حسابات الحقل تطابق حسابات البيدر والاستثمارات عابرة للاتجاهات
الانتصار على الذات رواية مطولة تحكيها الوقائع والأرقام
إكرام المال السياسي لدول الحصار دفنه
بزنس كلاس – رشا أبو خالد
نال بنك الدوحة العديد من الجوائز في عام 2017 في مجالات مختلفة من الخدمات المالية محلياً وإقليمياً ودولياً، لكن البنك كان يستحق عن جدارة جائزة البنك الأكثر نشاطاً وفعالية خلال 2017 لا سيما في النصف الثاني بعد إعلان “حرب الحصار” ضد دولة قطر من قبل بعض “أشقاء” الخليج ومصر.
كانت الديناميكية التي تحرك بها بنك الدوحة بعد اندلاع الأزمة الخليجية نشيطة بشكل واضح وقد آتت ثمارها سريعاً سواء على مستوى النتائج المالية الإيجابية للبنك والتي أعلنت مؤخراً أو لجهة نشاطه في إطار استراتيجية متكاملة للقطاع المصرفي في قطر والدولة بشكل عام.
وبعكس من يعيشون أوهام الأحلام ويحاربون طواحين الهواء معتدين بانتصار لم يروه، ذهب بنك الدوحة نحو العمل بصمت وجعل أفعاله ونتائجه تتحدث عن نفسها لتجعل الحالمين يستفيقون على صدمة الحقيقة المؤلمة. فبدل أن تنكمش أعمال البنك، استمر بتوسيع نشاطه ليفتتح مؤخراً ايضاً فرعا ثالثا له في مدينة تشنياو في الهند.
وحقق بنك الدوحة في 2017 جملة من الإنجازات موسعاً آفاق نشاطه ليمتد من كندا في أمريكا الشمالية حتى أستراليا مروراً بمحطات عالمية كثيرة. كما سارع البنك للمبادرة إلى سحب أصوله من دول الحصار ليوجهها إلى استثمارات جديدة واعدة متحرراً من عبء الالتزام بـ “الأشقاء” حتى لو على حساب الأرباح ولغة الأرقام التي لا تعرف العواطف. ونجح بنك الدوحة بالفعل حتى الآن باجتذاب رؤوس أموال بديلة للسعودية والإماراتية من سلطنة عُمان واستراليا وكندا في المرحلة الحالية.
من الحقل إلى البيدر
لقد أثبت بنك الدوحة أن حسابات “الحقل” إذا كانت صحيحة ستكون مطابقة لحساب “البيدر”. فقد لعب بنك الدوحة منذ بداية الأزمة دوراً نشيطاً جداً في العمل على الانعتاق من أن يكون رهينة رأس المال “السياسي” لدول الحصار، حيث قام البنك في الثامن من شهر أغسطس /آب 2017 بإقامة ندوة في مدينة سيدني بأستراليا تحت عنوان «الأداء المستدام للاقتصاد القطري» في إطار توجه البنك نحو استثمارات وتمويل خارج منظومة دول الحصار من أجل النجاح بالحصول على تمويل كاف يعوض بشكل سريع ما سحبه ويمكن أن يسحبه عملاء وبنوك دول الحصار من البنك. في تلك الندوة أشار الدكتور ر. سيتارامان، الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة لمسألة غاية في الأهمية أمام حشد من ممثلي المؤسسات والبنوك الرائدة في أسترالياً الذين أبدوا رغبة كبيرة في معرفة المزيد عن قطر والاستقصاء عن فرص الأعمال الممكنة مع بنك الدوحة، وهي أنه في شهر فبراير 2017، أصدرت قطر قانونًا جديدًا للتحكيم مستوحى من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي. ويعد قانون التحكيم هذا خطوة إيجابية نحو دعم عملية التحكيم وعامل جذب أساسي خصوصاً للمستثمرين من خارج المنطقة. ويهدف القانون الذي يحكم عمل مركز قطر للمال إلى تبسيط الإجراءات للمستثمرين الأجانب.
استثمارات عابرة للاتجاهات
كما شرح حينها بنك الدوحة عن الفوائد الكبيرة التي يمكن تحقيقها للمستثمر الأسترالي في شراكة البنك بالمشروعات الكثيرة والفرص الاستثمارية في دول قطر لا سيما في القطاع الهيدروكربوني. هذا ويتأتى قرابة 30% من إجمالي الناتج المحلي الاسمي لدولة قطر من قطاع التعدين واستغلال المحاجر والذي يتمثل بصورة كبيرة من القطاع الهيدروكربوني، فيما تتأتى النسبة المتبقية من القطاع غير الهيدروكربوني. واضاف د. سيتارامان بأن حجم التبادل التجاري تجاوز بين قطر وأستراليا 1.6 مليار دولار أمريكي في عام 2016. وهناك علاقات ثنائية متنامية ين البلدين في مجال الطيران والتعليم والتجارة والدفاع.
وسلط الدكتور ر. سيتارامان الضوء على أهم الإصلاحات التي تشهدها قطر، حيث قال: «جاءت قطر في المركز الثامن عشر على مستوى العالم والمركز الثاني على مستوى المنطقة في تقرير التنافسية العالمي 2016-2017. كما سيعمل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطر على زيادة الفرص والأعمال للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب.
جبهات متعددة
وعلى جبهة أمريكا الشمالية، استضاف بنك الدوحة جلسة لتبادل المعرفة حول “فرص الأعمال الثنائية بين قطر وكندا” في مركز خليج أديلادي، ويست تاور، تورنتو بتاريخ 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، حيث شهدت الجلسة حضور لفيف من الشخصيات البارزة من كبار الشركات الذين كانوا حريصين على معرفة المزيد عن العلاقات الثنائية واستكشاف المزيد من فرص الأعمال مع بنك الدوحة.
وقال الدكتور/ سيتارامان، الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة عن الاقتصاديات العالمية أنه وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي لـ 2017، من المتوقع أن تتسارع وتيرة النمو في الاقتصاد العالمي لتسجل 3.6% في عام 2017 و3.7% في عام 2018، بينما سيتسارع نمو الاقتصاديات المتقدمة ليسجل 2.2% في عام 2017 و2% في عام 2018، ومن جهة أخرى ستنمو الاقتصاديات الناشئة والنامية بنسبة 4.6% في عام 2017 و4.9% في عام 2018. وأضاف أنه وفقاً إلى توقعات صندوق النقد الدولي، سيسجّل إجمالي الناتج المحلي لكندا نمواً قدره 3% في عام 2017. ويعكس تحسّن نمو الاقتصاد الكندي تراجع أثر أسعار النفط والغاز المنخفضة إذ يعزى هذا الأمر إلى الإنفاق الحكومي وسياسات البنك المركزي على هذا الصعيد. وفي شهر يوليو/تموز 2017، رفع البنك المركزي الكندي سعر الفائدة الرئيسي كما هو متوقع إلى 0.75%. كما يعود السبب الرئيسي في استمرار زخم النمو إلى الإنفاق الاستهلاكي ومشاريع الإنشاء السكني الجديدة وقصر المدة المستغرقة في الاستثمارات التجارية.
ولم تكن تلك الجلسة التي استعرض فيها بنك الدوحة نشاطاته والخدمات والسلع المالية التي يقدمها، إلا مقدمة سليمة وعملية لدفع المستثمرين الكنديين وتشجيعهم على القدوم إلى قطر ومشاركة بنك الدوحة في مشاريعه سواء المحلية أو الدولية.
خارج نطاق الحصار
وفي خطوة منطقية، أشارت مصادر مصرفية إن وحدة تابعة لبنك الدوحة تسعى لبيع بعض أصولها في الإمارات العربية المتحدة إلى بنوك محلية، لعدة أسباب أبرزها التضييق الذي تمارسه سلطات أبوظبي ضد أي نشاط اقتصادي للبنوك القطرية أو اي بنوك أخرى تتعامل مع البنوك القطرية وبالتالي فإن بنك الدوحة عندما يتخلص من تلك الفروع الإماراتية يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد. أولاً استعاد جزء مهم من محفظته المالية كبديل عن الودائع التي تم سحبها من قبل السعودية والإمارات. وثانياً تخلص من خسائر كبيرة محتملة نتيجة عمليات الخنق المالي والإداري التي سوف تعترض اي نشاط لتلك الفروع من قبل سلطات أبوظبي وبنفس الوقت فضح الوجه الحقيقي للإمارات عبر الانسحاب من سوقها ما يؤدي لتقليص الثقة الدولية بالسلطات الإماراتية باعتبار أنها لا تفصل بشكل مهني بين الموقف السياسي والإجراء الاقتصادي.
بالمقابل تابع بنك الدوحة العمل على خط فتح محادثات مع ممولين محتملين من خارج المنطقة بنفس الوقت الذي يعمل فيه على بيع جزء من حزمة استثماراته بالإمارات في سياق طبيعي لأي مؤسسة مالية تعرضت لهزة عنيفة نتيجة تحول مفاجئ في موقف ما. وأوضح خبراء ماليون في هذا الإطار أن تصريح الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة، عن محادثات يجريها البنك مع مقرضين دوليين وهي “محادثات طبيعية”. تلك المصادر أضافت أن “تخفيض التصنيف الائتماني لوكالات التقييم العالمية مثل فيتش وموديز وستاندرد آند بورز لا يتعلق بالأساسيات الاقتصادية، وإنما بالنظرة المستقبلية التي تعتمد كليا على مدى وجود اضطرابات جيوسياسية أم لا”، مؤكدة أن هذه الوكالات تعتبر مقاطعة بعض الدول المجاورة، “انكشافا على هذه المخاطر”، وبمجرد زوال السبب تنتفي العلة، أي أنه “بمجرد انتهاء المقاطعة ستعود التصنيفات إلى مستوياتها السابقة”.
حالة طوارئ
لكن كل هذا لا يعني بأن بنك الدوحة لن يتحمل أعباء إضافية نتيجة الأزمة. إذ ان عليه تحمل مزيد من التكلفة للحصول على تمويل لأن المقرضين أو المستثمرين مدركون جيداً للوضع الاستثنائي الذي يمر به بنك في هذه الفترة ولا بد أن يسعوا لاستغلال الأمر لتحقيق أكبر معدل فائدة لأنهم كما باقي المؤسسات الاقتصادية العالمية مدركون تماماً لأن هذه الضائقة التي يمر بها البنك ليست سوى مرحلة استثنائية وبأنه قادر على تخطيها بسهولة بفضل عدة عوامل مركبة لعل أبرزها وضعه المالي القوي جداً بشكل عام واستثماراته الناجحة إلى حد بعيد في الداخل القطري وخارج البلاد إضافة إلى شراكاته المهمة للغاية مع مؤسسات اقتصادية تعمل على مشاريع ضخمة وحيوية رابحة استراتيجياً في أكثر من منطقة بالعالم. وهذا بالطبع يعني أن بنك الدوحة كما عرف عنه مازال وسيبقى بيت الأقوياء.
اختبار صعب
لقد اثبت بنك الدوحة حتى الآن علو كعبه أمام مواجهة واقع مستجد لاختبار قدرته ومرونته في التكيف مع المستجدات لاسيما الطارئة منها كالأزمة الخليجية. إذا توجب عليه أن يعمل بنشاط وإبداع أكبر كي يخرج من الخانة “السلبية” إلى المستقرة ليعود مرة جديدة إلى دائرة النمو الإيجابي وذلك عبر عدة خيارات ربما يكون أهمها على الإطلاق التوجه نحو أسواق يكون أساس التعامل الثنائي معها على أساس المصلحة الاقتصادية والفائدة القصوى التي يمكن أن تتحقق للطرفين. وربما تكون خطوة توجه بنك الدوحة نحو الغرب إلى كندا ونحو الشرق واجتذاب رؤوس أموال استرالية “مغامرة” في المرحلة السابقة عملية “جراحية” إسعافية سريعة للوضع غير المريح الذي كان يمر به إلا أنها خطوة استراتيجية مهمة لأنه يمد بذلك جسراً مالياً مع دولتان من أهم شركاء قطر الدوليين على الإطلاق وفيهما جملة من الاستثمارات القطرية بالغة الأهمية ليس اقلها مشاريع شركة “حصاد” التي تؤمن من حقول ومواشي استراليا جزء كبيراً من احتياجات قطر في مجال الأمن الغذائي.
تسهيلات جاذبة
من جانب آخر، على بنك الدوحة، إضافة إلى ما قام به حتى الآن، أن يقدم حلولا مالية مبتكرة لجذب استثمارات ورؤوس أموال إقليمية مهمة مثل رؤوس الأموال الكويتية والعُمانية والعراقية والإيرانية وحتى التركية ليعوض بها الأموال السعودة والإماراتية، وذلك بأن يطرح حلول مصرفية لمؤسسات ومستثمري هذه الدول تكون مقنعة بالنسبة لهم للذهاب إلى الاستثمار بالبنوك القطرية وعبرها بدلاً من التوجه إلى سواها من خلال معطيات كثيرة ليس أقلها رفع معدل الفائدة وتقديم تسهيلات ائتمانية قوية.
قبل توجيهات مصرف قطر المركزي للبنوك بضرورة عدم انتظار مساعدة منه لمعالجة تداعيات النزوح المحتمل لكامل ودائع السعودية والإمارات، كان بنك الدوحة بالفعل قد خرج برؤية حل يمكن أن تكون مقدمة للانعتاق نهائياً من الارتباط بمؤسسات مالية سعودية وإماراتية والعلاقة معها التي ستبقى، حتى لو انتهت الأزمة، رهينة لقرار صناع السياسة في الرياض وأبوظبي. ولكن لماذا لا يتوجه مثلا بنك دوحة إلى السوق الإيرانية والعراقية التي تبدو فرصة كبيرة يتحقق فيها فائدة مضاعفة للطرفين فكلاهما لديه نفس الخصم ولو بنسبة متفاوتة وما تبحث عنه السوق الإيرانية والعراقية موجود لدى بنك الدوحة من واجهة اقتصادية نظيفة موثوقة عالمياً، فيما البنك يستثمر في سوقين من أهم السواق الإقليمية الصاعدة بالمنطقة، إيران سوق جد خصبة بعد سنوات طويلة من العقوبات الاقتصادية والحصار، والعراق كذلك بعد أن تخلص من العنف والإرهاب وعلى وشك دخول فترة الانتعاش الاقتصادي وإطلاق ورشة إعادة الإعمار.
حزمة بدائل
بنك الدوجة يعتبر أحد أهم الأمثلة الناجحة بامتياز بين بنوك قطر. لقد استطاع البنك حتى الآن أن يؤمن بدائل وافية عن رأس المال السعودي – الإماراتي سواء عبر عقود واتفاقيات تم توقيعها فعلاً مع عدد من الممولين والمستثمرين الأستراليين أو العقود المحتملة وهي كثيرة ليقول للمحاصرين نيابة عن كل بنوك قطر “خذوا ودائعكم وارحلوا”. إن إدارة البنك تقوم بجهود استثنائية بالفعل في ظل الظرف الاستثنائي الذي تعيشه المنطقة برمتها على وقع الأزمة الخليجية، لكن ما ميز عمل ونشاط بنك الدوحة على امتداد الفترة الماضية هو مسارعته لتفعيل “الخطة باء” والعمل فوراً على إيجاد بدائل تمويل حتى قبل سحب أي وديعة من البنك وهنا السر في قوة وحكمة النظام المالي القطري برمته، العمل دوماً وفق خطط مسبقة ووضع أسوأ السيناريوهات في الخطط المستقبلية والتجهيز على هذا الأساس بحيث يتم تفعيل خطة الطوارئ فور وقوع اي خلل. إلا أن هذا لا يعني الاستسلام للراحة والاكتفاء بما تم بذله، إذ أن أمام البنك مسيرة طويل من الجهود المتلاحقة ربما تستغرق منه العمل بنفس الهمة الحالية لفترة عام في القادم من الأيام، ربما، للعودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل صبيحة الخامس من يونيو / حزيران الماضي والانطلاق نحو آفاق أكثر رحابة وفائدة.