبرى بالأراضي الأميركية – ونرجسي إلى حد العبثية، وفق تحليل للصحيفة البريطانية الخميس 3 أغسطس/آب 2017.

وقال ترامب لمالكوم ترنبول رئيس وزراء الأسترالي: “أنا أعظم شخصٍ في العالم”، ويتفاخر أمام أقرانه من زعماء العالم بحجم الحشود التي تأتي لحضور خطاباته. وعليه يبدو الإبقاء على صورته كزعيمٍ قوي في نظر مؤيديه، مراراً وتكراراً على مدار المحادثات، أمراً ذا أولوية قصوى بالنسبة لترامب – أولوية تفوق الحفاظ على علاقاتٍ قوية مع دولٍ متحالفة مع بلاده.

وتقدِّم لنا نصوص المحادثات تلك تذكاراً بأنَّ التحدُّث “بلطفٍ” مع ترامب يمثِّل بالنسبة له قيمة أكبر من التحالفات الاستراتيجية طويلة الأمد. وفيما كان ترامب يوبِّخ ترنبول، فقد أعلن أنَّه يُفضِّل فلاديمير بوتين عليه، وكان ترامب قد تحدَّث مع بوتين مؤخراً.

وقال ترامب باختصار قبل أن يُنهي المكالمة على نحوٍ مفاجئ: “لقد كانت محادثتي مع بوتين لطيفة. ما يحدث الآن سخيف”. وفي السر كما في العلن، فإنَّ مديح ترامب للرئيس الروسي ثابتٌ لا يتزعزع.

 

تضليل متعمد

 

ربما كان أقل الأمور مفاجأة في نشر نصوص التسجيلات هو تأكيد أنَّ ترامب وإدارته يضللون العامة عن عمد. وعندما نشرت واشنطن بوست، في فبراير/شباط الفائت، خبراً يتناول ما جرى في محادثته مع ترنبول، نَشَرَ ترامب تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر قال فيها إنّ تلك كانت “محادثة شديدة التحضُّر كذبت وسائل الإعلام الزائفة بشأنها”.

وكما حدث مراراً منذ تولي إدارة ترامب، فقد ظهرت وقائع أيَّدت صحة التقارير الإخبارية، وكشفت زور إنكار الإدارة الأميركية. وحاول ترامب عدة مرات توجيه بينيا نييتو بكيفية تضليل الصحافة، ودعاه للتوقف عن ترديد رفض المكسيك دفع تكاليف الجدار الحدودي المُقترَح من جانب ترامب.

<h4إلا المسلمين..=”” “أكره=”” إيواء=”” هؤلاء=”” الناس”=””>

ووردت مواضيع مشابهة في محادثة ترامب مع ترنبول. وهنا كانت المسألة محل الخلاف هي اتفاقية عقدتها إدارة أوباما مع أستراليا تقضي ببحث إمكانية قبول أميركا 1250 لاجئاً، معظمهم من دولٍ مسلمة، تحتجزهم أستراليا على جزرٍ بالمحيط الهادي بعد أن حاولوا دخول البلاد بحراً. وفي المقابل، ستستقبل أستراليا مهاجرين أميركيين لاتينيين.

كان ترامب حانقاً من جانبه لأنَّ الالتزام بالاتفاقية المذكورة قد يضر بصورته أمام جمهور ناخبيه، بعد وقتٍ قصير من إخفاقٍ قراره التنفيذي الأول الذي أُبطِلَ لاحقاً والذي يُقيِّد قبول اللاجئين السوريين ويعلِّق السفر من قائمة من سبع دول ذات أغلبية مسلمة.

ويقول ترامب: “سيضربني هذا في مقتل. أنا أعظم شخصٍ في العالم لا يريد السماح لهؤلاء الناس بالدخول إلى البلاد. هذا الاتفاق سيجعلني أبدو مريعاً، توليت المنصب منذ أسبوعٍ فقط”.

كان جوهر الأمر بالنسبة لترامب هوَ أنَّ اللاجئين المذكورين في الاتفاقية هُم من دولٍ مسلمة. وقال: “أكره إيواء هؤلاء الناس. أضمن لك أنَّهم أشخاصٌ سيئون”.

ورغم محاولات ترنبول لتمهيد الاختلافات بينهما، إلَّا أنَّ ترامب بدا في مزاجٍ غاضب عند نهاية النقاش، وعليه جرت تنحية قضايا ثنائية أعمّ بين البلدين. فعندما طلب ترنبول مناقشة وضعيّ سوريا وكوريا الشمالية – وهُما أزمتان عالميتان تُعد أميركا وأستراليا شريكتَين استراتيجيتَين فيهما – لم يُبدِ ترامب اهتماماً بذلك وأنهى المكالمة.

 

وقف نزيف التسريبات

 

وتستعد إدارة ترامب لكشف خطة تهدف إلى وضع حد من تسريب المعلومات الواسع والمتكرر من البيت الأبيض، الأمر الذي يعتبره ترامب نوعاً من الخيانة.

ويعقد وزير العدل جيف سيشنز ورئيس الاستخبارات دان كوتس اليوم الجمعة مؤتمراً صحافياً للبحث في مسألة “تسريب مواد سرية تهدد الأمن القومي”، في إشارة إلى هذه التسريبات غير المسبوقة في التاريخ الحديث للرئاسة الأميركية، في طبيعتها ومداها والسرعة التي تنتشر فيها، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

السابق
“ليلة الانقلاب” على بن نايف.. تفاصيل جديدة!
التالي
حريق آخر بالإمارات.. هذا المرة في أبوظبي!