الدوحة – بزنس كلاس:
ما زالت تداعيات الحصار الإنسانية تحديداً تجد صداها في نواحي مختلفة من أوجه حياة القطريين لا سيما الطلبة الجامعيين. فبحضور جمهور كبير من الطالبات ولفيف من الأكاديميين أقام قسم العلوم النفسية بـ كلية التربية جامعة قطر أمس، حلقة نقاشية بعنوان «فضاءات مفتوحة وحوارات نفسية» بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، تحدث فيها الأستاذ عبدالله بن حمد العذبة رئيس تحرير «العرب»، والدكتور يوسف حسن من برنامج علم النفس بقسم العلوم الاجتماعية بكلية الآداب والعلوم جامعة قطر، وأدارت الحلقة النقاشية الدكتورة أسماء العطية رئيسة قسم العلوم النفسية بكلية التربية جامعة قطر.
وأثارت المادة المقدمة من قبل المتحدثين عدداً كبيراً من الأسئلة حول الآثار النفسية لموضوع الحصار، وكشف مستوى الأسئلة المطروحة من قبل الحضور دور الجامعات والمنابر الأكاديمية في بلورة أسئلة وقضايا المجتمع.
وقال الأستاذ عبدالله بن حمد العذبة إن الحصار بدأ بقرصنة وكالة الأنباء القطرية، وتم بث خطاب منسوب لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وتبع هذه القرصنة هجوم ممنهج رغم التوضيح الذي صدر سريعاً من قبل قطر بخصوص واقعة الاختراق، مشيراً إلى أن دول الحصار هدفت لإحداث شلل من خلال الخطوات التي اتبعتها ،مراهنة على تغيير الحكم في قطر خلال 48 ساعة، عبر إحداث صدمة نفسية بقطع المواد الغذائية وبقية الاحتياجات.
وأضاف العذبة أن النخبة السعودية رفضت الحملة الممنهجة على قطر خلال الأيام الأولى، ولكن لاحظنا أنهم أزالوا التغريدات المتعلقة بهذا الموقف لاحقاً بعد ضغوطات مورست عليهم، ومن ثم انتقلت دول الحصار لخطاب نفسي جديد، فحواه أن قطر ظلت تتآمر عليهم منذ 20 عاماً، والمقصود منذ أن تولى صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم، وانتهج خطاً مستقلاً لقطر على كافة الأصعدة، ومن بينها السياسة الخارجية.
وأكد العذبة ضعف هذه الحجة، ولا سيما أن خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز استقبل قبل فترة وجيزة من إعلان الحصار في الدوحة باستقبال حافل لم يحدث لأي من زعماء المنطقة، كما أن موقف حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى كان واضحاً، وقد أعطاهم الدعم الكامل في كافة الملفات المتعلقة بالمنطقة، ولم يجدوا ذريعة إلا العودة إلى تاريخ قديم، واختلاق مواقف، واقتطاع أحاديث تاريخية وفبركتها حتى تخدم خططهم.
وأوضح العذبة أن الإجراءات التي اتخذتها دول الحصار من إعلان لإغلاق الحدود، والطلب من مواطنيها في قطر العودة خلال 14 يوماً، إضافة لطرد المواطنين القطريين المقيمين في أراضيها هي محاولة منهم لإرسال رسائل نفسية تفيد بأن المنطقة مقبلة على حرب، وبالتالي يمكن إحداث زعزعة في قطر، ومن ثم التدخل عبر درع الجزيرة، إلا أن دول الحصار فوجئت بتماسك الجبهة الدخلية، فالبلد صغير ومترابط، وهنالك تواصل مستمر بين القيادة والشعب.
وقال العذبة إن الحصار استهدف إحداث هزة وسط المقيمين، ودفعهم لمغادرة البلاد إلا أن رد الفعل جاء عكسياً، حيث فضل عدد من المقيمين قضاء عطلاتهم السنوية في قطر، وفاءً للبلاد التي يعيشون بها، وأوضح أن تماسك الجبهة الداخلية في قطر سبب صدمة كبيرة لدول الحصار فانتقلت إلى خطط أخرى، مثل استخدام القبائل وضرب النسيج الاجتماعي وقطع الأرحام.
وفي رده على أسئلة الطالبات أكد العذبة على الدور الكبير الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في إفشال الحصار عبر نقلها الصور والأحداث والوقائع، في ظل التعتيم الكبير الذي قامت به دول الحصار على أبناء شعوبها، ومن بين ذلك حجبها لوسائل الإعلام القطرية، وأشاد العذبة بموقف بنات قطر اللائي لعبن دوراً كبيراً في إيصال صوت قطر إلى العالم أجمع عبر اللغة الإنجليزية، لافتاً إلى أن هذا الجهد خدم الموقف القطري بصورة كبيرة إذ لا يكفي أن تكون على حق، ولكنك مطالب بتوضيح موقفك لكل العالم.
ونصح العذبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالتركيز على قضية قطر وعدم الالتفات للإساءات التي يكتبها البعض عبر أرقام مزيفة، لافتاً إلى أن هذا تكنيك يعرفه مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي، ويهدف إلى تشتيت الخصم وصرفه عن طرحه بالانجرار إلى الردود الجانبية حتى تضيع القضية الأساسية.
وعن تأثير الحصار على رؤية قطر 2030، أكد العذبة أن الحصار سيؤثر على هذه الرؤية التي راهنت فيها قطر على دول مجلس التعاون بصورة أساسية، مشيراً إلى أن الأزمة كشفت الوضع الذي يعيشه مجلس التعاون.
وعن الفترة الزمنية المتوقعة لانتهاء الحصار قال إنه لا يمكن التكهن بنهايته، لأن إنهاء الحصار مرتبط برؤية صانع القرار في الدول المحاصرة خصوصاً السعودية والإمارات.
وأكد العذبة أنه لا توجد طريقة لتفادي الحرب الإعلامية مع دول الحصار لأنها حرب، ومعلنة وموجهة، ولكن يمكن التعامل معها وتخفيف الخسائر التي تخلفها، لافتاً إلى أن دول الحصار تجاوزت عدداً من الخطوط الحمراء، وكسرت تابوهات خليجية عبر خطابها الإعلامي، وإنتاجها لأعمال درامية تهاجم فيها قيادات قطرية، وهي سابقة خليجية بكل المقاييس.
وأشار العذبة إلى أن المطالبة بإعادة التصويت على مونديال 2022 هو جزء من الحرب النفسية على أبناء قطر، معرباً عن تفاؤله بمضي الأمور كما هو مخطط لها في هذا الملف.
حسن: دور كبير للجامعة في دراسة آثار الأزمة
قال الدكتور يوسف حسن إن تأثير الصدمة يكون عادة كبيراً في البداية، ثم يبدأ في التراجع مع مرور الوقت، لأن الإنسان يمتلك قدرة على التكيف والتعامل مع المستجدات التي تطرأ على حياته، مشيراً في هذا السياق إلى اللحمة الكبيرة بين فئات المجتمع إبان الأزمة الأخيرة.
وأضاف حسن أن كثيراً من القيم والعادات تتراجع بفعل الحداثة، ولكن يتم استدعاؤها حال تعرض المجتمع لأي تحدٍ، وهذا بالضبط ما حدث في الحصار الأخير.
وأكد أن جامعة قطر تقوم بدور مقدر في دراسة آثار الحصار من جميع الجوانب، مشيراً إلى أن مثل هذه الورش واللقاءات المفتوحة تبلور الرؤى حول الملفات التي يجب دراستها، مشيراً إلى أن موضوع الحصار سيجد اهتماماً كبيراً، وقد يتبلور في صورة مقررات دراسية حال موافقة الجهات المعنية في الجامعة.
وعن مسؤولية الكلمة قال حسن إن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو الكلام، وأن الإنسان وحده هو القادر على إطلاق الكلمة، بينما الحيوانات تصدر أصواتاً فقط، وحتى الببغاء يردد الكلمات ولا ينتجها، ولفت إلى أن هناك عدة عوامل تؤدي إلى فهم الكلمات بين المرسل والمستقبل، وهناك ما يشبه الفلتر الأخلاقي لدى المستقبل حتى يتمكن من الرد والإجابة.
وأضاف أن الكلام الإيجابي يصدر بالضرورة من شخص إيجابي، وكذلك الكلام السلبي، مشيراً إلى عدة طرق يتبعها من يستمع للكلام السلبي مثل القول بأن هذا الكلام عام، ولا أقصد به أنا تحديداً، أو أن يقول البعض هذا الكلام لا يؤثر علي لأنني لم أوافق عليه.