اندماج بنوك قطر الثلاثة.. خطوة عملاقة نحو مشهد مصرفي متفوق

قفزة منضبطة الأبعاد وتعرف جيداً نقطة الالتقاء

خط دفاع متين ضد ضربات الحصار العشوائية

دعم متعمد وعميق لاستراتيجات قطر ورؤيتها

 

بزنس كلاس – رشا أبو خالد

تبدو عملية الاندماج المقبلة بين ثلاثة بنوك قطرية هي الريان وبروة وقطر الدولي، قفزة محسوبة الأبعاد في إطار مخطط استراتيجي يتسق مع تطورات كثيرة استراتيجية على المشهد المالي والمصرفي في البلاد أكثر مما هي خطوة ضرورية بمقدار ما تقتضي ضرورات المرحلة الراهنة  سيما بعد تراجع أسعار حوامل الطاقة على مدى العامين الماضيين حيث لا يمكن الفصل بين عملية اللجوء إلى الدمج  بين المصارف والواقع المالي والاقتصادي لدول الخليج، فالتدفقات المالية لم تعد كما هي عليه قبل أعوام قليلة، كما أن قيمة الأصول انخفضت بالفعل، ولو كانت طفيفة بشكل كبير كمت هي عليه الحال في دولة قطر. كما يقع على عاتق المصارف تغطية جزء من عجوزات الميزانية عبر إقراض الحكومات، وبخاصة أن اتفاق أوبك الأخير لم يعد مستويات النفط إلى النطاقات المطلوبة للحصول على موازنات متوازنة من حيث الدخل والنفقات. وإضافة إلى كل ما سبق، لا يتوقف الأمر عند ذلك، فانخفاض أسعار الفائدة عالميًا وخطوات التقشف الجريئة التي أقدمت عليها الحكومات الخليجية، خلفت آثارًا صعبة على معظم البنوك، ظهرت في النتائج السنوية للعام الماضي.

ضرورة استراتيجية 

وإذا أضفنا إلى كل هذا، الحصار الجائر الذي فرض على قطر من قبل ثلاثة دول خليجية ومصر، فإن عملية اندماج البنوك المذكورة لم تعد خياراً يتعلق فقط بتحسين الوضع المالي لتلك المؤسسات وتقوية القطاع المصرفي في قطر بشكل عام، بل باتت ضرورة في ظل التحديات المالية التي تفرضها تداعيات الحصار لا سيما لجهة إمكانية سحب ودائع حكومات وأشخاص دول الحصار من البنوك القطرية.

إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن تكون عملية الاندماج “عمل جراحي إسعافي” بمقدار ما هي ضرورة مرحلية في إطار خطة استراتيجية أوسع تهدف إلى تكوين مشهد مصرفي متكامل في قطر قادر على مواجهة التحديات المقبلة والاستحقاقات الكبيرة التي تنتظرنا في الأفق. لذلك وفي طريقها نحو تشكيل أكبر مصرف إسلامي في دولة قطر وثالث أكبر بنك إسلامي بالمنطقة، تستعد بنوك الريان وبروة وقطر الدولي، للإعلان عن نتائج دراسة الجدوى الاقتصادية لاندماج البنوك الثلاثة، حيث من المنتظر اتخاذ القرار النهائي قبل نهاية العام الحالي، تمهيداً لبدء تنفيذ عملية الاندماج الفعلي في الربع الأول من العام القادم، بعد الحصول على الموافقات اللازمة من الجمعيات العمومية لهذه البنوك، وموافقات الجهات المختصة في دولة قطر.

كيان مصرفي عملاق

إن الاحتمال القوي والقائم لدمج أعمال المصارف الثلاثة، والذي  سيؤدي إلى تكوين أكبر بنك إسلامي في دولة قطر بقيمة أصول تزيد على 160 مليار ريال، ورأسمال يزيد عن 22 مليار ريال، سوف يثمر عن بروز كيان مصرفي قوي يعمل بكفاءة أعلى ليكون لديه من السيولة والملاءة المالية ما يمكنه من المساهمة بقوة في الاقتصاد القطري الوطني، من خلال تمويل المشروعات التنموية التي تساعد على تحقيق رؤية قطر 2030.

وتبين عملية الاندماج الثلاثي التي تسير قدماً، وفقاً لما اتفقت عليه البنوك الثلاثة عند الإعلان عن نيتها الاندماج وذلك في الـ 19 من شهر ديسمبر / كانون الأول 2016، إن هناك إصراراً من البنوك الثلاثة على استكمال عملية الاندماج، بعد الانتهاء من عمليات التدقيق التفصيلية المالية والقانونية التي تشمل البنوك الثلاثة، والتي تتولاها حالياً شركة استشارات كبرى متخصصة في هذا المجال، والتي من المتوقع انتهاؤها قبل نهاية العام.

ورغم تداعيات الحصار المؤلمة نسبياً على القطاع المصرفي تحديداً، إلا أن الحصار بحد ذاته  لن يؤثر إطلاقاً على الإجراءات التي تم اتخاذها، تمهيداً لعملية الاندماج، وأن مجالس إدارات البنوك الثلاثة لديها العزم على استمرار عملية الاندماج في حالة الوصول إلى اتفاق نهائي بين البنوك الثلاثة، إضافة إلى موافقة الجمعيات العمومية صاحبة القرار الأخير في الاندماج.

ويتم حالياً استكمال بحث المراكز المالية والحسابات المالية الكاملة لكل بنك، من خلال اللجنة المشكلة لمتابعة عملية الاندماج، وأوضحت أن العام الحالي سيشهد استكمال جانب كبير من هذه الإجراءات، وبحث الدراسة الشاملة التي وضعتها الشركة الاستشارية عن احتمالات الاندماج، حيث وضعت الشركة مجموعة من العناصر الإيجابية والمزايا التي سوف تتحقق، إضافة إلى الشروط والمعايير التي سيتم الالتزام بها، سعياً وراء نجاح الاندماج باعتباره أكبر عملية اندماج في الشرق الأوسط، ستؤدي إلى تكوين أكبر بنك إسلامي في قطر وثالث أكبر بنك إسلامي في الشرق الأوسط من حيث القيمة ورأس المال. وأشارت إلى أنه يتم حالياً إجراء عملية تقييم شامل وكامل للبنوك الثلاثة وحصصها في السوق المحلي والخارجي، وأصولها المالية والمعنوية والمحافظ الاستثمارية والعقارية والودائع ومحفظة التمويل والقروض، وما يتبع عملية الاندماج من إعادة الهيكلة الإدارية والمالية بشكل واسع، خاصة أن بنك قطر الدولي سيتم تحويله إلى النظام المصرفي الإسلامي، وتنفيذ تغييرات كبيرة على كافه أعماله ومراجعتها بحيث تتوافق مع النظم المصرفية المطبقة في الريان وبروة.

بين المركز والأطراف

وستخضع هذه المبادرة التي ستؤدي لخلق كيان مصرفي ضخم على مستوى المنطقة بأصول تصل إلى 44 مليار دولار تقريبا لموافقة مصرف قطر المركزي، وهيئة قطر للأسواق المالية، ووزارة الاقتصاد والتجارة والجهات الرسمية الأخرى ذات العلاقة، وموافقة المساهمين في كل من مصرف الريان وبنك بروة وبنك قطر الدولي، بعد الانتهاء من عمليات التدقيق التفصيلية المالية والقانونية (Due Diligence) التي ستشمل البنوك الثلاثة .

وتملك الدولة حصة نسبتها 52.85%  في بنك بروة مقسمة بين صندوقين حكوميين وقطر القابضة وفقا لحسابات وكالة رويترز من واقع البيان المالي نصف السنوي للمصرف.

تعليق ذو صلة

من جانبها، علقت وكالة موديز للتصنيف الائتماني على الاندماج المتحمل بأن الكيان الجديد الذي سيدار وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، سيكون رابع أكبر بنك إسلامي في مجلس التعاون الخليجي، ما يسمح له الاستفادة من نمو قطاع التمويل الإسلامي في المنطقة. في الوقت الذي تشهد فيه المصارف الإسلامية في قطر نمواً ملحوظاً فى السنوات الخمس الأخيرة، وزاد معدل النمو السنوي للإقراض 21%، مقابل 14% لنظيرتها التقليدية بين عامي 2011 و 2016.

وأكدت البنوك أن عملية الاندماج سوف تدعم التنمية الاقتصادية في دولة قطر بإطار استراتيجية رؤية قطر الوطنية 2030، من خلال دعم الأعمال والكيانات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى خلق كيان يعتبر شريكاً استراتيجياً للدولة ومؤسساتها، وسوف تحقق عملية الاندماج الفائدة لكافة الأطراف المشاركة فيها، بما فيها المساهمون وعملاء هذه البنوك والاقتصاد الوطني. كما أن عملية الاندماج إذا ما تمّت ستثمر عن تجميع الخبرات المتراكمة لدى البنوك الثلاثة، والتي تمثل مجالات قوة لكل منها، في مجال خدمة الأفراد، وخدمة الشركات والمؤسسات الحكومية، وإدارة الثروات، والعمليات الاستشارية حول إصدار الصكوك، والعمليات البنكية الخاصة.

الجدير بالذكر أن مصرف الريان هو بالفعل ثاني أكبر بنك في قطر من حيث القيمة السوقية وأكبر المؤسسات القطرية المدرجة على مؤشر إم.إس.سي.آي للأسواق الناشئة. وبلغت قيمة أصول البنك 87 مليار ريال في 30 سبتمبر أيلول 2016 وفقا لقوائمه المالية.

ويعتبر مصرف الريان وبنك بروة من المؤسسات المالية الإسلامية لكن بنك قطر الدولي يتبع حاليا المبادئ المصرفية التقليدية. ولا تسمح اللوائح التنظيمية القطرية لأي مصرف بالعمل بالطريقتين الإسلامية والتقليدية معا ومن ثم سيتعين على قطر الدولي أن يحول أنشطته إلى أنشطة متوافقة مع أحكام الشريعة إذا مضت الصفقة قدما.

 

السابق
بيرغنشتوك.. آخر العنقود في عائلة كتارا السويسرية
التالي
قطر تفتح خط موسكو وتعمق مساراتها الاقتصادية