دائمًا ما يتردد مصطلح الكشف الطبي على مسامعنا خصيصًا بهذه الفترة من الموسم، عندما تتناثر الصفقات هنا وهناك بالميركاتو الصيفي، قد يظن البعض أنه مجرد إجراء روتيني تتبعه الأندية للحفاظ على البروتوكولات، لكن الأمر قد يذهب لما هو أبعد من ذلك.
مُحدد المصير..
الكشف الطبي قد يقلب مسيرة أحدهم رأسًا على عقب، وقد يكون قبلة الحياة التي أو المسمار الأخير في النعش الكروي، أشهر تلك الحالات مثلًا هو الفرنسي لوك ريمي والذي حال الكشف الطبي دون انتقاله إلى ليفربول الرهيب صيف 2014 بسبب مشاكل بالقلب، ليتنّقل بعدئذٍ بين فرق دون المستوى على غرار لاس بالماس، خيافي وليل، وفترة سيئة بتشيلسي.
في العام 2003 كان غابريل ميليتو لاعب أنديبنتي وقتئذ، قاب قوسين أو أدنى من الالتحاق بريال مدريد، لكن نصيحة الدكتور ألفونسو دي كورو أوقفت الصفقة بسبب مشاكل بركبة اللاعب أثناء الفحوصات، أربعة أعوام أخرى كانت كفيلة لارتداء قميص برشلونة.. فيكتور فالديز وبعد رحيله عن برشلونة وإبرامه لعقد مبدئي مع موناكو الفرنسي تم إلغاء التعاقد وتسريح اللاعب بعد اكتشاف إصابة بالركبة أثناء الفحص الطبي، المصائب توالت باستبعاده من قائمة المنتخب الإسباني المُشارك بمونديال البرازيل ومن ثَم فترة ذليلة بمانشستر يونايتد مع فان جال.
أشهر تلك الحالات تعود للمهاجم الهولندي الأسطوري رود فان نيستلروي والذي لم يجتز الفحص الطبي في مانشستر يونايتد صيف 2001 بسبب إصابة سابقة بالصليبي، رئيس أيندهوفن هاري فان راي كان حريصًا على إتمام الصفقة، عام آخر وأتمّ اللاعب إجراءات انتقاله بعد النجاح في الكشف الثاني، ومن هنا بدأت قصة نيستلروي العظيمة بالملاعب الأوروبية.
ماهو الكشف الطبي؟
يتم الشروع في الكشف الطبي بعد الاتفاق على بنود العقد من حيث قيمة الصفقة والأجر، الأمر يتباين من نادٍ لآخر سواء في الخطوات أو الإجراءات، وحتّى في عدد أيام الفحوصات فقد تكون يومًا أو ثلاثة، بيد أنه يشمل بعض الثوابت التي يجب أن يتضمنها جميع الفحوصات في أي ناد كان، وعددها ستة..
اختبارات رسم القلب والصحة بشكل عاماختبار استقرار هيكل العضلات كمنطقة الحوض مثلًاالمسح الشامل بالرنين المغناطيسي والموجات فوق الصوتيةاختبار حركة العضلات وتأثيرها على أداء اللاعبمعرفة درجة الدهون بالجسم (الرياضي لا يجب أن يزيد عن 10%)اختبارات السرعة لمعرفة سرعة عدو اللاعب في مسافة مُحددةبعض الأندية تتضمن فحوصاتها السمع، البصر، وفحص الأسنان.
التقرير الأخير الذي يرفعه الأخصائيون لإدارة الفريق هو كلمة الفصل في انتقال اللاعب من عدمه، لذا فإن الأمر يتم بطريقة دقيقة ومُحكمة للغاية، وغالبًا ما تتم على مدار يومين لضمان سير العملية بالشكل الأمثل.. انتقالات الشتاء مثلًا تكون نسبة فشل انتقالاتها ضعيفة نظرًا لحاجة الأندية المُلحة لهؤلاء اللاعبين، لذا فإن إنتقائهم يكون نموذجيًا، على عكس الصيف الذي يتسم بكثرة الصفقات وتشتت الأذهان.
لم هو مطلوب؟
مع تكرار حوادث وفاة وإغماءات لاعبي كرة القدم المفاجئة، فان الأمر كان إلزاميًا بضرورة إجراء فحوصات شاملة وصارمة على الوافدين الجُدد، ولعل الأمثلة الأحدث للإيطالي الراحل ديفيد أستوري قائد فيورنتينا قبل أشهر، والكاميروني باتريك إيكنج لاعب وسط نادي دينامو بوخارست الروماني والذي وافته المنية 2016، بينما تعرض فابريس موامبا لاعب بولتون لتوقف القلب لمدة 78 دقيقة أثناء مباراة فريقه ضد توتنهام بالعام 2012، وتبين لاحقًا أنه يعاني من مشاكل مزمنة بالقلب لم يتم اكتشافها أثناء الفحص الطبي.
إضافة إلى النكسات التي تتعرض لها الأندية سواء على صعيد الملعب (فنيًا) أو خارجه (اقتصاديًا)، فأن تتعاقد مع لاعب بقيمة 50 مليون يورو وبأجر أسبوعي 100 ألف يورو على سبيل المثال ثم تكتشف أن لديه إصابة بأوتار الركبة بعد عدة أشهر، هو أمر غاية في السوء، حينئذ عليك أن تبحث عن عرض مناسب للتخلص منه، ومن ثم البحث عن لاعب يعوّضه، هذا بعد أن تتكبد راتبه وقيمة صفقته.
الكشف الطبي مهم للغاية في تحديد مواطن ضعف وقوة اللاعب الجسدية، وهو الأمر الذي سيساعد الطاقم الفني في تحديد التدريبات المناسبة، كما يمكن للمشاكل الصغيرة التي تُكتشف بالفحوصات أن تساعد في تجنب إصابة اللاعب المستقبلية.
شراهة جنسية ..
فشل لاعب هاديرسفيلد تاون الإنكليزي فرانك ورثينغتون في الانتقال إلى ليفربول عام 1972 بسبب ملاحظة الأطباء ارتفاع غير عادي في ضغط الدم، ومع الفحوصات الدقيقة تبين أنها بسبب كثرة ممارسة الجنس، نصيحة الأطباء كانت برحلة استجمام ومن ثَم معادوة الكرّة، ذهب لمدينة مايوركا وعاد لإجراء الكشف الثاني وفشل أيضًا لنفس السبب، لينضم بعد ذلك إلى ليستر سيتي.
عفوًا لم انتبه للطول ..
توقفت صفقة انتقال الدولي الجزائري كامل غيلاس من سيلتا فيغو الإسباني إلى بلاكبيرن روفرز الإنكليزي عام 2009 بسبب ما وصفه الطاقم الطبي للفريق الإنكليزي بمشاكل صحية للاعب، باليوم التالي انتظم اللاعب بتدريبات فيغو وسجل هدفًا رائعًا بإحدى الودّيات، عام آخر وانتقل لستاد ريمس الفرنسي وقاده للصعود لدوري الدرجة الأولى في حين أن بلاكبيرن هبط.. الغريب أن الصحف الإنكليزية أعزت الأمر إلى التباين الشديد بين طول اللاعب في الصورة وعلى الطبيعة حيث رفض المدرب سام الاراديس التوقيع مع لاعب أقصر مما رأه في الصور لأنه يفضل اللاعبين ذوي الأطوال الكبيرة نظرًا للطريقة الدفاعية التي ينتهجها.
لا تأكل في أفريقيا ..
المهاجم الدولي الإيفواري ساماسي أبو كان ضحية الطعام الملوث، فبعد رحلة قصيرة لمسقط رأسه بكوت ديفوار صيف 1998، عاد ليخضع للكشف الطبي بنادي برادفورد الإنكليزي ولم يستطع تجاوزه بسبب تشخيص الأطباء بإصابته بمرض الملاريا، بعدها بأيام أتضح أن البطن المنفوخة كانت بسبب طعام مُلوث وليس الملاريا.
هل هي كذلك حقًا؟
فشل انتقال الدولي الإيطالي السابق تياغو موتا من برشلونة إلى أتليتكو مدريد عام 2008 بسبب مخاوف الفريق الإسباني من لياقته الضعيفة، بعدها بأسابيع خضع لاختبار في نادي بورتسموث الأنكليزي، طبيب النادي نصح بعدم التعاقد معه بسبب ركبته الهشة، كما فشل بعدها مباشرة في الانتقال لراسينغ سانتاندير لنفس السبب.. أعطاه جنوى قبلة الحياة لينضم إلى إنتر ميلانو بعدها بموسم واحد ويفوز بدوري الأبطال ثم رحلة الألقاب مع باريس سان جيرمان.
ثقب بالقلب أم بالأوزون؟
بالعام 1971 رفض أطباء نادي ليدز يونايتد الأسطوري في ذلك الوقت بقيادة دون ريفي، انتقال الاسكتلندي ولاعب ويستبروم آسا هارتفورد بسبب مزاعم بوجود ثقب في القلب بعد الاتفاق على كل البنود.. لاحقًا لعب آسا حتّى سن الـ 41 وخاض أكثر من 800 مباراة بمسيرته.