بعد مرور قرابة 3 أسابيع على شروع دول خليجية بفرض حصار بري وبحري وآخر جوي على دولة قطر، يبرز العنصر الأساسي الأخير ضمن مجموعة الأهداف التي ترمي من خلالها تلك البلدان للحد من النجاحات التي تمكنت الدوحة من تحقيقها طيلة العقدين الأخيرين.
ويظهر جلياً من بين النوايا المضمرة لبعض دول الحصار، ذلك المتعلق بالنشاط الجوي لـ «الخطوط الجوية القطرية»، فالأخيرة ذات العشرين ربيعاً، تمكنت خلال العشرين عاماً الأخيرة من قض مضاجع منافساتها الإقليميات، وتحديداً «طيران الإمارات» التابعة لإمارة دبي، وطيران «الاتحاد» المنتمية للعاصمة الإماراتية، إذ لم تفلح أي منهما في تجاوز مكانة الناقلة الوطنية التي حافظت قبل أيام على مكانتها كأفضل شركة طيران بالعالم وذلك للمرة الرابعة.
وفيما باتت «الخطوط الجوية القطرية» صاحبة العلامة العالمية الفارقة في ربط مشارق الأرض بمغاربها انطلاقاً من الدوحة، فإن هذا النجاح -الآخذ بالتسارع استناداً لجودة ورقي الخدمات المقدمة من قبلها- لم يكن ليرضي أولئك المنافسين المتربصين بها والساعين للنيل من منجزاتها.
وخلال السنوات القليلة الماضية، باتت الدوحة بمثابة حجر الرحى لربط 3 قارات ببعضها البعض، انطلاقاً من القدرة الاستيعابية لمطار حمد الدولي، التي تصل لنحو 38 مليون مسافر سنوياً، واستناداً للموقع الجغرافي للعاصمة القطرية الذي مكنها من إيصال المسافرين لمقاصدهم النهائية بأقصر وقت ممكن، دون الإخلال برؤيتها المتمثلة في منحهم أفضل تجربة للسفر، وبموجب ذلك، أصبح جزء مهم من مهام مطارات دبي وأبوظبي هو نقل المسافرين الآسيويين والأفارقة للدوحة، لتكون الأخيرة هي منطلقهم نحو وجهتهم النهائية، فيما تعد العاصمة القطرية أفضل حلقة وصل بين المملكة المتحدة مثلاً وكل من أستراليا ونيوزلندا.
لكن تلك المؤامرات التي حيكت في الإمارات العربية المتحدة تحديداً، لم تنل من عزيمة «الخطوط الجوية القطرية» التي تعمل وفقاً لتشريعات دولية تنظم مسارات وخطوط الطيران، وفي هذا الصدد، قرر مجلس المنظمة الدولية للطيران المدني «إيكاو» تمديد فترة انعقاده، وذلك لدراسة ملف دولة قطر حول الآثار التي سببها حصار الدول الخليجية الثلاث على مجال الطيران والأمن والسلامة الجوية، حيث سيصار إلى عقد جلسة استماع بتاريخ 30 يونيو بخصوص ملف دولة قطر الذي قدمته للمنظمة الدولية، فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها دول الحصار، والتي من شأنها أن تؤدي إلى أضرار على السلامة الجوية.
يأتي ذلك، فيما تعامل مطار حمد الدولي منذ بداية العام الحالي مع 19 مليون مسافر، بنمو نسبته 8 % مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، وهو أعلى عدد يسجله المرفأ الجوي على الإطلاق.
لماذا الآن؟
سؤال يتبادر للأذهان، لماذا أثيرت زوبعة منع «الخطوط الجوية القطرية» من وصول المطارات الإماراتية، ومنع أبوظبي ودبي طائراتها من بلوغ الدوحة، والإجابة على ذلك تقتضي التنويه ببعض النقاط من قبيل الذكر لا الحصر.
* لحقت هذه الخطوة مع إعلان «طيران الإمارات» -منتصف مايو الماضي- عن انخفاض أرباحها بنسبة قياسية بلغت 70 % في السنة المالية 2016، محققة ربحاً صافياً قيمته 2.5 مليار درهم إماراتي -670 مليون دولار أميركي-، في أول انخفاض من نوعه منذ 7 سنوات.
* فقدان ذات الناقلة 19 % من أرصدتها النقدية مقارنة بالعام السابق، وصولاً إلى 5.2 مليارات دولار، الأمر الذي منعها من توزيع أية أرباح إلى مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية خلال عامي 2016-2017.
* زيادة التكاليف التشغيلية لطيران «الإمارات» خلال العام الأخير بنسبة 8 % مقارنة مع السنة المالية 2015-2016.
* في نفس يوم فرض الحصار على دولة قطر، أعلنت شركة «طيران الاتحاد» التابعة لأبوظبي عن انعدام الأفق في علاقتها مع شركة «إير برلين» المتعثرة، كما جاء يوم 5 يونيو، إذ جاء ذلك التصريح في أعقاب إعلان الشركة الألمانية عن تسجيل خسائر قدرها 782 مليون يورو، لتشكل مصيبة كبيرة في الربع الأول من عام 2017، بسبب تكاليف إعادة إعمار وتكاليف الطيران.
* في مطلع يونيو الحالي أيضاً، علقت «الاتحاد للطيران» مفاوضاتها مع مجموعة «توي» الألمانية لتأسيس شركة طيران مشتركة، وذلك بعد أشهر من اتفاق «توي» و»إير برلين» و»الاتحاد»، على خطط لإنشاء شركة جديدة، من خلال دمج شركة «توي فلاي» مع شركة «نِكي» في النمسا، المملوكة لشركة «إير برلين»، كخطوة أساسية لإصلاح الأخيرة ووقف نزيف خسائرها.
وقالت الشركة الإماراتية آنذاك، إن القرار جاء بعد أشهر من المفاوضات، لم تتمكن خلالها الأطراف المتفاوضة من التوصل إلى اتفاق حول الطابع النهائي لمثل هذا المشروع المشترك.
جميع المؤشرات المذكورة جاءت قبل أيام من الحديث عن فرض الحصار على تحركات «الخطوط الجوية القطرية»، التي كانت الأنباء القادمة من طرفها مغايرة تماماً عن تلك التي حملت في طياتها خسائر وتراجع أرباح الشركتين الإماراتيتين.
* ففي التاسع من يونيو الحالي، قالت «الخطوط الجوية القطرية» إن أرباحها السنوية المنتهية في مارس 2017، زادت مقارنة بالفترة ذاتها عن السنة الماضية بواقع 21.7 %، كما نمت الإيرادات بنحو 10.4 %.
وارتفع صافي أرباح الشركة إلى 1.97 مليار ريال -541 مليون دولار- من 1.62 مليار في العام السابق، بفضل زيادة في الإيرادات نسبتها 10.4 % إلى 38.9 مليار ريال.
وجاء في التقرير السنوي للناقلة أنها وسّعت شبكة وجهاتها في العام المالي الماضي، في حين بلغت نسبة النمو في المقاعد المتوفرة لكل كيلومتر 21.9 % لتصل إلى 185,208 مليون خلال نفس الفترة. وخلال العام المالي 2017، قامت «القطرية» باستثمارات وشراكات ضخمة، حيث دشّنت 10 وجهات جديدة، وأعلنت عن تحديث مجموعة من المنتجات على متن طائراتها، وزادت عدد الطائرات في أسطولها إلى 196 طائرة.
الجوائز
لم تتمكن كل من «طيران الإمارات» و»الاتحاد للطيران» من منافسة «الخطوط الجوية القطرية» على اعتلاء عرش أفضل خطوط الطيران بالعالم.
فقبل أيام قليلة، حظيت الناقلة الوطنية -وللمرة الرابعة على التوالي- بتلك المكانة الأولى بين منافساتها في العالم، فيما جاءت كل من «الإماراتية» و»الاتحاد» بالمركزين الرابع والثامن على التوالي، وذلك في حفل جوائز سكاي تراكس العالمية لشركات الطيران 2017، الذي أقيم خلال معرض باريس الجوي.
السعودية
تعرضت شركتا الطيران الإماراتيتين لخسائر جسيمة على الصعيدين المعنوي والمالي في الآونة الأخيرة ناتجة عن:
* إقدام الصين على معاقبة «طيران الإمارات» نتيجة انتهاكها لشروط السلامة، حيث اعتبروا أنها كانت مسؤولة عن حادثين في 17 أبريل، و19 مايو الماضيين.
* اضطرار كل من الشركتين الإماراتيتين لوقف عدد من الوجهات الأميركية، بسبب تباطؤ الطلب.
* استمرار ارتفاع تكاليف عمليات الشركتين في بعض الوجهات.
ومنذ فرض الحصار على دولة قطر، أخذ مسؤولو الشركتين في الحديث بإسهاب عن آفاق مراهنتهما على سوق السعودية الغنية بالزوار من المعتمرين والحجيج، وهي السوق التي لم يمكن بمقدورهما تحقيق نجاح فيها لو لم يتم إعاقة حضور «الخطوط الجوية القطرية» فيها، حيث تصل الناقلة الوطنية لنحو 10 مدن في المملكة.
الآفاق
«الخطوط الجوية القطرية» لم تعدم الحلول الكفيلة بخروجها من معترك المؤامرة التي حيكت على دولة قطر عموماً وعليها خصوصاً، إذ صرح رئيسها التنفيذي السيد أكبر الباكر بأنها تمضي قدماً في إيجاد مسارات ووجهات جديدة، فضلاً عن إبرام صفقات نوعية من قبيل حيازة 5 % من أسهم «أميركان إيرلاينز» إلى جانب التوسع في سوق المملكة المتحدة.
ورغم تلك المؤامرات والتحديات، فإن «القطرية» أكدت أنها تمضي قدماً في الالتزام بطلبيات طائراتها التي أوصت بها عبر شركتي «بوينج» الأميركية و»إيرباص» الأوروبية، لأنها تريد المضي قدماً للمستقبل، تاركة الآخرين منشغلين في البحث عن تبديد مكتسبات غيرهم.