
حذر بنك قطر الوطني (QNB) في تحليله الأسبوعي من مغبة نشوب حرب تجارية عالمية، وذلك على خلفية الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية من فرض لسلسلة من التعريفات الجمركية الانفرادية، ورد الدول المتضررة أيضا عليها بسرعة بإجراءات مماثلة.
وأوضح البنك في تحليله الصادر، اليوم، أنه مع فرض الولايات المتحدة لسلسلة من التعريفات الجمركية الانفرادية، ورد الدول المتضررة عليها بسرعة بإجراءات مماثلة، تكون الطلقات الافتتاحية للحرب التجارية قد تم إطلاقها، كما أن الخوف الحقيقي يكمن في أن هذه التدابير – الصغيرة نسبيا – التي تم الإعلان عنها حتى الآن قد تكون ببساطة هي الرشقات الأولى لحرب أكبر من ذلك بكثير.
ولفت تحليل بنك قطر الوطني إلى أن الافتراضات التي كانت تعتمد عليها الأسواق المالية حتى وقت قريب وتتجاهل بموجبها نشوب تجارية باتت الآن مشكوك فيها، فقد تم بالفعل الإعلان عن عدد من التعريفات الجمركية الجديدة مع التهديد بالمزيد منها، كما يبدو أن الآمال التي كانت تنعقد على قيام المستشارين الاقتصاديين الرئيسيين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقييد تصرفاته قد أصبحت ميؤوسا منها، وأخيرا، يبدو أن الحيوية الحالية للاقتصاد الأمريكي، الذي حقق في الوقت الراهن معدلات شبه قياسية لتدني البطالة ويشهد نموا اقتصاديا قويا، تشجع الرئيس ترامب على تحمل مخاطر أكبر فيما يتعلق بالسياسة التجارية.
وأشار البنك في تحليله إلى أن الإجراءات التي اتخذت حتى الآن لم تكن كافية لإلحاق ضرر بليغ باقتصاد الولايات المتحدة، فقد بلغ إجمالي فاتورة الواردات الأمريكية 2.34 تريليون دولار في عام 2017، بينما كان الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ضخما، حيث بلغ 19.4 تريليون دولار، وبالتالي، فإن التعريفات الجمركية التي تم الإعلان عنها حتى الآن والتي تقارب قيمتها 100 مليار دولار أمريكي لا تغطي سوى نسبة تزيد قليلا عن 3% من إجمالي فاتورة استيراد السلع الأمريكية، أو نحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وقد كانت الإجراءات المضادة متكافئة، حيث ردت الصين بفرض تعريفات جمركية بقيمة 50 مليار دولار على سلع أمريكية هي في الأغلب سلع زراعية، ورد الاتحاد الأوروبي بفرض تعريفات بقيمة 37 مليار دولار على بعض الشركات الأمريكية الكبرى.
وأوضح أن حزمة الإجراءات التالية التي يلوح بها الرئيس ترامب بشكل علني من شأنها أن تشكل تصعيدا خطيرا في حال تم تطبيقها، لافتا إلى أنه من بين هذه الإجراءات، فرض 200 مليار دولار أمريكي إضافية كرسوم جمركية على الواردات الصينية، زيادة على 200 مليار دولار أخرى في حال ردت الصين بالمثل، كما هدد الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية على جميع ورادات الولايات المتحدة من السيارات بما في ذلك قطع غيار السيارات، مما قد يؤثر على ما تصل قيمته إلى 360 مليار دولار من الواردات، ومن شأن هذه الإجراءات أن تشمل ثلث الواردات الأمريكية وأن يصل تأثيرها الإجمالي إلى حوالي 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
وحسب تحليل بنك قطر الوطني، ستكون هذه الإجراءات متبوعة بكل تأكيد برد قوي من قبل الاتحاد الأوروبي والصين، مما يعني نشوب حرب تجارية عالمية شاملة، وقد هدد الاتحاد الأوروبي، الذي سيكون أكبر متضرر من الرسوم الجمركية على السيارات على سبيل المثال، بفرض رسوم انتقامية تقارب قيمتها 300 مليار دولار أمريكي على الصادرات الأمريكية.
ونوه بنك قطر الوطني (QNB) أيضا إلى أن هناك مشكلة عدم التكافؤ بين الواردات الأمريكية من الصين (505 مليارات دولار أمريكي في 2017) وواردات الصين من الولايات المتحدة (130 مليار دولار فقط)، ما يعني أن الصين لن يكون لديها صادرات أمريكية كثيرة يمكن فرض رسوم مماثلة عليها، مشيرا إلى أن حالة عدم التكافؤ هذه تثير احتمال اضطرار الصين إلى الرد من خلال إجراءات أخرى غير الرسوم الجمركية، مثل فرض قيود على التأشيرات والاستثمارات المباشرة، مما سيضر بالاستثمارات المباشرة الضخمة للشركات الأمريكية في الصين.
ولفت تحليل البنك إلى أن الخيار الأخطر يظل هو أن تقوم الصين بمحاربة الرسوم الأمريكية من خلال تخفيض متعمد لقيمة اليوان الصيني أمام الدولار الأمريكي، وعندها سيكون هناك تهديد بتحول الحرب التجارية العالمية إلى حرب عملات عالمية، ولا تزال السلطات الصينية بالطبع تتحكم في اليوان بشكل قوي، إلى جانب الدعم الذي تتلقاه العملة بفضل الاحتياطيات الكبيرة من النقد الأجنبي، ومع انخفاض الحساب الرأسمالي أكثر بعد موجة الهلع التي نتجت عن تخفيض قيمة اليوان في الفترة ما بين عامي 2015 / 2016، فإن ذلك يعطي الصينيين مجالا واسعا للتحكم في اليوان وخفض قيمته إن هم أرادوا ذلك.
وأفاد تحليل بنك قطر الوطني بأنه وعلى نحو يدعو للقلق، فقد تراجعت قيمة اليوان الصيني مؤخرا بشكل ملحوظ أمام الدولار الأمريكي بأكثر من 3% منذ نهاية شهر مايو الماضي، ويمكن أن يفهم الضعف الأخير في اليوان على أنه إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن حرب العملات خيار وارد في حال تم فرض المزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، خاصة وأنه يمكن لحرب العملات أن تكون مضرة للغاية، وكما تشير تجربة عامي 2015 و 2016، قد يؤدي حدوث ضعف كبير في قيمة اليوان إلى زعزعة الاقتصاد العالمي بدرجة عالية.
وحسب تحليل البنك فنظرا لأن الصين هي أكبر مستهلك للسلع الأولية، سيشكل ضعف اليوان الصيني صدمة انكماشية عالمية لكثير من بقية دول العالم، وسيعمل على تخفيض قيمة السلع بالدولار الأمريكي، والإضرار بعائدات الصادرات للدول المصدرة الكبرى للسلع، وسيهدد بزيادة الآثار السلبية التي ترتبت على العديد من الاقتصادات الناشئة في العام الجاري، كما ستتفاقم تقلبات الأسواق المالية عبر العالم وسيتباطأ النمو العالمي.
وأوضح البنك أن خفض قيمة اليوان لن يكون أمرا سهلا على الصين، حيث يمكن لذلك بسهولة إطلاق توقعات بحدوث ضعف متسارع في قيمة العملة، الأمر الذي سيثير موجة مزعزعة من هروب رؤوس الأموال تصعب السيطرة عليها حتى من خلال الضوابط المشددة الجديدة التي فرضتها الصين، وسيؤدي ضعف اليوان أيضا إلى زيادة أسعار الواردات الصينية، وذلك بالإضافة إلى تأثير الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الأمريكية، الأمر الذي سيزيد التكلفة التي تقع على عاتق المستهلك الصيني نتيجة لنشوب حرب تجارية، وسيؤدي كلا العاملين – الهروب المتسارع لرؤوس الأموال، وارتفاع الضغوط التضخمية – إلى زيادة الضغوط على أسعار الفائدة الصينية، ونظرا لأن تخفيض قيمة اليوان يعتبر سلاحا ذا حدين بالنسبة للصين، فإن السلطات الصينية ستنظر إليه كملجأ أخير لا يتم استخدامه إلا إذا تصاعدت الإجراءات الأمريكية ضدهم للحد الذي لا يجعل أمامهم خيارا حقيقيا آخر غيره.
واختتم بنك قطر الوطني تحليله بالتوصل إلى أربع خلاصات رئيسية، أولا، أنه قد انطلقت بالفعل الشرارة الأولى للحرب التجارية العالمية التي قد يكون من الصعب نزع فتيلها، وثانيا، أن أهم ما يتعلق بتصعيد الموقف هو فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في تنفيذ تهديداتها بفرض رسوم جمركية على واردات السيارات أو اتخاذ تدابير إضافية ضد الصين، وثالثا، يشكل تفاقم عدم اليقين خطرا هبوطيا آخذا في الارتفاع بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي تبدو عليه مسبقا بعض علامات الضعف، باستثناء الاقتصاد الأمريكي المستمر في الانتعاش، وأخيرا، قد يكون خطر تحول الحرب التجارية إلى حرب عملات ذات تأثير مزعزع في حال وجدت الصين نفسها مضطرة للرد على الحزم الإضافية من الرسوم الجمركية الأمريكية من خلال تخفيض قيمة عملتها هو أكبر تهديد لاستقرار الاقتصاد العالمي.