يبحث الإنسان طوال حياته عن نصفه الآخر، النصف المكمّل للحياة بملذاتها ومسراتها وأتراحها.
وركوب قطار الحب أمنية يبغاها الجميع، والتاريخ يحكي لنا الكثير من قصص حب سياسيين ومشاهير عرفوا تلك المشاعر العاصفة.
ويمتلئ الأدب بقصص الحب، فروميو وجولييت؛ وعنتر وعبلة؛ وقيس وليلى ليسوا الوحيدين، هناك العشرات من القصص التي تمتلئ بها صفحات التاريخ.
لذا، نستعرض أشهر قصص الحب في التاريخ والأدب.
نابليون وجوزفين
قابل نابليون القائد العسكري والسياسي الفرنسي، الذي برز على الساحة خلال المراحل الأخيرة من الثورة الفرنسية والحروب المرتبطة بها في أوروبا، الأرملة “روز” التي تكبره بنحو 6 سنوات والأم لطفلين، عندما ذهب أحد أبنائها ليطلب من نابليون الاحتفاظ بسيف والده الذي أُعدم بعد عمليات الشغب.
وعندما عاد يحكي لأمه عن حسن تعامل نابليون له، قررت أن تدعوه إلى العشاء وتُقدِّم له الشكر. ومنذ تلك الزيارة، لم تنقطع لقاءاتهما. وبعد عدة لقاءات متتالية، تزوج نابليون بروز في عام 1796م، لتصبح أول إمبراطورة لفرنسا، وسماها جوزفين كما كان يحب مناداتها بدلاً من روز.
كانت العلاقة بين نابليون وجوزفين مضطربة منذ البداية، فبعد يومين فقط من زفافهما، غادر نابليون في إحدى حملاته العسكرية إلى إيطاليا، وسرعان ما بدأت جوزفين -التي بقيت في باريس- علاقة غرامية مع الملازم هيبوليت تشارلز، وقد غضب نابليون عندما اكتشف خيانة زوجته وأعرب عن ذلك بقوله: “لقد تحطمت سعادتى”، وسرعان ما بدأ علاقة غرامية مع زوجة أحد ضباطه.
لا مزيد بعد الآن من رسائل الحب لجوزفين، وهو الذي كتب لها 33 ألف رسالة.
انشغلت جوزفين بالحفلات وحياة الترف بباريس، ومن هنا بدأ حبها ونابليون يخفت ولم يعد كما كان، وعندما أصبح واضحاً أن جوزفين غير قادرة على إنجاب الأطفال رغم أنها أم لطفلين، قرر نابليون أن يطلقها، ويتزوج بعد ذلك بماري لويز من النمسا، وهي التي أنجبت له الوريث الذي طال انتظاره، ولكن على الرغم من خيانة جوزفين وطلاقه منها وزواجه بأخرى، يُقال إن آخر كلمات نابليون كانت: “فرنسا، الجيش وقائد الجيش، جوزفين”.
أورفيوس ويوريديس
اشتُهر أورفيوس، البطل الأسطوري الإغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد، بموسيقاه الجميلة التي سحرت الجميع، حتى الحجارة والحيوانات البرية، كانت تتبعه الحيوانات والأشجار والأحجار، وتتوقف الأنهار عن الجريان كي تستمع إليه، أمه كانت إلهة الغناء كاليوبي ووالده الإله أبوللو، وقد أهداه أبوللو قيثارة فكان يعزف عليها ويغني ألحاناً شجية ساحرة.
كما كان معروفاً بحبه العميق لزوجته يوريديس حورية الغاب الفاتنة، وقد عاش الاثنان -يوريديس وأورفيوس- قصة حب عميقة جداً. لم يكن أحدهما يستطيع العيش دون الآخر، وكانا سعيدين معاً ويقضيان وقتهما في الرقص فرحاً في المروج، وعندما تُوفّيت يوريديس بسبب لدغة ثعبان، قرر أورفيوس أن يذهب إلى العالم السفلي لإعادتها، مصطحباً معه موسيقاه.
عزف أورفيوس أغاني حزينة وغنّى بحزنٍ شديد، لدرجة أن جميع الحوريات والآلهة بكوا حزناً عليه، وعندما سافر إلى العالم السفلي كانت موسيقاه العذبة تخفف هاوية الجحيم. سمح له حاكم الجحيم بأخذ يوريدس لتعود معه، ولكن على شرط واحد: ألا ينظر أبداً إلى الوراء وإلى وجهها حتى يخرجوا من الجحيم، لكن للأسف عندما وصلوا إلى بوابات الجحيم، التفت أورفيوس إلى الوراء ليتأكد أن يوريديس تتبعه، وهكذا اختفت على الفور مرة أخرى في عالم الموتى!
باريس وهيلين
هيلين طروادة.. السبب الأساسي الذي قامت بسببه حرب طروادة، وهي أحد الأساطير اليونانية القديمة التي تجمع بين الحقيقة والخيال، تقول الأساطير اليونانية إن هيلين والحب الذي جمع بينها وبين باريس كانا السبب في سقوط طروادة.
تبدأ القصة في طروادة، حيث وقع الاختيار على الأمير باريس ليقرر أي الآلهة الثلاثة (هيرا، وأثينا وأفروديت) هي الأجمل، اختار أفروديت لأنها وعدت في المقابل بمنحه أجمل امرأة في العالم، وكانت أجمل امرأة هي هيلين زوجة الملك منيلاوس -ملك أسبرطة. وبعد سنوات قليلة، ذهب باريس إلى أسبرطة وهناك قابل هيلين في عيد الربة أفروديت فأحب كل منهما الآخر، وتقابلا بعد ذلك في المعبد.
ومن هنا، استطاعا أن يهربا معاً عبر إحدى سفن طروادة، ليُطلق بهذا شرارة حرب طروادة، بقيادة شقيق الزوج (أجاممنون) ملك أرجوس، انطلقت جيوش اليونان لطروادة، ووقعت الحرب التي تغنَّي هوميروس الشاعر اليوناني بها.
حاصر اليونانيون المدينة 10 أعوام، ولم يدخلوا طروادة إلا بالحيلة؛ وهي الحصان الخشبي الذي اشتُهر باسم حصان طروادة، فقد صنعه اليونانيون ووضعوه خارج أسوار طروادة. واختبأ أوديسيوس والمحاربون الآخرون داخل الحصان، بينما أبحر بقية الجيش الإغريقي بعيداً، وبعدها جر الطرواديون الحصان إلى داخل مدينتهم.
وفي تلك الليلة غلبهم النعاس وناموا بعد الاحتفال بانتصارهم الظاهري، عندها استطاع أوديسيوس وزملاؤه التسلل من الحصان وفتح أبواب المدينة لبقية المحاربين الذين عادوا من جزيرة قريبة، ليصاب باريس بجروحٍ قاتلة خلال سقوط طروادة التي أحرقها اليونانيون، وعادت هيلين مع اليونانيين لزوجها في أسبرطة نادمة على ما تسببت فيه لبلادها.
كليوباترا ومارك أنطونيو
بدأ الحب بين كليوباترا السابعة آخر حكام البطالمة في مصر وأنطونيو القائد العسكري الروماني عام 41 ق. م، بخطواتٍ مضطربة وصولاً إلى نهايتهما المأساوية. وتعد قصة أنطونيو وكليوباترا واحدة من قصص الحب التي لا تُنسى، فالعلاقة بين أنطونيو وكليوباترا وضعت مصر في موقف قوي.
أصبح أنطونيو حليفاً لكليوباترا بدلاً من أن يضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية أقوى الإمبراطوريات في ذلك الوقت، وبذلك أغضبت تلك العلاقة الرومان الذين كانوا قَلِقين من القوة المتزايدة للمصريين ضدهم، واستمرت مع ذلك علاقة أنطونيو وكليوباترا على الرغم من كل التهديدات التي تعرضا لها.
وبعد 13 عاماً، خاضا معركتهما الأخيرة الحاسمة مع الرومان، معركة أكتيوم البحرية بين جيوش أوكتافيوس وجيوش كليوباترا ومارك أنطونيو لتحرير مصر من سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وتلقّى أنطونيو خلال المعركة أخباراً كاذبة بوفاة كليوباترا، وقد حطّمه ذلك فطعن نفسه بسيفه، وعندما علمت كليوباترا بوفاة أنطونيو، صُدمت صدمة بالغة، وقتلت نفسها بترك ثعبان سام يلدغها، وتُوفيت بهدوء وأناقة، وهي تتخيل كيف ستلتقي أنطونيو في الحياة الأخرى.
ويُقال إن كليوباترا ومارك أنطونيو دُفنا معاً، ولكن موقع القبر لا يزال لغزاً.
لانسيلوت وغوينيفير
قصة لانسيلوت وغوينفير هي جزء من أسطورة الملك آرثر، وهو قائد بريطاني عاش في أواخر القرن الخامس الميلادي حتى بداية القرن السادس الميلادي وقاتل ضد الغزاة الساكسون، ويُعتقد أنها قد تكون مستوحاة من أسطورة (تريستان وإيزولده) (وهي قصة حب في العصور الوسطى، بين الفارس البريطاني تريستان وابنة ملك إيرلندا إيزولد الجميلة).
كان لانسيلوت وغوينيفير عاشقيْن، على الرغم من أن غوينفير كانت زوجة الملك آرثر، ولم يكن لدى الملك أية فكرة عن الحب بين زوجته وفارسه الأول، لكنه عرف في نهاية المطاف بخيانة زوجته ولانسلوت أكثر فرسانه ولاءً.
انقسم حينها فرسان المائدة المستديرة -التي كان الأمراء يجتمعون فيها- إلى مجموعتين، واحدة تدعم آرثر والأخرى تدعم لانسلوت، وبعد عدة معارك ضارية بين الرجلين، عادت غوينيفير إلى الملك آرثر. ولكن الساحر ميرلين دمّر المائدة المستديرة تحدياً لآرثر، وتمكن الملك آرثر الأسطوري من قتل غريمه ميرلين في النهاية، لكنه أُصيب بجروح قاتلة أدت إلى وفاته.
انهارت غوينيفير؛ لكونها المسؤولة عن تدمير المائدة المستديرة ودخلت الدير بعد موت آرثر عام 537م، بينما دخل لانسلوت صومعة وأصبح راهباً في نهاية المطاف، فقد قررا قضاء بقية حياتهما في التوبة.
إليزابيث بينيت ومستر دارسي
جسّدت جين أوستن اثنين من سمات الطبيعة البشرية في روايتها الرائعة “كبرياء وتحامل” متمثلتين في دارسي وإليزابيث، حيث يأتي دارسي من قمة الهرم الاجتماعي، بينما إليزابيث هي الابنة الثانية لعائلة بسيطة ومتواضعة، كان لدى أمها السيدة بينيت 5 بنات ولم يكن هناك أي وسيلة للتعليم المدرسي فتعلّمن بالمنزل، وكانت حياة الأم تتمحور حول محاولة تزويج بناتها برجالٍ أثرياء.
يلتقي دارسي إليزابيث في إحدى الحفلات الراقصة، دارسى دائماً ما كان يسيء الظن بالآخرين، ولكن المقربين منه فقط هم من يعرفونه جيداً. مع تطور أحداث الرواية، سيضطر كل من دارسى، وإليزابيث إلى أن يكون بعضهما في صحبة بعض طويلاً.
نتج عن هذا أن كلاً منهما صار يرى الآخر من وجهة نظر مختلفة، هنا يقع دارسي في حب إليزابيث، لكنها رفضته في البداية؛ إذ لم تكن تُطيق غروره وتعجْرفه ونظرته لعائلتها، كما أنها كانت تسيء فهمه دائماً، ولا تدرك إلا فيما بعدُ مدى تحاملها عليه.
بينما يدرك دارسي مدى الخطأ في طريقة تعامله المتعجرفة والمتكبرة لإليزابيث رغم أنها تخفي حباً عميقاً وراءها، أحبت إليزابيث دارسي وعشقت طيبته، وأدركت أنها لا يمكن أن تحب أحداً غيره.
ماري كوري وبيير كوري
هذه قصة عن شركاء في الحب والعلم. لم تتمكن ماري سكلودوفسكا كوري من مواصلة دراستها، والعمل في بولندا؛ لأن جامعاتها في ذلك الوقت لم تكن تعترف بالنساء، فسافرت إلى باريس في عام 1891 للدراسة بجامعة السوربون، وهناك تعرفت إلى الطالب الكادح بيير كوري، مدير أحد المختبرات حيث عملت ماري معه في مختبره.
سعى كوري بحماسة لكسب حب ماري، وتقدّم عدة مرات طالباً منها الزواج، إلى أن تزوجا أخيراً في عام 1895، وبدأت شراكتهما الشهيرة، من اكتشافهما الراديوم والبولونيوم، إلى معرفة ظاهرة “الإشعاع الذري”، حتى حصولهما معاً مناصفة على جائزة نوبل عام 1903.
شاه جهان وممتاز محل
تاج محل
قد يكون اسماهما غير مألوفين لمعظم الناس في الغرب، لكن حبهما أنتج النصب الذي يشتهر في جميع أنحاء العالم بكونه إحدى عجائب الدنيا السبع (تاج محل)، النصب الرائع الذي يقع في قلب الهند.
كان الإمبراطور شاه جهان المغولي قد تزوج بالفارسية ممتاز محل، ورغم أنها كانت الزوجة الثالثة فإنها كانت المفضلة والمحببة والوحيدة المتربعة على عرش قلب الأمير، وكان يصطحبها معه دوماً في حروبه وغزواته ويجعلها موضع سره وثقته وقد أنجب منها 14 طفلاً، حتى تُوفيت ممتاز في أثناء ولادة طفلهما الرابع عشر، انهار شاه جهان بعد وفاة زوجته وسقط في الحزن العميق الذي بدأ يؤثر عليه عاطفياً وجسدياً. ولكن حزنه ألهمه بناء واحد من أعظم الروائع المعمارية في العالم ليكون بمثابة مثواه الأخير مع زوجته الحبيبة.
بعد فترة وجيزة من الانتهاء من تاج محل، سقط شاه جهان مريضاً وأطاح به ابنه الثالث أورنكزيب الذي قتل أخاه الأكبر بينما نجا الابن الثاني والرابع، وأمضى بقية حياته في الإقامة الجبرية إلى أن مات ودُفن بجوار زوجته.
تقول الأسطورة إنه كان يعتزم بناء نسخة طبق الأصل من تاج محل من الرخام الأسود على الضفة المقابلة من نهر يامونا.
بوكاهونتاس وجون سميث
هذه القصة تعد أسطورة شهيرة في تاريخ أميركا، وكانت بوكاهونتاس أميرة هندية وابنة بووهان زعيم قبيلة الغونغي الهندية القوية في منطقة فرجينيا، رأت بوكاهونتاس للمرة الأولى في حياتها الإنكليز في مايو/ أيار عام 1607.
وفي هذا اليوم، رأت لأول مرة جون سميث، الذي تم أخذه إلى المقر الرسمي للزعيم، حيث تعرض للتعذيب، وهنا قامت بوكاهونتاس بإنقاذ حياته من بين أيدي الهنود، وساعد هذا الحادث بوكاهونتاس وسميث على إقامة علاقة صداقة وحب قوية فيما بينهما، لكن سميث أصيب فيما بعد في حادث إطلاق نار، فقرر العودة إلى إنكلترا.
أخبر أحدهم بوكاهانتس بأن سميث قد قُتل، لكنها لم تصدق الأمر وخرجت للبحث عنه في كل مكان، وفي أثناء ذلك احتجزها الإنكليز رهينة لديهم مقابل الإفراج عن بعض الجنود الإنكليز الأسرى لدى والدها، وأخذوها معهم إلى لندن، فواصلت بحثها عن جون سميث حتى التقته وتزوجته وبقيت بصحبته في إنكلترا.
قيس وليلى
وأخيراً، لا ننسى العاشقين الأشهر، ليلى، ومجنون ليلى، أو قيس ليلى، الثنائي الذين صارا مضرب الأمثال عند الحديث عن الحب أو الزواج، وعشاق العصر الأموي الأكثر رومانسية، الذين ماتا بسبب حبهما، وبقيت قصتهما على قيد الحياة حتى اليوم.
إنها قصة مأساوية عن الحب الذي لا يموت، هذا النوع من الحب معروف باسم “الحب البتول أو الحب الأفلاطوني”؛ لأن العاشقيْن لا يتمكنان من الزواج أبداً.
نشأ قيس وليلى معاً ونما حبهما، واتُّهِم قيس بأن أشعاره التي يغنيها تضر بسمعة ليلى وبسبب ذلك منعت قبيلة ليلى زواجهما؛ إذ كانت العادات العربية تأبى تزويج من ذاع صيتهما بالحب.
وتشبب قيس بليلى (أي تغزل بها في شعره) فأُجبرت على الزواج برجلٍ آخر، فهام قيس على نفسه بين سفوح جبل التوباد موطن حبه وليلى في بني عامر، أما ليلى فغرقت في أحزانها لفراقه، حتى سبقته إلى القبر، وعندما وصل لقيس خبر وفاة ليلى، ذهب لديارها فعزى أهلها وعزوه، ثم ذهب لقبرها وألقى بنفسه عليه منشداً:
أيا قبر ليلى لو شهدناك أعولت
عَلَيْكَ نِساءٌ مِنْ فَصيحٍ ومِنْ عَجَمْ
ويا قبرَ ليلى أكْرِمَنَّ مَحَلَّهَا
يَكُنْ لكَ ما عِشْنَا عَلَيْنَا بها نِعَمْ
ويا قبرَ ليلى إنَّ لَيْلَى غريبَة
بأرضك لا خل لديها ولا ابن عم
ويا قبر ليلى ما تضمنت قبلها
شَبِيهاً لِلَيْلَى ذا عَفافٍ وذا كَرَمْ
ولم يطُل بقيس الزمان حتى لحق بليلى.