وكالات – بزنس كلاس:
كرت صحيفة «واشنطن بوست» أن «45 سعوديا من معتقلي فندق ريتز كارلتون ما يزالون رهن الاحتجاز»، مشيرة أن ولي العهد محمد بن سلمان «ربما يستعد لإطلاق سراح بعضهم لتهدئة الغضب الدولي بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي». ولفتت الصحيفة أن بن سلمان قال الشهر الماضي، في مقابلة مع وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية إن «8 رجال فقط مايزالون رهن الاحتجاز»، دون ذكر تفاصيل، مكتفيا بالقول «إنهم إلى جانب محاميهم يواجهون النظام الذي لدينا في السعودية».
وأضافت نقلا عن أشخاص «مطلعين» على ملف الاعتقالات إن العدد «أعلى من ذلك»، مشيرين أن «45 من معتقلي فندق الريتز بالرياض ما يزالون رهن الاحتجاز»، وذكرت الصحيفة أن أحد أولئك المحتجزين «ربما نال حريته»، الجمعة، عندما أطلقت السلطات السعودية سراح الأمير خالد بن طلال، (56 عاما) رجل الأعمال البارز.
الصحيفة الأمريكية نقلت عن نشطاء في حقوق الإنسان، ومحللين آخرين أن محمد بن سلمان «ربما يستعد للإفراج عن مزيد من الموقوفين للمساعدة في تهدئة الغضب الدولي»، على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده بإسطنبول. وقال يحيى عسيري، أحد الناشطين الذين يعيشون في المنفى الاختياري بلندن، «هم لايريدون أن يفعلوها، لكن هم تحت الضغط، وسيفعلونها لتخفيفه».
بدوره، قال الباحث في شؤون الشرق الأوسط، لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، آدم غوغل «أعتقد أن هذه محاولة لإظهار وحدة العائلة في وجه التدقيق». واعتبرت واشنطن بوست أن احتجاز ابن سلمان سعوديين أغنياء، العام الماضي، «ساعد في توطيد سيطرته على العديد من أكثر أفراد الدولة قوة، وحيد خصوما سياسيين محتملين داخل العائلة الملكية».
كما نقلت عن أحد المقربين من العائلة الملكية أن «الأمر يتعلق بالمال والقوة»، مضيفا أن «محمد بن سلمان يدرك أنه عندما تنتزع أموالهم، فإنك بذلك تنتزع قوتهم». ووفق شهادات من العائلة المالكة وأصدقاء، ومنظمات حقوقية، فإن «بعض محتجزي فندق كارلتون ممن واجهوا فترات طويلة من الاحتجاز وعقوبات أخرى، وافقوا على تسليم أموال مطلوبة منهم غالبا ما تعادل معظم صافي ثرواتهم».
كما تطرقت الصحيفة في مقالها للأمير تركي بن عبد الله (نجل الملك السابق)، وقالت إنه «ما زال محتجزا في مكان ما بالمملكة». وقالت إن تركي (47 عاما) سبق وشغل منصب أمير الرياض، لكنه «حاليا ضمن عدد غير معروف من السعوديين الأثرياء المحتجزين بعد عام كامل من صدمة تحويل محمد بن سلمان فندق ريتز كارلتون إلى سجن خمس نجوم لبعض من أبرز مواطني البلاد، في ما سماها حملة لمكافحة الفساد».
تراجع النفوذ
وفي اتجاه آخر، حول تراجع نفوذ بن سلمان في الشرق الأوسط، نشرت وكالة بلومبيرغ الأميركية مقالا تحليليا للكاتب بوبي غوش يقول فيه إن بقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يعد ضروريا، ويمكن الاستغناء عنه، وإن استقرار السعودية لا يعتمد عليه، مضيفا أنه يتسبب في عرقلة الجهود الرامية إلى احتواء إيران، وذلك من خلال الحرب التي تقودها الرياض على اليمن وبسبب الحصار الذي تفرضه على قطر، ويوضح الكاتب أن شن ابن سلمان الحرب على اليمن وحصاره قطر من شأنه التسبب في انقسام العالم العربي واستنزاف الموارد العسكرية والسياسية، وينسب إلى وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس تصريحه الشهر الماضي بأن تبعات جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول أدت إلى تقويض الاستقرار الإقليمي.
ويشير غوش إلى أن السعودية راهنت على دعم بعض الدول العربية في أعقاب جريمة قتل خاشقجي، مضيفا أن بعض المسؤولين أعلنوا سرًّا عن أملهم في أن تؤدي الإدانة الدولية لهذه الجريمة إلى كبح جماح سلطات ابن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد.
ويشير الكاتب إلى أنه تم إضعاف ابن سلمان في ظل الجدل الدائر بشأن جريمة قتل خاشقجي، غير أن قادة أقوياء في الشرق الأوسط مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يحاولون الضغط بهدوء على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل دعمه. ويضيف أن حجة نتنياهو والسيسي تتمثل في أنهما يريان وجود محمد بن سلمان ضروريا لاستقرار السعودية واحتواء إيران، وهو الهدف الأميركي الرئيسي في المنطقة.
دعم ابن سلمان
ويرى الكاتب أن هناك أسبابا تدفع الولايات المتحدة وآخرين إلى دعم ابن سلمان، خاصة إذا فتح تحقيقا بشأن جريمة قتل خاشقجي وبدأ بالإصلاح وأوقف الحرب على اليمن، لكن الاستقرار لا يعتبر واحدا من هذه الأهداف، موضحا أن الاستقرار في هذا السياق ما هو إلا ذريعة واهية تستخدم لدعم الطغاة الشرق أوسطيين على مدار عقود. ويشير إلى أن هذه الذريعة لم تُستخدم للدفاع عن حاكم سعودي، لأن العائلة المالكة بقيت تحكم السعودية الحديثة منذ العام 1932، وسط انتقال سلس للسلطة من حاكم إلى آخر. ويضيف أن السعودية نجت من كل أنواع الزلازل السياسية، حتى أنها تغلبت على تأثير الثورة الإيرانية التي انطلقت عام 1979 ونجت من الهجوم على المسجد الحرام في نفس العام.
ويفند الكاتب ذريعة السيسي المتمثلة في ضرورة دعم ابن سلمان بحجة استقرار السعودية، ويقول إن الأول يعتبر نفسه مدينا للمملكة في ظل دعمها للانقلاب الذي قادة لاستلام السلطة في مصر، مضيفا أن السيسي دعم مغامرات ابن سلمان في المنطقة مثل الحرب على اليمن وحصار قطر. ويشير إلى أن السعودية وإسرائيل تشعران بالتهديد من النفوذ الإيراني في المنطقة، غير أنه يقول إن هذا لا يبرر موقف نتنياهو في دعم ابن سلمان، لأن تحقيق الأهداف الإسرائيلية لا يعتمد على ولي العهد السعودي الحالي، فالخوف من إيران يعتبر مؤسسيا لا فرديا.
ويضيف الكاتب أن هناك سببا آخر يجعل إسرائيل لا تحتاج إلى ابن سلمان، موضحا أن نتنياهو تمكن من الالتقاء بمسؤولين في المنطقة وإنشاء علاقات لا تعتمد على الدعم الأميركي لولي العهد السعودي. ويختتم بالقول إنه ينبغي لإدارة ترامب عند اتخاذ قرار بدعم ابن سلمان أن تستمع لوزير دفاعها أكثر من استماعها للسيسي ونتنياهو، فلا استقرار السعودية ولا الدفع لاحتواء إيران يعتمد على ولي العهد السعودي.
حالة الاقتصاد
وبالانتقال إلى حالة الاقتصاد، والأوضاع التي تعيشها المملكة حاليا بسبب قضية مقتل خاشقجي، وعدم الثقة التي أكسبها بن سلمان لبلاده، ذكرت صحيفة أسبانية أن أزمة عميقة تعصف بالمملكة العربية السعودية، تتجلى في تراجع الاستثمارات الأجنبية مقارنة بالسنوات الماضية، وخاصة في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وذكر الكاتب دييجو هيرنز في تقرير له بصحيفة «بوبليكو» الإسبانية، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وضع صورته في الخارج وسلطته المطلقة في السعودية على المحك في ضوء المطالبة بتوضيح ملابسات الجريمة المعقدة والمثيرة للجدل والتي راح ضحيتها الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر الماضي.
وأضاف أن دبلوماسية الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتقلبة والغريبة مالت إلى إدانة هذه الجريمة، معتبرا أن مطالبة ترامب السعودية بضرورة تقديم جملة من التوضيحات بشأن القضية لم تكن من قبيل الصدفة، إذ تخفي وراءها الحرص على المصالح التجارية لصهر الرئيس المثير للجدل جاريد كوشنر وزوجته، ابنة الرئيس، إيفانكا ترامب. كما ينم اهتمام ترامب بهذه القضية عن حرصه على عدم تأثيرها على صفقة بيع المعدات العسكرية الأميركية التي وقّعها ترامب مع السعودية خلال أول زيارة رسمية له خارج البلاد والتي تقدر قيمتها بحوالي 110 مليارات دولار، الأمر الذي خلق عجزا في الخزينة السعودية يقدر بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي في دولة تتمتع بفوائض مالية كبيرة بفضل ثرواتها النفطية، على تعبيبر هيرنز.
الاستثمار الأجنبي
وتعليقا على المزاج الإصلاحي لمحمد بن سلمان، أورد الكاتب ما جاء في تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أكد أن نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية قد انخفضت بنسبة تجاوزت 80% بين عامي 2016 و2017، حيث تراجعت قيمتها من 7.5 مليون دولار إلى 1.4 مليون دولار فقط. وتتزامن هذه الفترة مع أول سنتين من إعلان بن سلمان عن خطته الإصلاحية «رؤية 2030».
وأبرز الكاتب أن محمد بن سلمان رسم خطة واضحة يهدف من خلالها إلى تغيير مسار أمة تأسست منذ سنة 1932، وتحرير نظامها الاقتصادي من اعتماده على النفط، كما أعلن عن عزمه إنشاء صندوق سيادي بأصول تتجاوز 2 تريليون دولار، وهو ما يمثل ضعف أصول النرويج، وهي أهم مستثمر في قطاع النفط في العالم.
غير أن هيرنز لفت إلى أن الشكوك باتت تعتري أصحاب رؤوس الأموال إزاء مشروع «رؤية 2030»، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ المستثمرون بالانسحاب من المشروع بطريقة غير متوقعة ولم يحسب بن سلمان حسابها، وهو ما أكدته كذلك العديد من البيانات الصادرة عن الأونكتاد حتى قبل أن تنفجر قضية خاشقجي، على حد تعبيره. وأبرز الكاتب مؤشرات تظهر أن السعودية أصبحت ذات مناخ غير ملائم للأعمال التجارية التي تطلّبها مشروع رؤية 2030.
مؤتمر دافوس
وأضاف أن مقتل خاشقجي دفع مجموعة كبيرة من رجال الأعمال والمستثمرين والسياسيين البارزين إلى الاعتذار عن المشاركة في مؤتمر دافوس الصحراء تنديدا بالجريمة. وقال إن من بين هؤلاء رؤساء تنفيذيون لعدد من المؤسسات، من بينها بنك جي بي مورغان تشيس وشركة فورد وشركة الإعلام الضخمة فياكوم وشركة ماستركارد وبلاك روك، كما غابت العديد من الشخصيات الهامة على غرار المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد.
ونقل الكاتب عن الخبير في الاقتصاد السعودي فيليب كورنيل قوله إن «الرياض تنقل الأصول والأموال إلى الخارج وهو ما أعاق الاستثمارات الأجنبية، التي يرى أصحابها أن الظروف الداخلية للبلاد غير ملائمة للاستثمار بسبب النزعة الاستبدادية لولي العهد وأسلوبه المتقلب في تنفيذ جدول أعماله الاقتصادي». وأفاد الكاتب بأن سحب الاستثمارات الأجنبية على خلفية قضية مقتل خاشقجي الشائكة يمكن أن يؤثر سلبا على الاقتصاد السعودي. في هذا الشأن، انخفض سعر البرميل الواحد من النفط من 80 دولارا إلى 75 دولارا.
تراجع العمالة
إلى ذلك، أظهرت بيانات رسمية صدرت، مغادرة 1.36 مليون موظف أجنبي من القطاع الخاص السعودي، من وظائفهم خلال 21 شهرا (منذ مطلع 2017)، حتى نهاية سبتمبر 2018، جاء ذلك، وفق مسح لـ «الأناضول»، استنادا على بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية (حكومية)، يسجل فيها جميع العاملين في القطاع الخاص من مواطنين وأجانب، ويعد تأمين العمالة الأجنبية، إلزاميا في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.
وتراجع عدد الموظفين الأجانب إلى 7.13 مليون فرد، بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، مقابل 8.49 مليون نهاية 2016. في المقابل، صعد عدد الموظفين السعوديين إلى 1.72 مليون مع نهاية الربع الثاني من العام الجاري، مقابل 1.68 مليون في 2016. وتعتمد السعودية وبقية دول الخليج، بشكل كبير على العمالة الأجنبية. يأتي ذلك، بالتزامن مع معاناة السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، جراء تراجع أسعار الخام، مصدر الدخل الرئيس للبلاد، عن مستوياته منتصف 2014.
يتزامن خسارة الموظفين الأجانب في السعودية لوظائفهم، مع تكثيف حكومة المملكة خلال العامين الماضيين من توطين العمالة المحلية في عديد القطاعات الاقتصادية. واشترطت الحكومة السعودية، عمالة محلية فقط في قطاعات عدة كالتأمين والاتصالات والمواصلات، مع بلوغ نسب بطالة المواطنين في المملكة 12.9 بالمائة.