الشرق.. كيف كسرت الدوحة شوكة الحصار

الدوحة – بزنس كلاس:

لا يختلف إثنان اليوم على أن الحصار الجائر الذي حاولت فرضه السعودية والإمارات والبحرين ومصر على دولة قطر قد شبع فشلاً ولم يعد له آثار تذكر على أي من وجوه الحياة القطرية. ولم يأت فشل هذا الحصار فقط من الأسباب غير المنطقية له وعجز المحاصرين على حمل بقية العالم للاقتناع بأحقيته، بل فشل أولاً نتيجة إرادة ولإدارة الدوحة للأزمة بمهارة وحكمة وقدرتها الكبيرة على تفعيل خطط الطوارئ باسرع وقت ما وضع المحاصرين في نهاية المطاف في دائرة ياس وباتوا يبحثون عمن يساعدهم بالنزول عن الشجرة العالية التي صعدوا عليها.

وفي هذا السياق، أكد مركز تحليلات دول الخليج أن الدول الآسيوية ذات الاقتصاديات النشطة والسريعة النمو تولي أهمية قصوى للعلاقات مع قطر، باعتبارها من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية التي وضعتها تلك الدول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية في علاقاتها مع الدوحة. وأكد التقرير أن علاقات قطر مع تلك الدول كان سببا رئيسيا في إفشال محاولات دول الحصار لعزل قطر.

وأوضح المركز أن دول الحصار لم تجد أي تعاطف مع حملاتها ضد قطر في بكين وطوكيو وسول وجميع العواصم الآسيوية تقريباً. وترى تلك الدول أن أزمة دول مجلس التعاون الخليجي تشكل تهديداً لمصالحهم الخاصة، ولأسباب عديدة، ولذلك انضموا إلى المجتمع الدولي في دعم الوساطة الكويتية في تسوية النزاع الخليجي.
ولتعزيز التعاون مع الدول الآسيوية، قام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بجولة آسيوية شملت ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا في أكتوبر الماضي، وهذه الدول نشطة للغاية في القدرات الاقتصادية، وعملت هذه الاستراتيجية على تقويض قدرة دول الحصار على عزل الدوحة عالمياً.
ونبه تقرير المركز إلى أن العلاقات القطرية الصينية عكست إلى حد كبير قدرة الدوحة على الحفاظ على وضع قوي في مواجهة دول الحصار، كما ظلت بكين على الحياد خلال أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى عمق العلاقات على كافة المستويات. وعلى هذا النحو، سعت الصين إلى تحقيق التوازن بين التجارة بين البلدين والاستفادة من رغبة الدوحة في تنويع مصادر الأسلحة لديها، حيث عقدت قطر صفقات عسكرية وأمنية مع بكين.


العلاقة مع الصين
علاوة على ذلك، تكشفت علاقة بكين مع الدوحة عن قوة وتنامي في الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها الصين في السنوات الأخيرة. فمنذ عام 2013، وقّعت الحكومتان العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، بما في ذلك الطيران والتجارة والبنية التحتية والاستثمار والاتصالات والعملة. كما عززت بكين من تلك العلاقة الوثيقة من بوابة الغاز الطبيعي المسال من قطر التي هي من أكبر المنتج والمصدرين للغاز الطبيعي المسال في العالم.
ويساعد دور قطر في مبادرة طريق الحرير الطموح الذي تسعى الصين إلى تأسيسه كمركز للتجارة العالمية في القرن الحادي والعشرين، في تفسير الدعم القوي الذي قدمته بكين للدوحة، على الرغم من موقفها المحايد بشكل عام خلال الفترة الماضية. كما لعبت الدوحة دوراً دبلوماسياً مهماً على مر السنين في حل العديد من النزاعات في الشرق الأوسط وأفريقيا. وبالنظر إلى أن عدم الاستقرار الجيوسياسي في أي جزء من دول المبادرة يهدد نجاح المشروع برمته، ولذلك فإن بكين لديها حافز كبير لمساعدة قطر على تعزيز دور الوساطة والاستقرار الإقليمي بشكل عام.
طوكيو محطة مهمة
وحول اليابان، أوضح التقرير أنها بلد آسيوي هام من حيث السياسة الخارجية لما بعد الحصار في قطر. وأشار إلى أن العلاقات اليابانية – القطرية تأسست رسمياً في عام 1972 وتعززت خلال التسعينات عندما كانت اليابان لاعباً محورياً في تطوير قطاع الغاز الطبيعي المسال المزدهر في قطر، وكنت تلك العلاقات المتميزة دافعا مهما في فترة الحصار، باعتبار المصالح التي تربط البلدين، حيث تمد قطر اليابان بالغاز الطبيعي المسال.
وأشار التقرير أن قطر جعلت نفسها بلدا مهما بالنسبة إلى اليابان بطرق أخرى. فعلى سبيل المثال، في أعقاب كارثة فوكوشيما 2010، شكل القطريون صندوق الصداقة القطري، الذي ساهم بمبلغ 100 مليون دولار لمشاريع ساعدت اليابان على التعامل مع آثار المأساة. وفي الوقت نفسه، افتتح المسؤولون في الدوحة مؤسسة قطر للعلوم في مدينة سينداي ومنتزه قطر الرياضي في شيراكاوا. وأكد كلا المشروعين قدرة الدوحة على الاستفادة من الموارد المالية لكسب الأهمية داخل البلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان ذات الاقتصاديات الأكبر والأكثر أهمية.
وأكد التقرير أن قطر ظلت قادرة على الوفاء بالتزاماتها خلال الحصار من خلال الاستمرار في تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان وكوريا الجنوبية والأسواق الآسيوية الأخرى، مما أدى إلى إحباط هدف واضح من جانب دول الحصار، مشددا على أن العلاقة العميقة بين الدوحة وطوكيو كانت عاملاً بالغ الأهمية في استراتيجية قطر للاستمرار طويلا في مواجهة تداعيات الحصار.

الدكتور العطية خلال مباحثات سابقة بين قطر وسنغافورة بالدوحة

الهند نموذج للتعاون
وتابع التقرير بالقول، إن قدرة قطر على أن تظل دولة آمنة تعود كذلك إلى حد كبير إلى شراكة الدوحة مع الهند، وهي دولة من المقرر أن تلعب دوراً محورياً في السياسة الخارجية لقطر بعد الحصار. ومع تحدي المناخ الصحراوي في قطر الذي منعها من التوسع في الإنتاج الزراعي المحلي، ظلت الدوحة تعتمد على الواردات الغذائية، وهو ما وفرته الهند وغيرها من الدول. وبعد الحصار تمكن الدوحة من توسيع علاقاتها مع الهند وإيران وتركيا وعمان والكويت وغيرها من دول العالم. كما نجحت قطر في إعادة هيكلة خطوط استيراد الغذاء بسرعة كافية لتجنب أي من هذه الأزمات، حتى قبل أزمة قطر، ساعدت الهند القطريين في جهودهم الرامية إلى تنمية إنتاجهم الزراعي المحلي من خلال المشاريع التجارية والاستثمارية المشتركة. قبل خمس سنوات، قامت قطر باستثمار بقيمة 500 مليون دولار أمريكي في شركة بوش فودز أوفرسيز، وهي شركة منتجة للأرز ومقرها نيودلهي، وتحولت قطر إلى الهند للحصول على المساعدة في زيادة نمو الثروة الحيوانية والمحاصيل في قطر.
مواجهة الحصار
وأضاف التقرير أن قرار الهند بمساعدة الدوحة على التغلب على التأثير السلبي للحصار على واردات الأغذية القطرية يتناسب مع سياق العلاقات الهندية القطرية التي كانت مهمة لكلا البلدين. ومثلما جعلت قطر نفسها مهمة بالنسبة للصين واليابان من وجهة نظر الطاقة، فإن هذه هي الحالة أيضًا بالنسبة للهند، التي تعد ثالث الوجهات الرئيسية لصادرات قطر. ومع نمو الاقتصاد الهندي، يفهم المسؤولون في نيودلهي أن الانضمام إلى موقف دول الحصار سيؤدي إلى تقويض مصالحها الأساسية بشدة.

السابق
تحذير من أمطار رعدية
التالي
أنظمة الملاحة.. اتفاقية تعاون بين قطر و HERE Global الهولندية