ترجيحات بأن يحدث الأمر قريباً جداً.. مؤسسات التصنيف الإئتمانية العالمية ستخفض تصنيف “ثلاثي الحصار”

يتجه “ثلاثي الحصار” الذي شن حملة مقاطعة اقتصادية وسياسية جائرة وشعواء ضد دولة قطر نحو تكبد خسائر فادحة على المدى البعيد حيث رجَّحَ خبراء ماليون ومصرفيون قيام مؤسسات التصنيف الائتمانية العالمية ممثلة في ستاندر آند بورز وفيتش وموديز بتخفيض التصنيفات الائتمانية السيادية للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين خلال الفترة المقبلة وذلك نتيجة الحصار الاقتصادي والسياسي الذي قادته هذه الدول على دولة قطر.
وأوضح الخبراء والاقتصاديون الذين تحدثوا لـ «لوسيل» أنه في حالة استمرار الأزمة لفترة طويلة فإن مؤسسات التصنيف الائتمانية ستسارع بمراجعة التصنيفات السيادية للدول المحاصرة، مؤكدين أن المؤسسات تستند عند منحها لتصنيفاتها الائتمانية السيادية إلى عدة عوامل ونقاط محورية أهمها حجم التبادل التجاري والاستقرار السياسي والأمني والعلاقات مع الدول الجارة، مشددين على أن الآثار السلبية لتخفيض التصنيفات السيادية ستنعكس بشكل مباشر على الشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية العاملة في السعودية والإمارات والبحرين، حيث أشار الخبراء إلى أن تلك الشركات ستكون أكبر المتضررين نتيجة تخفيض التصنيفات الائتمانية.
وذكَّرَ الخبراء بقيام مؤسسات التصنيف العالمية خلال الفترة الماضية بتخفيض تصنيفات ائتمانية لهذه الدول نتيجة تراجع مؤشرات النمو وانخفاض قيمة وحجم التبادل التجاري مع العديد من الدول، خاصة بعد تراجع سعر برميل النفط منذ العام 2014 وحتى مطلع العام الماضي إلى مستويات تقل عن 30 دولارا للبرميل الواحد.
يعرف التصنيف الائتماني في علم الاقتصاد على أنه تقدير تقوم به بعض المؤسسات المتخصصة يحدد أهلية الدولة أو شركة ما وقدرتها وجدارتها على الحصول على قروض، حيث تأخذ مؤسسة التصنيف في حسابها السجلات الخاصة بالشخص أو الشركة أو الدولة وتصرفها وسلوكها في الماضي بالنسبة إلى قيامها بتسديد ديونها، كما تقوم تلك مؤسسات التصنيف بتقدير جدارة أقساط التأمين ومدى قدرة شركة ما على تعيين موظفين جدد، وغيرها.
وتعني درجة جدارة منخفضة لفرد أو شركة أو مؤسسة ما بأنه تواجد احتمال كبير في عدم استطاعة المقترض تسديد الدين، ونظراً لهذا الاحتمال فإن صاحب المال يشترط على المدين دفع فائدة مرتفعة على القرض، أو رفض إعطائهِ القرض.

ديون طويلة الأجل 
وكانت وكالة التصنيف الائتماني فيتش خفضت في وقت سابق من العام 2017 التصنيف الائتماني للمملكة العربية السعودية على الديون طويلة الأجل على العملة المحلية والأجنبية، ليصل التصنيف إلى A+ مقارنة بالتصنيف السابق، وهو AA-، وقد أبقت الوكالة على النظرة المستقبلية المستقرة، إضافة إلى تخفيض السندات الأجنبية غير المؤمنة لتصل إلى A+، مقارنة بـ AA، مستندة في ذلك إلى تدهور الموازنة العمومية بالدولة وخارجها، بالإضافة إلى اتساع العجز المالي الملحوظ بصورة أكثر من المتوقع في 2016.
في حين أبقت وكالة «ستاندرد آند بورز» تصنيفها للسعودية عند A-/A-2 مع نظرة مستقبلية مستقرة، أما موديز فصنفت السعودية عند A1 والنظرة المستقبلية للسعودية.
وخفضت وكالة التصنيف الائتماني العالمية فيتش توقعاتها المستقبلية للاقتصاد البحريني من مستقرة إلى سلبية، كما صنفت السندات طويلة الأجل عند +BB.

تصنيف الإمارات 

وتصنف وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية دولة الإمارات العربية عند مستوى Aa2، وتصنفها وكالة استاندرد آند بورز عند مستوى A-1+/‏ AA على المديين القصير والطويل، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وقال الخبير الاقتصادي عبد الله الخاطر إن اقتصاد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين يواجه ضغوطات كبيرة جعلت من وكالات التصنيف الائتماني الدولية تنظر إلى التصنيفات وتجعلها قيد المراجعة ملوحة بتخفيضها، وتابع قائلا: «هناك احتمال كبير بأن تقوم تلك المؤسسات بتخفيض التصنيف الائتماني لهذه الدول، فالتصنيف يأخذ في عين الاعتبار عدة جوانب ومعايير، والمعيار الأهم هو الاستقرار والقرار السياسي والقرار الاقتصادي داخل الدولة، حيث تنظر تلك الوكالات والمستثمر الأجنبي إلى هذه المعايير وخاصة القرار الاقتصادي الرشيد الذي يرتكز على الموضوعية والإستراتيجية البعيدة والمؤسسات هي التي تتخذ القرار وليس الأفراد».

الخاطر: قرارات دول الحصار تدل على عدم تقييم المخاطر 
أشار الخبير الاقتصادي عبد الله الخاطر إلى أن قرارات دول الحصار الأخيرة تدل على أن هناك استعجالا وعدم وضوح رؤية وعدم تقييم للمخاطر وتبعات تلك القرارات، وهو أمر لا يطمئن مؤسسات التصنيف الدولية، حيث يؤشر ذلك على أن الاقتصاد في دول الحصار دخل مراحل خطرة ومأزقا بسبب قرار داخلي اقتصادي غير مدروس، وتابع قائلا: «المستثمر الأجنبي ومؤسسات التصنيف العالمية عندما يراقبان القرارات التي اتخذتها دول الحصار يتأكدان أن هذه الدول لا تلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية حول التجارة وحقوق الإنسان وحركة الطيران وحرية تنقل الأفراد مما يضعف الموقف الاقتصادي لهذه الدول ويجعلها هشة ويحدث مخاوف لدى المستثمرين من احتمال تعدٍّ على استثماراتهم في الدول الثلاث، الأمر الذي يجعل الجدارة الائتمانية لهذه الدول تحت ضغط التخفيض خلال الفترة المقبلة».
وتحدث الخاطر عن الآثار السلبية الأخرى المترتبة عن قرارات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وخاصة على الشركات التي فقدت سوقا مهما في دولة قطر، وهو ما سيظهر من خلال الإفصاحات المالية للشركات في تلك الدول، حيث يتوقع أن يتراجع نمو الشركات نتيجة تراجع الإيرادات، مما يؤدي لانخفاض دول الحصار، وتابع قائلا: «الشق الثاني من الأسباب المحتملة لتخفيض التصنيفات الائتمانية في حال تراجع الإيرادات ستضع ضغوطات على ميزانية الدول مما سيتسبب في رفع نسب تمويل الميزانيات من الداخل والخارج، كما يتوقع ضعف السيولة وزيادة الائتمان مما يؤدي إلى مزاحمة القطاع الخاص وارتفاع تكلفة رأس المال، الأمر الذي سيجعل العديد من الشركات تعاني كثيرا».
وأوضح الخبير الاقتصادي عبدالله الخاطر أن الموضوع تراكمي ويزداد مع مرور الوقت، ومعه تزداد معاناة قطاع الأعمال، مما يضطر بمؤسسات التصنيف الائتماني العالمية إلى تخفيض الجدارة الائتمانية لدول الحصار وينعكس الوضع على اقتصاديتها التي تعاني منذ الفترة الماضية.

الإمارات والسعودية تستبق الإجراءات وتفرض ضرائب ورسوما
شرعت الإمارات والسعودية منذ العام الماضي في فرض ضرائب ورسوم على المواطنين والمقيمين في محاولة لرأب الفجوة المالية بين المصاريف والايرادات العامة لهاتين الدولتين، حيث تعمل هذه الدول جاهدة نحو تقليص العجز المالي المسجل في الميزانيات العامة التي تأثرت نتيجة تراجع اسعار النفط التي بلغت خلال شهر فبراير من العام الماضي نحو 26 دولارا للبرميل الواحد.
ففي الإمارات تم فرض رسوم جديدة على العمالة الوافدة بالدولة حيث تم فرض رسوم على منازل المغتربين المستأجرة بها وذلك بهدف تدعيم الإيرادات الحكومية حيث أعلنت دائرة الشؤون البلدية والنقل في أبوظبي عن ان الرسوم البلدية التي تعادل 3% من قيمة عقد الإيجار السنوي سيتم تطبيقها بأثر رجعي اعتبارا من فبراير 2016. أما السعودية عمدت الى فرض رسوم بهدف تنويع مصادر الدخل وزيادة العائدات غير النفطية للدولة، ودعم القطاعات الاقتصادية التي يتواجد فيها أعداد قليلة من العمالة السعودية، ومن بين تلك الرسوم فرض رسوم تأشيرات الجوازات، كما شملت الرسوم على تأشيرة الخروج والعودة للمقيمين بمبلغ 200 ريال لمدة شهرين، و100 عن كل شهر إضافي بواقع 200 لمدة ستة أشهر في حد أقصى، ما عدا الطلبة، فتصل مدتهم إلى سنة. إضافة إلى رسوم تأشيرة الخروج والعودة التي أصبحت 500 لمدة ثلاثة أشهر، إضافة إلى 200 عن كل شهر إضافي، وبرسم 500 في حد أقصى لمدة ستة أشهر، ماعدا زوجات المواطنين.
وتشير تقارير إعلامية إلى تضرر المقيمين في هذه الدول خاصة من متوسطي وصغار الدخل، حيث يعتبر هؤلاء ان تلك الرسوم ساهمت في تضخم الأسعار إلى مستويات مرتفعة أضرت كثيرا بمقدرتهم الشرائية.

قاسم: تراجع إيرادات الموازنات 
يقدر العجز المتوقع في موازنة المملكة العربية السعودية بـ 53 مليار دولار، حيث يبلغ حجم النفقات نحو 237 مليار دولار، وتبلغ الميزانية العامة للإمارات عن السنة المالية 2017-2021 وبنفقات تقديرية قدرها 248 مليار درهم لخمس سنوات وميزانية قدرها 48.7 مليار درهم لعام 2017.
وتتوقع البحرين أن يبلغ حجم الإنفاق العام فيها 3.5 مليار دينار، نحو 35 مليار ريال، ليكون هناك عجز قدره 1.3 مليار دينار بحريني خلال العام الجاري، وبالنسبة لعام 2018، من المتوقع أن تبلغ الإيرادات 2.3 مليار دينار من بينها إيرادات نفطية بنحو 1.8 مليار دينار، بينما يبلغ الإنفاق 3.5 مليار دينار ليكون هناك عجز قدره 1.2 مليار دينار.
إلى ذلك، فإن صندوق النقد الدولي أشار في أحدث تقاريره الصادرة عن الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الضغوط التي بدأت تنشأ على جودة الأصول في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية خلال الأشهر الأخيرة، حيث أخذت مستويات الربحية تتراجع إضافة إلى أن أوضاع السيولة بدأت تتأثر وتضيق وهو ما أجبر السعودية والإمارات على اللجوء إلى إصلاحات تنظيمية في القطاع المصرفي وخاصة تعزيز أطر تسوية الأوضاع في المؤسسات المصرفية، بما في ذلك استحداث قوانين الإفلاس التي تم إقرارها في الإمارات العربية المتحدة ومن المقرر وضعها في المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الإطار يؤكد الخبير المصرفي والرئيس التنفيذي لأحد المصارف الإسلامية سابقا قاسم محمد قاسم أن دول المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين معرضة لمخاطر تخفيض التصنيفات السيادية خلال الفترة المقبلة وما سيترتب عنه من ارتفاع لكلفة الدين لهذه الدول عند التوجه إلى السوق الخارجية إضافة إلى تراجع توقعات النمو والاقتصاد الكلي، وتابع قائلا: «أعتقد أن يرتبط تخفيض التصنيف الائتماني السيادي بالمدى الزمني لاستمرار الأزمة الحالية، خاصة أن التصنيفات الائتمانية للدول ترتبط بعدة نواحٍ منها السياسي والاستقرار الأمني والعلاقات الدولية». وأوضح قاسم أن الدول التي قامت بحصار ومقاطعة دولة قطر وإيقاف التبادل التجاري ستتضرر بشكل مباشر، حيث تستند التصنيفات الائتمانية بشكل رئيسي إلى التبادل التجاري وخاصة بعد أن أغلقت كذلك هذه الدول المجال الجوي وإيقاف حركة العبور البري مما سيولد ضغوطات إضافية على تلك الدول التي كانت تحصل رسوما من التبادل مع دولة قطر.
ويضاف إلى ذلك الضغوطات على القطاعات المصرفية في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين التي تولدت نتيجة الحصار وتعليق المبادلات مع دولة قطر، مما قد يدفع بمؤسسات التصنيف الائتماني الدولية إلى القيام بتخفيض التصنيفات الائتمانية لهذه البنوك والمصارف إضافة إلى تخفيض التصنيفات للسندات والصكوك والأوراق المالية بشكل عام لهذه الدول.
وفي ذات السياق، يتوقع قاسم محمد قاسم أن يشمل التخفيض جميع المؤسسات والشركات والمنشآت الاقتصادية العاملة في الدول الثلاث، مشددا على أن الخطر الأكبر هو تخفيض التصنيفات السيادية للإمارات والسعودية والبحرين، حيث ينتظر أن تتكبد هذه الدول خسائر مختلفة وضغوطات تضاف إلى الضغوطات السابقة ومنها تراجع الإيرادات في موازنات هذه الدول وارتفاع العجز.
ويتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ النمو في السعودية إلى 0.4% في 2017 بسبب انخفاض إنتاج النفط والإجراءات الجارية لضبط الأوضاع المالية قبل أن يرتفع إلى 1.3% في 2018، ويتوقع أن يصل النمو في الإمارات إلى 3.3% في القطاع غير النفطي وهو أقل بكثير من المتوقع، وفي البحرين 3%.

السابق
Qatargas and Shell sign new LNG deal
التالي
مبادرة المقاطعة لن تؤتي أكُلها وأصحابها يحصدون علقم قراراتهم