
أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الخميس، اتهامه لتايوان بأنها انتزعت أعمال الرقائق الإلكترونية من الولايات المتحدة، وأن أميركا تريد استعادتها. وهو نفسه الاتهام الذي وجهه لها عندما كان مرشحاً لانتخابات الرئاسة في يوليو/ تموز، وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين.
ورغم عدم وجود الكثير من الشواهد التي تدعم اتهام ترامب لتايوان، فإن البلد الآسيوي يعد أحد اللاعبين الرئيسيين في صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية على مستوى العالم، ويعتمد عليه العالم بشكل كبير في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة.
ورغم هذه الاتهامات الأميركية في ظل مواجهة تلك الصناعية في تايوان مخاوف الصراع مع الصين والولايات المتحدة، فإن البعض يرى في هيمنة البلد، التي تملك أكبر مصنع لأشباه الموصلات في العالم، على هذا المجال تساعد الولايات المتحدة وتتوافق مع مصالحها.
يعود تاريخ صناعة أشباه الموصلات في تايوان إلى السبعينيات من القرن الماضي عندما وقع الاختيار على شركة RCA الأميركية لتوفير تقنية C-MOS والتي تتناسب مع الإلكترونيات الاستهلاكية مثل الساعات الرقمية وتم تأسيس مصنع نموذجي داخل معهد الأبحاث الصناعية التايواني، بحسب مجلة Taiwan Insight الصادرة عن مركز أبحاث تايوان ومقره جامعة نوتنغهام.
في عام 1980، تم تأسيس شركة United Microelectronics Corporation (UMC) بدعم من الحكومة التايوانية والقطاع الخاص، مما أسهم في دفع قطاع أشباه الموصلات التايواني نحو العالمية.
وساهم مشروع RCA في ترسيخ قدرات التصنيع المحلي في تايوان، رغم أن التقنية المنقولة لم تكن الأحدث آنذاك. وشجع المشروع على تبادل المعرفة والتعاون التكنولوجي بين تايوان والولايات المتحدة، ما ساهم في بناء منظومة متكاملة لتصنيع أشباه الموصلات محليًا.
تأسيس شركة TSMC
بعد مفاوضات، أقنع معهد الأبحاث الصناعية التايواني شركة Philips باستثمار 27.5% نقداً في شركة جديدة، مما شجع المستثمرين المحليين على المشاركة، لتتأسس شركة Taiwan Semiconductor Manufacturing Corporation (TSMC) في العام 1987، والتي أصبحت لاحقاً ركيزة عالمية في صناعة أشباه الموصلات.
وتطور المشهد في هذا المجال في تايوان خلال حقبة الثمانينيات وظهرت العديد من الشركات الجديدة. وبحلول العام 1988، انتقل معظم أعضاء “المصنع النموذجي” المتبقين للعمل في شركات أشباه موصلات ناشئة، مثل شركة Winbond Electronics، مما عكس اتجاهاً أوسع لانطلاق الشركات المستوحاة من نجاح تجربة معهد الأبحاث الصناعية في تايوان.
نمت صناعة أشباه الموصلات بشكل ملحوظ، ويرجع ذلك جزئياً إلى تشجيع TSMC لمصممي الدوائر المتكاملة بدون مصانع (fabless design houses). كما ظهرت خلال هذه الفترة شركات متخصصة في خدمات الفحص والتغليف الاحترافية. وشمل هذا النمو أيضاً خدمات داعمة متنوعة ضمن صناعة أشباه الموصلات، مما أبرز أن قوة هذا القطاع في تايوان تكمن في وجود تجمع صناعي واسع النطاق يدعم التطورات التكنولوجية في القطاع.
أهمية تايوان في قطاع أشباه الموصلات
برزت تايوان كواحدة من رواد صناعة أشباه الموصلات العالمية، والتي أطلق عليها لقب “جزيرة السيليكون”. في العام 2021، استحوذت تايوان على ما يقدر بنحو 10% من إجمالي قيمة صناعة أشباه الموصلات العالمية. كما شكلت ما يقرب من 21% من قدرة تصنيع أشباه الموصلات العالمية، بما في ذلك 92% من قدرة التصنيع للرقائق الأكثر تقدماً، بحسب ورقة بحثية للجنة التجارة الدولية الأميركية في فبراير/ شباط 2024.
وحققت تايوان هذا الدور البارز في المقام الأول من خلال مصانعها – التي تقدم خدمات التصنيع التعاقدية لشركات أخرى. وتعد تايوان موطناً لأربعة من أكبر عشر مصانع في العالم في مجال أشباه الموصلات، بما في ذلك شركة TSMC، أكبر مصنع في العالم، والتي تعد ومورداً رئيسياً لشركتي آبل Apple وإنفيديا Nvidia.
وتقول شركة TSMC في إنها قدمت خدماتها خلال العام 2024 لـ 522 عميلاَ وصنعت 11878 منتجاً لتطبيقات متنوعة تضمنت الحوسبة عالية الأداء، والهواتف الذكية، وإنترنت الأشياء (IoT)، والسيارات، والإلكترونيات الاستهلاكية الرقمية.
وبلغت الطاقة الإنتاجية السنوية للمصانع التي تديرها TSMC وشركاتها التابعة أكثر من 16 مليون رقاقة مكافئة بحجم 12 بوصة في العام 2024، بحسب الشركة التي تمتلك وشركاتها تسعة مصانع في تايوان، ومصنعين في الصين، وآخرين في الولايات المتحدة، ومصنع في اليابان.
سجلت TSMC أرباحاً قياسية للربع الرابع من العام 2024، بارتفاع نسبته 57% في صافي الدخل ليصل إلى 374.68 مليار دولار تايواني (11.4 مليار دولار أميركي). وتوافقت هذه النتائج مع التوقعات، حيث ارتفعت الإيرادات بنسبة 39% مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2023.
وتتوقع الشركة استمرار نمو الإيرادات في الربع الحالي بنسبة تصل إلى حوالي 37%، لتتراوح بين 25 و25.8 مليار دولار. أما بالنسبة لعام 2025 بالكامل، فتتوقع الشركة أن يكون نمو الإيرادات بين 20% و30%.
واكتسبت شركات التصنيع التايوانية مثل TSMC أرضية من خلال التركيز على البحث والتطوير والكفاءة الشديدة، وتمكنت من وضع عدد أكبر من الترانزستورات على رقائق أصغر حجماً من منافسيها، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
يتمتع العمال التايوانيون بمستوى عالٍ من التعليم، كما تتمتع وظائف أشباه الموصلات بأجور عالية في مجتمع الرواتب فيه منخفضة مقارنة بتكلفة المعيشة. وبالنسبة للشخص التايواني، يعتبر العمل في TSMC أو ما شابه ذلك وظيفة مرموقة ذات مستقبل مشرق.
ومن المتوقع أن تنفق تايوان 75 مليار دولار على معدات تصنيع أشباه الموصلات خلال الفترة من 2025 إلى 2027، وهو ما يعد أقل من الصين بقيمة إنفاق متوقعة 100 مليار دولار، ومن كوريا الجنوبية بقيمة إنفاق متوقعة 81 مليار دولار، بحسب تقرير لرابطة صناعة أشباه الموصلات العالمية في سبتمبر/ أيلول.
من الصعب استبدالها؟
يرى مسؤولون تايوانيون أنه من الصعب استبدال تجربة تايوان بمجال صناعة أشباه الموصلات بدول أخرى، وقال نائب وزير العلوم والتكنولوجيا التايواني، في يوليو/ تموز الماضي، إن تايوان أمضت بين 30 و40 عاماً في تنمية صناعتها، لذلك سيكون من “المستحيل استبدالها، ومن الصعب نسخها”.
وبحسب الغارديان، سعت دول أخرى إلى اللحاق بالركب، لكن التقارير تشير إلى أن الفجوة تتسع بالفعل. أثارت هيمنة تايوان على مكون يغذي العالم حرفياً بعض المخاوف بشأن هشاشة سلاسل التوريد العالمية، خاصة إذا أمر قادة الصين يوماً ما بهجوم على جارتهم.
وأدت أزمة سلسلة التوريد ونقص الرقائق خلال فترة وباء كوفيد 19 خلال العامين 2020 و2021 إلى التأثير على التجارة العالمية، حيث تسبب إغلاق المصانع في نقص عالمي في الرقائق مما أدى إلى تأخير التصنيع، وارتفاع أسعار السيارات والمنتجات الأخرى.
وبعد هذه الأزمة، تحاول بلدان أخرى تنويع مصادرها ـ في المقام الأول من خلال الشركات التايوانية التي تنشئ مصانع جديدة للرقائق في الخارج. لكنها لا تحقق نجاحاً كبيراً.
وبفضل الحوافز التي تقدمها الولايات المتحدة، انتقل بعض إنتاج تايوان إلى هناك. وتنفق شركة TSMC مليارات الدولارات لبناء مصانع جديدة في الخارج، بما في ذلك 65 مليار دولار لبناء ثلاثة مصانع في ولاية أريزونا الأميركية أحدها يعمل بالفعل.
لكن التقارير الواردة من داخل فرع الشركة في أريزونا كشفت عن تحديات في تكرار نموذج تايوان، لأسباب متنوعة مثل اختلاف النهج في التعامل مع حقوق العمال، والمتطلبات المفروضة على العمال.
وبينما أكد مسؤولون تايوانيون على العلاقة القوية بين الولايات المتحدة وتايوان والتعاون الدولي الواسع في قطاع الرقائق (مع وجود العديد من شركات الرقائق الأجنبية في تايوان)، أشار هؤلاء المسؤولون إلى أنهم ينوون الاحتفاظ بالبحث والتطوير على أرض الوطن، والحفاظ على تفوق الصناعة.
علاقة تكامل
تتوافق هيمنة تايوان على تصنيع الرقائق مع مصالح الولايات المتحدة وتدعمها، نظراً لقوتهما التكاملية: إذ تتفوق تايوان في قطاع التصنيع، في حين تتصدر الشركات الأميركية مجال تصميم الرقائق، بحسب تقرير سابق لمجلة The Diplomat التي تركز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وأشار التقرير إلى أن هذا التعاون يساعد في تعزيز الكفاءة والابتكار، كما يتضح من الشراكة بين شركة Nvidia، الأميركية المتخصصة في تصميم الرقائق ووحدات معالجة الرسومات عالية الجودة، وشركة TSMC الرائدة في مجال تصنيع أشباه الموصلات.
وتعمل شركة TSMC كأكبر شريك إنتاج، إن لم يكن الوحيد، لوحدات معالجة الرسومات الخاصة بالذكاء الاصطناعي من Nvidia. وتصنع الشركة التايوانية رقائق Blackwell التابعة لـ Nvidia، والتي تشهد طلباً كبيراً من العملاء المشاركين في الذكاء الاصطناعي التوليدي والحوسبة المتسارعة للشرائح.
تهدد شركات صينية، تشمل Hua Hong وSMIC، الهيمنة التي استمرت لفترة طويلة لشركات Powerchip وUMC وVanguard International التايوانية، وتعمل تلك الشركات على زيادة حصتها في سوق الرقائق التقليدية المستخدمة في السيارات وشاشات العرض من خلال خفض الأسعار والشروع في خطط توسعة الطاقة الإنتاجية بشكل متسارع، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز هذا الأسبوع.
وقال مسؤولون تنفيذيون بصناعة الرقائق في تايوان إن مصانع الرقائق الصينية، التي منعتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من السعي للحصول على تكنولوجيا الرقائق المتطورة، ضاعفت جهودها في إنتاج الرقائق التقليدية، ونجحت في خفض أسعارها مقارنة بمنافسيها التايوانيين بسبب الدعم المالي القوي من بكين وتبنيها للهوامش المنخفضة.
ووفقًا لـ TrendForce، في العام 2024، بلغت حصة الصين من سوق تصنيع الرقائق التقليدية العالمية 34%، بينما بلغت حصة تايوان 43%.
وبحلول العام 2027، من المتوقع أن تتجاوز الصين حصة تايوان، في حين من المتوقع أن تنخفض حصة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، اللتين تبلغ حصتهما أقل من 10%.
وتتوقع SEMI الاستشارية أن يكون 57 من 97 مصنعاً جديداً لأشباه الموصلات، تبدأ الإنتاج في الفترة من 2023 إلى 2025، في الصين.