المنتج القطري الصرف من مستودعات الذاكرة إلى واجهة الحدث الاقتصادي

إجراءات احترازية مكثفة والصناعة في قمرة القيادة

الحصار أطلق العنان للمواهب المحلية وأعاد نبش الإمكانيات المخبأة

الأمن الغذائي يحتل مرتبة متقدمة في استراتيجيات الدفاع والمنتج المحلي سلاحه الأقوى

 

بزنس كلاس – سليم حسين

قد يكون من إيجابيات الحصار “إن صح التعبير” إدراك ذاك القدر من الأهمية للمنتج الوطني الذي لطالما شكل قيمة في الشكل والجودة والمقاييس ولكن “مزمار الحي لم يك يطرب في زمن “البحبوحة” حيث بوابات ومنافذ الاستيراد والشحن مشرعة على مصاريعها والمنافسة من قبل منتج أجنبي يوسم “بالبرنجي فقط لأنه إفرنجي” على أشدها، لتأتي ظرفية الأزمة الخليجية وتقدم الصناعة القطرية على حقيقتها.

قطري صرف

في كل تجارب اقتصاديات الدول ثمة اشتغال على الأمن الغذائي الذي لا يدعمه ويعززه سوى المنتج الوطني ” الأكل مما نزرع واللبس مما نصنع” وهذا ما يتجسد بالمزارع القطرية التي تضج بالخضراوات والفواكه والحبوب، حيث أصبح المستهلك المحلي يدرك أن إنتاج بلاده أفضل من ناحية الطعم والجودة مما يتم استيراده بالشاحنات والطائرات، وفي هذه المزارع بالذات تحديا لتقليل الفجوة بين المنتج المحلي وما يتم استيراده وصولا إلى وضع يكون فيه بوسع هذه المزارع تحقيق قدر لا بأس به من الاكتفاء الذاتي وهو أمر بات مطلبا ملحا خاصة أن الأمن الغذائي هو خط الدفاع الأول أمام جميع التحديات الخارجية.

ولأن المطلوب الآن وبلا تردد خلق الفرص من قلب الأزمة الحالية والاستفادة إلى أقصى درجة ممكنة من الدعم الشعبي غير المسبوق للمنتج المحلي، فإن العبرة في  تعزيز الصناعات الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي وهو أمر لا يبدو صعبا في دولة غنية تدعم الصناعات المحلية وتقدم كافة التسهيلات للمستثمرين مثل قطر.

ومع سريان شعارات من قبيل” لا تنس أنك ستكون دائما أقوى وأنت تشتري منتجك المصنوع في قطر!” تأتي الهِبات من رحم الأزمات. لتتجلى الفرصة التي سارع قطاع صناعة الأغذية في قطر إلى اقتناصها مع اليوم الأول من الحصار، للاستفادة من سوق اعتاد على السلع المستوردة رغم كفاءة المنتجات المحلية.

ولهذا تكاد ماكينات الإنتاج في مصانع الأغذية بقطر لا تتوقف عن الدوران، فتلك فرصة جيدة للحصول على حصة أكبر من سوق يستوعب قرابة 2.6 مليون شخص.

إجراءات احترازية مكثفة

وتؤكد مصادر غرفة صناعة قطر أن مصانع الأغذية بدأت منذ اندلاع الأزمة الحالية في اتخاذ إجراءات مهمة لزيادة قدراتها الإنتاجية، مثل زيادة عدد ساعات العمل وتعزيز مخزونات المواد الخام الأولية. رغم أنه من غير الممكن أن تلبي المصانع المحلية كل الطلب، لكن يبدو أن الأزمة تفتح آفاقا إنتاجية جديدة وتتيح للمنتجين هامشا أكبر للمنافسة. ولهذا ثمة اعتراف بأنه “لا يمكن أن يغطي الإنتاج المحلي الطلب الداخلي بنسبة 100%، هذا مستحيل في أي دولة، لكن هناك مساع كبيرة لمضاعفة الإنتاج. يوجد دور مهم على عاتق الدولة، كما هو على عاتق المنتجين أيضا”. وبالتالي يجد المراقبون في الظرف الراهن فرصة ذهبية لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز المستثمرين على ضخ رؤوس أموالهم في مشروعات غذائية داخل الدولة، للاستفادة من توقف إمدادات السلع التي كانت تدخل السوق المحلية عبر المنفذ البري السعودي.

ويقدّر مهنيون حجم البضائع التي كانت سابقاً تدخل السوق القطري عبر المنفذ البري السعودي، بنحو نصف إجمالي البضائع الموجودة في الأسواق، إذ تعد السعودية معبرا لشاحنات البضائع التي كانت تصل من دول أخرى غيرها، مثل الأردن ومصر ولبنان.

وهنا رفعت الفعاليات الاقتصادية الصوت مطالبة السلطات بسرعة تخصيص مساحات زراعية لصالح رجال الأعمال لاستثمارها في إنشاء بيوت محمية تساهم في سد الحاجة من الخضروات والفاكهة، فتلك السلع تحديدا كان يأتي أغلبها عبر الشحن البري. ولهذا تقدم الحكومة تسهيلات لوجستية للمنتجين المحليين في الوقت الحالي لدعم قدراتهم الإنتاجية.

فرص مفتوحة

وفي هذا الإطار يدرس رجال أعمال قطريون الاستثمار في قطاع الصناعات الغذائية. بعدما كانت قطر تستورد 90% من احتياجاتها من الغذاء، فيما تشير الإحصاءات إلى أنها كانت تستورد 40% من حاجاتها الغذائية، عبر المنفذ البري مع السعودية قبل إغلاقه، كما تستورد جزءاً آخر من وارداتها الغذائية، من الإمارات ومصر والبحرين.

في وقت طالبت غرفة الصناعة منذ فترة طويلة بدعم رجال الأعمال القطريين لهذا القطاع، علماً أن هناك فرصة سانحة الآن للاستثمار في هذا القطاع من قبل رؤوس الأموال القطرية، مع الاستفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال. بالتزامن مع دخول شراكات قطرية أجنبية قريباً، في قطاع الصناعات الغذائية، ولهذا عقدت سلسلة اجتماعات مع المصنعين للمواد الغذائية ، لبحث سبل تسهيل الإجراءات والعمل على دعم هذا القطاع.

الصناعة في قمرة القيادة

وفي شهادة مهمة يرى المهندس عادل الصقر المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين أن القطاع الصناعي في قطر قادر على قيادة معدلات النمو خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل الخطط والإستراتيجيات التي تم وضعها والتي تتوافق مع التغيرات الجديدة التي طرأت على الساحة الاقتصادية العالمية.. ويشير بالبنان إلى أن القطاع الصناعي في قطر يمتلك إمكانات كبيرة ستؤهله لقيادة النمو خلال الفترة المقبلة، ويظهر ذلك بشكل كبير من خلال الشراكات التي تم الإعلان عنها بين كيانات عالمية كبيرة في القطاع الصناعي وشركات قطرية في مجالات البتروكيماويات وصناعات الغاز، وخلال الفترة القليلة المقبلة، ستدخل قطاعات أخرى جديدة إلى الصناعة القطرية، مثل الصناعات الغذائية، والصناعات الثقيلة.

ويضيف أن دولة قطر خطت خلال فترة زمنية قصيرة خطوات ثابتة وقوية في كافة المجالات الصناعية، بحيث قامت بتنويع الصناعة وتطوير الصناعات المساندة مثل صناعة الحديد والصلب والإسمنت والصناعات الغذائية، وعملت أيضا على إرساء بنية أساسية متطورة قادرة على خدمة الصناعات الوطنية والاستجابة لاحتياجاتها وتحدياتها المستقبلية، مما ساعد على النهوض بالقطاع الصناعي وزيادة تنافسيته.

وأتاحت المشاريع العملاقة التي يجري تطويرها في مجال الطاقة والتي تشمل تطوير الحقول النفطية وصناعة الغاز الطبيعي المسال وتحويل الغاز إلى سوائل والصناعات البتروكيماوية ومحطات توليد الطاقة وتحلية المياه وغيرها، العديد من الفرص الاستثمارية المجدية أمام الصناعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة منها وذلك من خلال القيام بتصنيع مستلزمات الإنتاج لتلك المشاريع، وبالتالي التقليل من استيرادها من الخارج مما يسهم في تطوير عملية التكامل بين المنتجات الأساسية والوسيطة والنهائية.

 

السابق
قطاع النفط والغاز القطري يشغل العالم ويتفرد في الميدان
التالي
شبكة الطرق والجسور في قطر خلطة هندسية متقنة وفي الصيانة السلامة