جسر اقتصادي طويل الأجل وبنك مفتوح الحسابات
متطلبات المشروع شديدة التكامل في انتظار قرار البدء
خدمات اقتصادية ولوجستية وأخرى استراتيجية
سلة متكاملة المحصول في انتظار الحصاد
بزنس كلاس – إسلام شاكر
تتعالى الأصوات في دولة قطر هذه الأيام لإقامة منطقة اقتصادية حرة في ميناء حمد البحري الذي تم افتتاحه رسمياً في الخامس من أغسطس الجاري، لما تلك المنطقة من فوائد جمة على الاقتصاد القطري بشكل عام ولما يمكن أن تلعبه من دور حيوي في اقتصاد المنطقة برمتها خصوصاً إذا ما عرفنا بأن هكذا منطقة مفترضة سوف تقام لتحلق بميناء حمد البحري الذي افتتح هذا الأسبوع خامس خط ملاحي مباشر له مع العالم عبر خط الدوحة – شنغهاي في الصين. لذلك أصبحت دراسة واقعية لإقامة منطقة اقتصادية حرة في قطر بجوار الميناء حاجة ضرورية لأسباب كثيرة بينها الأزمة الخليجية التي تعمل كمحفز على الإسراع بتنفيذ هذا الأمر كما كانت الحافز في الافتتاح الرسمي للميناء وإطلاق عجلة العمل فيه بالطاقة القصوى قبل التاريخ المحدد لافتتاحه، كما أن هذه المنطقة يمكن أن تشكل دفعة قوية للغاية بل استراتيجية على خريطة تنويع مصادر دخل الدولة ويمكنها أن تلعب دوراً رئيسياً في تحقيق رؤية قطر الوطنية 2030.
بطاقة تعريف
يعرّف علم الاقتصاد منطقة التجارة الحرة على انها مجال جغرافي بحدود واضحة ، حيث تكون مداخلها مراقبة جمركيا وتتمتع السلع القادمة إليها من الخارج بالحرية بحيث أنها لا تخضع للحقوق الجمركية أو الضريبية ما عدا البضائع الممنوعة قانونيا التي لا يمكن إدخالها سواء للدولة أو المناطق الحرة على حد سواء. وتقام المناطق الحرة بغرض تحقيق أهداف معينة للدول المضيفة، والتي يمكن حصرها أساسا في جذب استثمارات وأعمال الجديدة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبيّة. ومن أحد ميزات مناطق التجارة الحرة ونتيجة الشروط المتساهلة وتوجد في المناطق التجارة الحرة كثافة عمالية مرتفعة. ويمكن اختصار تعريف المنطقة الحرة على انها جزء من أراضي الدولة تسمح فيها بعمليات تجارية وصناعية مع دول العالم متحررة من قيود الجمارك والاستيراد والتصدير والنقد وهي مساحة مقفلة تحت الحراسة حيث تخزن البضائع سواء كانت تلك المساحة في ميناء بحري أو جوي أو كان داخليا أو على الساحل حيث ترد إليها البضائع ذات الأصل الأجنبي بقصد إعادة التصدير أو العرض أو إدخال بعض وتقل فيها المعوقات التجارية.
وعليه فإن إقامة مثل هذه المنطقة في ميناء حمد البحري تبدو مسألة سهلة المنال وليست بقضية شائكة تجعلنا نفكر مرات قبل الانطلاق نحو هذا الأمر لأسباب كثيرة، منها توفر كل أساسيات إقامة مثل هذه المنطقة في ميناء حمد من قضايا لوجستية وفنية وإمكانيات مادية وبشرية، كما أن إقامة المنطقة تأتي في سياقها الطبيعي والتدريجي استجابة لجملة من القوانين والأنظمة التي أقرتها الحكومة القطرية الحالية والسابقة ممهدة الطريق قانونياً وتشريعياً لقيام منطقة حرة مزدهرة تمكن دولة قطر من المضي قدماً في درب التطور الاقتصادي نحو عملية تكامل الإنتاج وتناغم معطيات تنويع الاقتصاد الوطني.
الشروط متكاملة
حتى تتحقق مسألة إقامة منطقة اقتصاد حرة أو تجارة حرة، لا بد من توفر بنية أساسية وقاعدة لوجستية صلبة تستند إليها مع رؤية مستقبلية واضحة لتوسيعها. وكل هذه الأمور تكاد تكون متوفرة بالشك الأمثل في ميناء حمد البحري. فالميناء الذي يقع بمنطقة أم الحول يملك من الإمكانيات والمرافق ما يمكنه من استيعاب أكثر من 7.5 مليون حاوية سنوياً مع تصريح المسؤولين عن الميناء بشكل صريح أن هناك اتجاهاً واقعياً تحويل الميناء إلى قاعدة متقدمة لإعادة تصدير البضائع.
وذكر مختصون بأن الميناء شبه جاهز فعلاً لمنطقة تجارة حرة على مستوى عالمي. فهو يحتوي على محطة للبضائع العامة بطاقة استيعابية تبلغ 1.7 مليون طن سنويا، ومحطة للحبوب بطاقة استيعاب تبلغ مليون طن سنوياً، ومحطة لاستقبال السيارات بطاقة استيعاب تبلغ خمسمئة ألف سيارة سنويا، ومحطة لاستقبال المواشي، ومحطة لسفن أمن السواحل، ومحطة للدعم والإسناد البحري.
كما يضم منطقة للتفتيش الجمركي لسرعة تخليص البضائع وبرج للمراقبة بطول 110 أمتار، ومنصة لتفتيش السفن ومرافق بحرية متعددة، وعددا من المرافق الأخرى مثل المستودعات والمساجد والاستراحات وكذلك منشأة طبية، كما يحتوي الميناء على المباني الإدارية اللازمة لتشغيل الميناء. ويبلغ طول حوض الميناء أربعة كيلومترات، بعرض سبعمئة متر، وبعمق يصل إلى 17 مترا، وهي مقاييس ومواصفات تجعله قادرا على استقبال أكبر السفن في العالم.
وفي خطوة تعتبر تمهيدية لإقامة منطقة تجارة حرة بكل مزاياها، تم إنشاء منطقة اقتصادية متاخمة لميناء حمد في إطار سعي دولة قطر لزيادة صادراتها غير النفطية وإنشاء صناعات تحويلية. وسيعمل الميناء من خلال المنطقة اللوجستية المتكاملة على ربط قطر بشبكة السكك الحديدية بدول الخليج، وأما شبكة الطرق السريعة التي يتم إنشاؤها فستعمل على خفض تكلفة نقل البضائع مما سيجعل الميناء مركزا إقليميا للشحن.
دوافع الاستثمار
إن المنطقة الحرة هي حيّـز جغرافي محدد تستفيد فيه الشركات من مجموعة من التحفيزات بالمقارنة مع الشركات العاملة في وسط ضريبي وقانوني عادي بعيداً عن تعقيدات القوانين الاقتصادية المحلية لأي دولة والحمائية التجارية للصناعات المحلية . ان المنطقة الحرة في ميناء حمد تأتي تنفيذا لقانون رؤوس الاموال الاجنبية في قطر ومن منطلق تحقيق التنوع الاقتصادي وتعزيز الصادرات غير النفطية، اضافة الى تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وتمكين المستثمرين من التصدير الى الخارج بعد تشغيل المنطقة بالكامل. كما من المتوقع أن تساهم تلك المنطقة عندما تنطلق وقبل أن تصل إلى العمل بكامل طاقتها، ستساهم حتماً بجذب استثمارات ورؤوس أموال أجنبية، لاسيما مع القوانين التي أصدرتها دولة قطر والتي تمكن أصحاب تلك الشركات ورؤوس الأموال من التملك 100 بنسبة % في قطاعات صناعية وزراعية وغيرها. فالمستثمر دائما يحتاج الى حرية دخول السوق وخروجه وهو ما يتوفر في دولة قطر التي تقدم تسهيلات ادارية ومالية وتشريعية بما يدعم الاقتصاد الوطني”. كما أن طفرة التشريعات التي أرستها الدوحة مؤخراً لدعم تشجيع بيئة الاستثمار، إنما جاءت لتواكب التطور الاقتصادي الذي تعيش على وقعه دولة قطر التي تسعى بجد وواقعية نحو اقتصاد يقوم على عماد التنوع أولاً. وقد نجحت الدوحة في استثمار التحديات لتطوير منظومتها الاقتصادية بما يتلائم مع تحقيق هدف تنويع الاقتصاد الاستراتيجي. كما أن المنطقة الاقتصادية الحرة يمكن أن تقدم جملة من المزايا المغرية للمستثمرين كمنحهم إعفاء ضريبي على مشاريعهم الإنتاجية لفترة زمنية محدودة حتى تنتقل مشاريعهم من طور التكوين إلى طور الربحية وتحقيق الفائدة الاقتصادية، إضافة إلى تقديم خدمات أخرى كاللوجستية منها. كما يمكن أن تقدم المنطقة الحرة خدمات مجانية او برسوم رمزية او اعفاءات ضريبية وجمركية او من خلال تقديم ارض، حيث تتوفر في المنطقة الحرة المفترضة والملحقة بميناء حمد امكانية الصناعات التحويلية وغيرها، بما يصب في إطار أكبر يقوم على تطوير أداء الاقتصاد الوطني.
تشريعات محفزة
وإضافة إلى التشريعات الوطنية في قطر والتي تسهل دخول الاستثمارات الاجنبية من خلال الاعفاءات الجمركية والتسهيلات المختلفة، كذلك هناك محفزات وتشجيع كبير للقطاع الخاص القطري على المشاركة بفعالية في أن يكون العمود الفقري للمنطقة الحرة. فقد حرصت الدولة بكافة التشريعات والقوانين الحديثة التي أطلقتها على تأمين أفضل الشروط للمواطن القطري كي يبادر لإقامة مشروعه الخاص وقدمت له ولا زالت، كافة التسهيلات القانونية والمادية والائتمانية اللازمة لهذا الأمر. فقد أصبح مثلاً بإمكان المواطن القطري الحصول على الموافقة على إنشاء مصنع خلال 24 ساعة واصبحت الاجراءات الادارية والتشريعية سهلة وبسيطة حيث عملت الدولة على تذليل كافة العراقيل امام المستثمرين، وخير مثال على ذلك ما يقدمه مركز قطر للمال للمستثمرين الراغبين في ممارسة اعمالهم التجارية حيث يعمل هذا المركز وفقا لقانون خاص يسهل على المستثمرين انشاء شركاتهم. وفي نقطة مهمة لأي منطقة حرة، فإن المنطقة الحرة الملحقة بميناء حمد ترتبط بشبكة نقل متعددة الوسائط حيث ترتبط بطرق برية سريعة وبالتالي يمكن استيراد البضائع وتحويلها الى الاسواق في اسرع وقت ممكن او اعادة التصدير. وقد قامت الدولة بجميع الجهود اللازمة لتشجيع دور القطاع الخاص للانخراط في دفع عجلة الاقتصاد القطري وجذب المستثمرين الاجانب. ويتم في المنطقة اجراء عدد من الانشطة ومنها تخزين البضائع العابرة والبضائع الوطنية الخالصة الضريبة المعدة للتصدير الى الخارج والبضائع الاجنبية الواردة بغير رسم الوارد والفرز والتنظيف والخلط والمزج ولو ببضائع محلية، وإعادة التعبئة وغيرها من عمليات تغيير حالة البضائع المودعة بالمنطقة الحرة وتهيئتها بالشكل الذي تتطلبه الأسواق، اضافة الى انشطة صناعية اخرى كتركيب وتجهيز السيارات واللوريات والجرارات والطائرات وبناء السفن وإصلاحها الى غير ذلك من الأنشطة.
إن المنطقة الحرة التي يجب أن نعمل عليها في قطر تأتي أيضاً في سياق فترة تتطلب منا كما فعلنا بمشروع ميناء حمد البحري، الإسراع نحو تحقيق أمر ضروري وبناء أرضية صلبة ودعائم قوية يمكن لاقتصاد بلادنا أن يقوم عليها بثبات لا تهزه العواصف سواء السياسية أو سواها ، والمنطقة الاقتصادية الحرة مفصل أساسي لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الذي يجب على الجميع التعاون للوصول إليه.