الدوحة – وكالات – بزنس كلاس:
تحدث عبدالله بن حمد العطية، نائب رئيس الوزراء القطري ووزير الطاقة والصناعة السابق لأكثر من 20 سنة، عن تداعيات الأزمة الخليجية على الاقتصاد القطري ومنطقة الخليج، وقال العطية “شكراً للأزمة، لقد تعلمنا الكثير، ويجب ألا نعود لما قبل 5 يونيو حتى بعد انتهاء الأزمة”.
وأضاف: “لو كانت مزاعم أبوظبي حقيقية حول تمويل قطر للإرهاب لأوقفت استيراد الغاز القطري والتحويلات المالية المرتبطة بها، لكنهم يعرفون أكثر من غيرهم أنها تهم باطلة”.
وتحدث العطية عن الدروس المستفادة من الأزمة وأبرزها ضرورة العمل على الاكتفاء الذاتي وبناء النفس. كما تطرق لمستقبل صناعة الطاقة حول العالم، ومستقبل منظمة أوبك واتجاهات أسعار النفط ومدى عودة الأسعار لمستويات ما قبل 2014، وعن سر التنسيق السعودي الروسي الأخير في مجال الطاقة رغم الخلافات السياسية الحادة بين البلدين، وردّ على تكهنات بعضهم حول نشوب حرب في منطقة شرق البحر المتوسط على مواقع الغاز في ظل عدم ترسيم الحدود البحرية والخلافات بين دول المنطقة.
وإلى نص الحوار مع نائب رئيس الوزراء القطري ووزير الطاقة والصناعة السابق عبدالله بن حمد العطية.
تأثيرات الأزمة
– بعد مرور أكثر من 5 أشهرعلى اندلاع الأزمة الخليجية، ما هو تقييمكم لتداعيات الأزمة على الاقتصاد القطري ومنطقة الخليج؟
• أولاً… الأزمة الخليجية جاءت مفاجئة، وكما ذكر صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في لقائه مع شبكة التلفزيون الأميركي” سي بي إس” قبل أيام، بأنه لم تكن هناك أية بوادر للخلاف، ولم نشعر بأية خلافات في القمم التي شارك فيها الأمير في الرياض، وكذلك اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولم تذكر تلك الدول أي خلاف أو أي اتهام إلى دولة قطر، وبالعكس بحثت تلك الاجتماعات في موضوع الإرهاب وتجفيف منابعه وتمويله، ولم تكن هناك أي إشارة لاتهام قطر بأنها تمول الإرهاب، ما يدل على أن ما حصل صنيعة موقف، ومحاولة شيطنة قطر لتبرير بعض الأمور الداخلية في دول الحصار، وهذا ما نراه يحدث لاحقا من إقامة بعض دول الحصار علاقات مع إسرائيل، وقضية جعل قطر عدوا وهميا يمكن استخدامه في توقيف وسجن معارضين، بتهمة العمالة للدوحة.
ونذكر أن هذا حصل منذ انقلاب حسني الزعيم في سورية عام 1949، وبدأت قضية حكم العسكر وانتقلت إلى مصر والعراق وليبيا وغيرها، وفي حقبة الخمسينيات وحتى السبعينيات كان الشيطان هو إسرائيل، وكان أي معارض وطني أو مصلح أو ديمقراطي، يتهم حينئذ بأنه عميل للصهيونية ويشنق في أحد الميادين بتهمة العمالة لإسرائيل.
اليوم في هذه الدول التي افتعلت الأزمة الخليجية، فإن التهمة هي العمالة لقطر، وأنا شخصيا حاولت أن أسبر غور هذه الأزمة ولماذا شيطنة قطر؟ ووجدت أن تلك الدول وبكل قذارة فبركت خطابا وهميا لسمو الأمير تميم، واخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية، في تصرف مفضوح وطفولي، وقطر أنكرت وقالت إن هذا “هاكرز” وأن الأمير لم يلقِ هذا الخطاب، وأنا كما قلت في لقاءات سابقة بأنه لدينا في قطر أكثر من 100 سفارة أجنبية، فلو أن الأمير ألقى هذا الخطاب في تخريج دورة الخدمة الوطنية، كما ادعى هؤلاء، لكان كل هؤلاء السفراء على علم به، وأذكر أن أحد السفراء الأجانب قال لي إن حكومته سألته عن هذا الخطاب، فأجابها بأنه لم يسمعه، ولم يكن موجودا.
ونستغرب محاولات تلك الدول لإيجاد تهمة يتقبلها العالم، فلم يجدوا، فاخترعوا هذا الخطاب، وحاولوا تسويقه، وعندما أنكرت قطر ذلك وبشدة، أصروا على الإثم، وعندما استعانت الدوحة بـ”إف بي آي” والأجهزة الأمنية البريطانية، وعندما اكتُشف بأن هذا الاختراق موقعه من أبوظبي، سكتوا وصمتوا ولم يعودوا يرددون سيرة الخطاب، وذهبوا إلى البحث عن تهمة أخرى، وهي تمويل الإرهاب، والعالم لم يقتنع بهذه التهمة أيضا، فالعالم لديه من القدرة، وخاصة الدول الكبرى، على تتبع التمويل وتحويلات الأموال بيسر وسهولة، فلم يجدوا أي تهمة على قطر، بل بالعكس نجد أن الولايات المتحدة وقعت مع قطر اتفاقية لمكافحة تمويل الإرهاب، ووزير خارجية أميركا، ريكس تيلرسون، قال من الدوحة: “على الآخرين الانضمام إلى قطر”.
إدارة الأزمة
– لكن، هل أثرت الأزمة سلباً على قطر؟ وكيف أدارت الدوحة الأزمة على المستوى الاقتصادي من وجهة نظركم؟
• في البداية كان هناك إرباك، لم نكن نتوقع ما حدث أبدا، ولم يكن في الحسبان أن تقوم هذه الدول، خاصة السعودية والإمارات والبحرين، بذلك، لأن مصر ليس لها تأثير في المنطقة، وأُتي بها كضيف شرف، والتي بيننا وبينها (الدول الثلاث) اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي، واتفاقية التبادل التجاري لدول الخليج، فقد أسست قطر منذ 1981 مع الدول الأخرى مجلس التعاون، على أساس 6 دول بينها اتفاقيات اقتصادية وأمنية والمواطنة والتجارة البينية، وأيضا ثمة بند لحل الخلافات، فأي خلاف ينشأ بين دولتين يحال إلى لجنة مختصة لفض المنازعات، لكن كل هذا لم يحترم من قبل الدول الثلاث، وهنا تكمن المشكلة الأساسية.
طبعا في البداية كانت هناك “ربكة” داخل قطر، لأن قطر كانت تستورد احتياجاتها من تلك الدول وتصدر لها، وهناك علاقات وتبادل تجاري، لكن قطر حققت معجزة حقيقية في كيفية التعامل مع هذه الأزمة والتكيف معها خلال أسابيع، واعتقدت تلك الدول بأن هذا الحصار البري والجوي والبحري والتجاري، سوف يضغط على قطر ويخنق المواطنين والمقيمين، ما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد القطري.
“
لم نكن نتوقع ما حدث أبدا، ولم يكن في الحسبان أن تقوم هذه الدول، خاصة السعودية والإمارات والبحرين، بذلك، لأن مصر ليس لها تأثير في المنطقة
“
لكن النتيجة جاءت عكسية، ونحن نقول دائما: شكرا لهذه الأزمة، تعلّمنا الكثير، وقطر يجب ألا تعود كما كانت قبل 5 يونيو/ حزيران 2017، حتى ما بعد تسوية الأزمة، ويجب أن نبني أنفسنا، فإذا كان الإخوة هم من طعنوا فينا في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك، فكيف ستثق بهم في المستقبل، “فسوف تعود حليمة إلى عادتها القديمة”.
ونؤكد بأننا الآن في الطريق الصحيح، نحو تصحيح الوضع الاقتصادي والتجاري، وقد علمتنا الأزمة من هو الصديق ومن هو العدو، وأرى أننا استطعنا بعد الإرباك الذي حصل التكيف مع الحصار، فثمة استثمارات متبادلة وتجارة بينية، قطريون استثمروا في السعودية والإمارات والبحرين، وخاصة في دبي وجبل علي الذي كنا نعتمد عليه كثيرا، الآن انتبهنا أن التنوع مهم جدا، وأيضا التركيز على الخدمات في الدولة سيعطينا ثقة في المستقبل، وهذا ما حصل، تعلمنا الدرس، وتعلمنا أن المشكلة عندما تأتيك من أقرب الناس إليك، فهي مأساة، والصديق الكامن الذي يتحول إلى عدو في ليلة ظلماء، هنا تكمن المشكلة، وقد تعلمنا الدرس وأفشلنا سياساتهم التركيعية. فقد حاولت تلك الدول تركيع قطر، باستخدام أسوأ الوسائل، وتشتيت المواطنين وتفريق العوائل وحرمان الطلبة من إكمال الدراسة، وهذا لم تقدم عليه أية دولة في العالم.
ثمة خلافات سياسية كثيرة في العالم، لكن لا تعود على الشعوب وتصيب العلاقات الاجتماعية والإنسانية والتعليمية والصحية. وظهرت نواياهم الخبيثة جدا في محاولة شيطنة وتركيع دولة قطر، ولكن قطر نجحت نجاحا كبيرا جدا في إدارة الأزمة.
صفقات ضخمة
– بماذا تفسر نجاح قطر في تحقيق إنجازات اقتصادية خلال فترة محدودة من فرض الحصار، مثل توفير السلع والحفاظ على مستوى منخفض من التضخم وإبرام صفقات ضخمة في مجال تصدير الغاز، ودعم استقرار سوق الصرف والحفاظ على قيمة الريال، بل وتحقيق فائض تجاري؟
• قطر ومنذ ارتقاء الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مقاليد الحكم عام 1995، تغيرت بالكامل، حيث كانت دولة صغيرة تقليدية محافظة جدا، تتردد في الذهاب نحو المستقبل، فكانت في مرحلة جمود، الأمير الوالد غيّر كل هذا التفكير، وعمل نقلة موضوعية وكبيرة، بأنه أخذ الدولة إلى المستقبل، وإذا أردنا أن نتحدث عن دور سمو الأمير الوالد، نحتاج كتبا ومجلدات، تحيط بإنجازات “الأمير المجدد”، الذي أخذ هذه الدولة التي كانت منهكة اقتصاديا وتعاني وضعا سيئا حتى من الناحية التعليمية، لمصاف الدول المتقدمة، ولنرى اليوم التقارير الدولية، قطر الأولى في الشفافية على مستوى العالم العربي، والأولى عربيا في مجال التعليم والرابعة عالميا.
قطر تقدمت في مختلف المجالات، واستطاعت أن تفرض احترامها على العالم، وبيانات قطر في التنمية والصحة والتعليم وغيرها من المجالات، جعلتها الدولة السباقة والأولى في الشرق الأوسط والعالم العربي، وهذا يدل على أن قطر نجحت في سياساتها المتعددة، سواء في التعليم أو الصحة، وأصبحت واحدة من أعلى الدول نمواً اقتصادياً في العالم العربي.
صفقات غاز جديدة
– حاولت دول الحصار التأثير على صادرات قطر من الطاقة، لكن الدوحة نجحت في كسر الحصار المفروض عليها وتوسعت في صادراتها، خاصة من الغاز، كيف تحقق ذلك؟
• هذا جزء من الخطة التي وضعت في عهد سمو الأمير الوالد، والذي بكل فخر كلفني بحقيبة وزارة الطاقة والصناعة منذ عام 1992، وكانت قطر تنتج نحو 350 ألف برميل يوميا، وكانت أسعار النفط ما دون 10 دولارات للبرميل، وكانت تواجه أزمة مالية كبيرة جدا، لدرجة أنها لم تتمكن من السيطرة على الموازنة العامة، والتي كانت تعاني من عجز كبير، لكن سمو الأمير الوالد أعطانا توجيهات عامة، وفي ذلك الوقت كانت قطر تملك أكبر حقل للغاز في العالم، تم اكتشافه سنة 1971، وشكل اكتشافه صدمة، كونه غازا وليس بترولا، إذ لم تكن للغاز قيمة كبيرة، آنذاك.
وشركة شل هي التي اكتشفت حقل الشمال، وكانت توقعاتها بأن يكون الحقل بترولا، فلما ظهر غازا كان صدمة كبيرة لشركة شل ولقطر معا، وشل أرجعت الامتياز للدولة، وقالت إن هذا الغاز ليس له أهمية، وخرجت من المشروع، واستمر الوضع نحو 20 عاما، إلى أن أتت الشركة في فترة التسعينيات، بعد أن ظهرت أهمية الغاز وخاصة المسال منه، غاز “LNG” المسال، بدأ في آسيا منذ نهاية الستينيات فقط، في اليابان ثم كوريا.