باريس – وكالات – بزنس كلاس:
نوهت الصحافة الفرنسية الصادرة أمس إلى الإجراءات التي اتخذتها قطر منذ اللحظات الأولى من الحصار الجائر على الدولة والذي تم فَرْضه من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين من خلال إغلاق المنفذ البري والجوي أمام الطيران القطري.
وتحدثت الصحافة الفرنسية ومن بينها صحيفة «شالنج» من خلال مقال للكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية العربية يونس بلفلاح عن «أزمة الخليج: حصار قطر.. خسائر للسعودية والإمارات»، حيث تطرق إلى أبرز الإجراءات التي اتخذتها دولة قطر لمواجهة الحصار الاقتصادي والدبلوماسي منذ منتصف العام الماضي، حيث استعرض الكاتب في مقاله أهم قرار تم اتخاذه العام الجاري والمتمثل أساسا في مشروع القانون الذي تقدمت به وزارة الاقتصاد والتجارة والذي يتيح للأجانب التملك بنسبة 100% في معظم القطاعات الاقتصادية.
وأعلنت قطر في الرابع من شهر يناير الجاري، عن السماح للمستثمر الأجنبي بالتملك بنسبة 100% في معظم القطاعات الاقتصادية، حيث أعلن سعادة الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني وزير الاقتصاد والتجارة أن مشروع هذا القانون سيدعم بشكل كبير التدفقات النقدية من خلال استقطاب رؤوس أموال جديدة بما يدفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام ويرفع مستوى دولة قطر في جميع المؤشرات العالمية، منها مؤشر سهولة الأعمال والتنافسية والشفافية وغيرها من المؤشرات.
ويوفر مشروع قانون تنظيم الاستثمار الأجنبي جملة من الحوافز تشمل تخصيص أراض للمستثمر لإقامة مشروعه الاستثماري من خلال الانتفاع أو الإيجار، والسماح باستيراد الآلات والمعدات لإنشاء المشروع أو تشغيله أو التوسع فيه، وإعفائه من ضريبة الدخل، إضافة إلى إعفاء المشروع في مجال الصناعة من الرسوم الجمركية على مستوردات المواد الأولية والمصنعة جزئيا التي لا تتوفر بالأسواق المحلية.
مواصلة النمو
ويتوقع أن تواصل قطر خلال العام الجاري تحقيق مستويات نمو عالية وسريعة مقارنة بدول المنطقة رغم الحصار الجائر المفروض عليها، ووفقا لصندوق النقد الدولي فإنه يتوقع أن تتجاوز نسبة نمو الاقتصاد القطري العام الجاري 3.1%، مقارنة بالمستويات المتوقعة في المنطقة بشكل عام والتي تصل إلى مستوى 2.8% بنهاية العام الجاري.
كما أن البنك الدولي نوه في تقريره حول الآفاق الاقتصادية إلى نجاعة القرارات والإجراءات الاقتصادية التي تم اتخاذها بسرعة من قبل الدولة التي ساهمت إلى حد كبير في تعزيز مكانة الاقتصاد الوطني إلى أبعد الحدود، حيث قال التقرير إن «التدخل الحكومي السريع ساهم في حماية النظام المصرفي والمالي في الدولة من أي تأثيرات للحصار مع المحافظة على تمويل المشاريع الكبرى في الدولة بما فيها مشاريع كأس العالم 2022»، متوقعا مستويات نمو عالية للاقتصاد القطري مقارنة بالأعوام الماضية.
التنويع الاقتصادي
وأشادت مجموعة أكسفورد العالمية بسلامة وقوة الإجراءات التي تم اتخاذها مما ساهم في تحفيز إستراتيجية التنويع الاقتصادي التي تطبقها الدولة، كما أدى إلى سلسلة من الإيجابيات طويلة الأجل، وأضافت «أكسفورد» أن قطر نجحت في كسر الحصار من خلال فتح خطوط بحرية تجارية جديدة لتوفير السلع والخدمات إضافة إلى الإجراءات المالية والمصرفية التي تم اتخاذها بما ساهم في تعزيز الاستقرار المالي في الدولة وخلق مناخا من الثقة والارتياح لدى المستثمر المحلي والأجنبي، وهو ما انعكس على عودة رؤوس الأموال التابعة للقطاع الخاص سواء المحليين أو الأجانب إلى الإيداع وبقوة في النظام المصرفي القطري، حيث تم خلال 30 يوما الأخيرة من العام الماضي إيداع ما لا يقل عن 15 مليار ريال لدى البنوك والمصارف الإسلامية العاملة في الدولة.
وشدد يونس بلفلاح على أن قطر قامت في وقت وجيز باختراع نموذجها الاقتصادي، مشيرا إلى أن السماح بتملك الأجانب بنسبة 100% في معظم القطاعات الاقتصادية، هو إجراء يندرج ضمن ترسانة ضخمة من الإجراءات الاقتصادية التي اعتمدتها دولة قطر الغنية بالغاز من أجل تنويع الاقتصاد، مشيرا في مقاله إلى أن دولة قطر منذ اللحظة الأولى للحصار رفعت شعار تحقيق الاكتفاء الذاتي، والذي تجسد من خلال العديد من المبادرات وفي مقدمتها مبادرة شركة «بلدنا» التي أعلنت عن استيرادها لـ 4000 بقرة جوا بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الألبان ومشتقاتها.
انعكاسات الحصار
وألمح المقال إلى أن القليل من المحللين تحدثوا عن انعكاسات الحصار على «رباعي الحصار» وتحديدا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث أوضحت الصحيفة أن الحصار تسبب في خسائر للاقتصادين السعودي والإماراتي.
وقالت الصحيفة إن أكثر من 300 شركة سعودية تعمل في السوق القطري، قد وقعت ضحية للحصار بعد توقف أعمالها وتهافت العديد من الشركات على السوق المحلي القطري وخاصة الشركات التركية التي وجدت فرصة استثمارية في دولة قطر، وتحديدا في مجال المواد الغذائية.
وأوضح الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية العربية يونس بلفلاح أن الاقتصاد السعودي لم يكن في حاجة إلى خسائر اقتصادية جديدة في ظل الخسائر التي حققها في وقت سابق نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط، وفي وقت لم تتضح فيه معالم رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية إلى جانب أن المشروع المستقبلي «نيوم» ما زال تحت رمال السعودية ولم تظهر بوادره بعد، وأشار إلى التحول الصعب الذي يواجهه الاقتصاد السعودي ليصبح أكثر انفتاحا وشفافية، وهو ما يعكسه التشويش الحاصل على إدراج 5% من أسهم شركة أرامكو السعودية.
ومضى قائلا: «إن العجز الذي يساوي 17.3% من الناتج المحلي السعودي عام 2016، يشير إلى حجم الركود في الاقتصاد السعودي في 2017، وحتى إن كانت الشيكات التي تم توقيعها من قبل الأمراء المسجونين قد تدعم ميزانية المملكة، فإن ذلك لن يشكل عاملا مطمئنا للمستثمرين والشركات الأجنبية».
ربط القارات
ونقلت الصحيفة الفرنسية: «حتى تكون المملكة العربية السعودية مجمعا يربط القارات ومركزا تجاريا عالميا مثلما تروج له المملكة ويؤخذ ذلك على محمل الجد، فعليها القيام بتهدئة إقليمية في المنطقة، والابتعاد عن خلق حالة عدم يقين مثلما تفعل في اليمن والحصار على قطر وما قامت به مع لبنان مؤخرا». ورغم أن صندوق النقد توقع نمو اقتصاد المملكة بـ 1.6% إلا أنه يبقى أقل مستوى في المنطقة، خاصة أنه سيواجه العديد من التحديات خلال العام الجاري، منها ارتفاع معدل التضخم بنسبة 6% وهو ما يعني عملياً غلاء المعيشة، في ظل ارتفاع معدل البطالة إلى مستوى 13%. ويجمع الخبراء على أن الاقتصاد السعودي سيكون في مواجهة 4 تحديات رئيسية، وهي تمويل عجز الموازنة البالغ أكثر من 192 مليار ريال سعودي، وضعف النمو الاقتصادي، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري تحت وطأة حرب اليمن التي تكلفه شهرياً نحو 60 مليون دولار.
أزمة الأشقاء
وقالت الصحيفة إنه على غرار الشركات السعودية فإن العديد من الشركات الإماراتية تأثرت نتيجة الحصار، وخاصة الشركات العاملة في إمارة دبي، مثل شركة دريك آند سكل التي فقدت أكثر من 10% من قيمتها في السوق.
ويذكر أن الشركة لديها نحو 136 مليون دولار من المشاريع في قطر، وعقد بقيمة 343 مليون درهم لبناء المرحلة الأولى من مترو الدوحة المقرر أن يكتمل بحلول عام 2020.
كما قالت إن العديد من المؤسسات المالية والبنوك وفي مقدمتها بنك أبوظبي وبنك الإمارات وبنك دبي، تعاني من مشاكل تمويل نتيجة للصورة السلبية التي تكونت نتيجة الحصار الذي فرضته الإمارات على دولة قطر، مؤكدة أن ذلك أثر على مصداقية البنوك الإماراتية وثقة المستثمرين فيها.
وكانت وكالة بلومبرج أشارت في وقت سابق من العام الماضي إلى أن «فيرست أبوظبي» وبنك الإمارات دبي الوطني سيواجهان تباطؤًا في مشاريع الأعمال القادمة من قطر، قد تصيب النتائج الودائع والقروض، وذلك أن العملاء القطريين أو المقيمين في قطر قد يسحبون الودائع من هذين المصرفين، نتيجة عدم اليقين حول القرارات الحكومية بشأن تجميد الحسابات وما إلى ذلك.
تعنت أبوظبي
وأوضح الكاتب أن إمارة أبوظبي تفرض خطها الدبلوماسي والأمني على باقي الإمارات وهو ما قد يتسبب في أضرار على تلك الإمارات وتابع قائلا: «إذا كان الجانب الأمني يميز أبوظبي فإن الأعمال والتجارة تميز دبي». مستشهدا بتعليق للباحثة كليمنت ثيرم التي قالت إن كل ما يميز أبوظبي أمنيا وسياسيا قد يعرض النموذج الاقتصادي لدبي إلى الخطر. وذكر المقال توقعات صندوق النقد الدولي بالتأثيرات التي قد تطال مستويات النمو في المنطقة في حال استمرار الأزمة إلى مدى أطول مما عليه الآن، في وقت تحتاج فيه اقتصادات الخليج إلى العمل على التنويع بعيدا عن الطاقة.
مشددا على أن الحصار المفروض على دولة قطر لا يخدم المصالح الاقتصادية لدول الخليج.
وأوضح يونس بلفلاح أن خسائر الحصار لم تقف عند المستوى الاقتصادي، بل تخطته إلى الجانب السياسي، حيث عجز مجلس التعاون الخليجي عن حل الأزمة، واختتم مقاله متسائلا: كيف تدعي الرياض أنها تسعى لأن تكون قطبا مجمعا للقارات ومركزا عالميا للتجارة وجارها (قطر) لا يستطيع أن يقيم معها علاقات تجارية؟ ومن المؤكد أن هذا الحصار لا يخدم أحدا، وتحديدا دول الحصار الأربعة.