
حدد بنك قطر الوطني /QNB/، عددا من العناصر لاستعادة الصين للنمو الاقتصادي خلال العام الجاري، من بينها استعداد السلطات الاقتصادية لتقديم المزيد من التحفيز وإنشاء أرضية مواتية للنمو بشكل فعال، إلى جانب زيادة الاستهلاك والاستثمار من خلال القطاع الخاص، فضلا عن تكثيف الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا الديناميكية، وأكد التقرير أن جميع تلك العوامل تشير إلى عودة الصين القوية إلى تنفيذ أجندتها الاقتصادية.
وأشار التقرير الأسبوعي لبنك قطر الوطني إلى أنه قبل أقل من ستة أشهر، لم يكن كثير من المحللين يتوقعون أن تصبح الصين واحدة من المحركات الرئيسية للأجندة الاقتصادية العالمية في عام 2025.
وأضاف: في الواقع، بعد سنوات من تقلب معدلات النمو وضعف معنويات القطاع الخاص، هيمن التباطؤ الاقتصادي المزمن أو طويل الأجل في الصين على الاتجاهات العامة للسوق.
وقد تفاقمت هذه الأوضاع السلبية جراء الصدمة الناتجة عن عمليات الإغلاق الصارمة في أجزاء من البلاد أثناء جائحة كورونا في عام 2022، والأزمات العقارية، وعمليات التشديد التنظيمي الصارم في القطاعات الديناميكية، وإحجام السلطات الاقتصادية عن تكثيف سياسات التحفيز.
ولفت التقرير إلى أنه منذ الربع الثالث من العام الماضي، بدأت معنويات القطاع الخاص تشهد تحولا أكثر استدامة. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال مؤشر /هانغ سنغ/ (HIS)، وهو مؤشر سوق الأسهم القياسي الذي يتتبع أداء الشركات الأكبر حجما والأكثر سيولة المدرجة في بورصة هونغ كونغ، بما في ذلك بعض أكبر وأهم الشركات الصينية متعددة الجنسيات.
وبعد فترة طويلة اتسمت بضغوط بيع قوية ورياح معاكسة، يبدو أن مستثمري الأسهم أصبحوا أخيرا أكثر تفاؤلا بشأن الآفاق المستقبلية للصين، فقد ارتفع مؤشر /هانغ سنغ/ بحوالي 38 بالمئة منذ سبتمبر 2024.
وأورد تقرير بنك قطر الوطني ثلاثة عوامل رئيسية تدعم وجهة النظر الأكثر تفاؤلا التي تبلورت حول الصين في الأشهر الأخيرة، أولها إشارة جولة التحفيز التي أطلقتها السلطات الصينية لأول مرة في سبتمبر 2024 إلى أن صناع السياسات يدركون جيدا المخاطر المرتبطة بفترة طويلة من تباطؤ النمو، ومن ثم، تمت إعادة ترتيب الأولويات المرتبطة بتوسيع النشاط، حيث أصبح نمو الناتج المحلي الإجمالي مؤشر أداء رئيسيا للمسؤولين الحكوميين.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، تضمنت التدابير السياسية الجديدة إعادة رسملة البنوك الحكومية، وخفض أسعار الفائدة ونسب متطلبات الاحتياطي، وزيادة الإنفاق المالي، ودعم أسواق العقارات ورأس المال. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم الإعلان عن دعم مالي إضافي في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، عندما تم التأكيد على النسبة المستهدفة الجديدة لنمو الناتج المحلي الإجمالي التي تبلغ حوالي 5 بالمئة.
العنصر الثاني الذي بينه التقرير تمثل في استمرار تحفظ الأسر الصينية في التعامل مع شؤونها المالية على مدى السنوات القليلة الماضية، خوفا على مستقبلها في ظل الجائحة، وأزمة العقارات، وعدم اليقين بشأن أولويات الحكومة، والافتقار إلى نظام أكثر قوة للضمان الاجتماعي.
ووفقا لبنك الشعب الصيني، البنك المركزي المحلي، ارتفعت الودائع الشخصية في النظام المصرفي الصيني من 11.8 تريليون دولار أمريكي قبل الجائحة إلى 21.8 تريليون دولار أمريكي في يناير 2025.
ويمكن حشد هذا التراكم الهائل من المدخرات الخاصة بسرعة لمزيد من الاستهلاك أو الاستثمارات على المدى المتوسط، إذا تمت استعادة الثقة في المستقبل، وهذا من شأنه أن يساهم في تسريع النمو بشكل كبير.
ومع ذلك، يجب ملاحظة أنه يصعب تحقيق زيادة كبيرة في الإنفاق الاستهلاكي في الصين، نظرا للميل الثقافي للادخار وحقيقة أن أنظمة الضمان الاجتماعي في الصين لا تزال قيد التطوير، مما يتطلب مستويات أعلى من المدخرات الخاصة لتخفيف الصدمات الاقتصادية أو تمويل التقاعد. وعلى الرغم من ذلك، فإن تغييرا طفيفا في معدل الادخار سيكون كافيا لإحداث تأثير كبير على الاستهلاك والاستثمار.
العنصر الثالث الذي استند عليه التقرير هو تأكيد الإصدار الأخير من /DeepSeek/، وهو نموذج صيني متطور للذكاء الاصطناعي للأغراض العامة، على التقدم السريع الذي أحرزته البلاد في التكنولوجيا الرائدة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الأمر لم يؤكد قدرة الصين التنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي فحسب، بل سلط الضوء أيضا على نجاح البلاد في التقدم على خارطة الطريق التكنولوجية، أي التحرك نحو أعلى سلسلة القيمة في القطاعات الاستراتيجية مثل الفضاء والنقل والاتصالات الكمية والحوسبة.
كما عمل التعرض المتجدد والترويج للتكنولوجيا الصينية كمحفز لمزيد من التعاون بين الحكومة وشركات التكنولوجيا المحلية الكبرى. وقد أدى هذا إلى عقد ندوة كبيرة الشهر الماضي حيث التقى شي جين بينج برواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، مما يشير فعليا إلى نهاية الحملة التنظيمية التي كانت تلوح في الأفق على شركات التكنولوجيا الصينية منذ عام 2022. ونتيجة لذلك، تحسنت المعنويات، وهذا من شأنه أن يحفز المزيد من الاستثمارات على مدى السنوات القادمة، مما يدفع إلى المزيد من النمو.