السوق الخليجية المشتركة.. تبدد الأحلام

الدوحة -وكالات:

وجه الحصار الجائر الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ضربة قاصمة للوحدة الخليجية منهياً حلم السوق الخليجية المشتركة و العملة الخليجية الموحدة و الاتحاد النقدي الخليجي في تحطيم لآمال وأحلام الشعوب الخليجية في الماضي والحاضر والمستقبل. فقد حولت دول الحصار فجأة هذه الأحلام والآمال إلى أوهام وسراب، بل إنها أصبحت حالياً من رابع المستحيلات مع الثلاثة الأخرى.. «الغول والعنقاء والخل الوفي». ولعل الحديث عن هذه الأحلام مثل الذي يكسر كوباً من الماء، فلا صاحبه قد استفاد من الكوب أو شرب الماء، وإنما أهدره ليكسر قلوب الشعوب الخليجية التي كثيراً ما اتجهت قبلتها إلى هذه الآمال، وسط عالم لا يعرف إلا المصالح.
السوق الخليجية المشتركة انطلقت دعواتها منذ أكثر من 30 عاماً، مع انطلاق مجلس التعاون الخليجي، وطوال هذه الفترة وقطر عازمة على تحقيقها، ولم تؤل جهداً عن اتخاذ كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف، بل إنها فضلت هذه السوق المزعومة على تحالفات أخرى كانت تحقق مصالحها، ولكن العمل الخليجي المشترك والوحدة الخليجية كانا شعار قطر الدائم في التعامل مع القضايا المختلفة.
المنظومة الفاشلة
«السوق الخليجية المشتركة انتهت إلى غير رجعة».. هذه المقولة يبدأ بها أحمد الخلف رجل الأعمال والخبير الاقتصادي كلامه مع «العرب»، بل إنه يصفها بالمنظومة الفاشلة التي حاولت قطر إصلاحها بشتي الطرق وبالعمل الجاد، ولكن دول الحصار هدمتها في أقل من ساعة زمن! ويقول الخلف: «30 سنة من العمل الخليجي انهارت في يوم وليلة واحدة مع الأسف الشديد، فالسوق الخليجية المشتركة كانت النواة للسوق العربية الكبرى، حلم الشعوب في الوطن العربي كله، ولكن «الإخوان في الخليج» كان لهم رأي آخر، وأصبحوا مثل شمشون الذي هدم المعبد على نفسه وعلى أصحابه تحت شعار «عليّ وعلى أعدائي».
ويضيف الخلف: «رب ضارة نافعة.. قالها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وكانت أبلغ توصيف للوضع الحالي في قطر. فمنذ 30 عاماً ونحن نستورد ونتعامل مع دول الحصار بدون مشاكل، رغم أنه أحياناً يكون هذا التعامل في غير مصالحنا، ولكننا نحافظ على هويتنا الخليجية ونسعى إلى دعم كل ما هو خليجي وعربي، والآن الوضع تغير فالأزمة خلقت وأطلقت العنان للطاقات القطرية، وفتحت الأبواب أمام مجالات عديدة لم نكن ندركها من قبل، أهمها الاعتماد على الذات حتى لا نكون عرضة لأية مشكلة غذائية أو صناعية أو تجارية، والدليل على ذلك ما يحدث حالياً فقد نجحت قطر في توفير احتياجاتها الغذائية كافة خلال فترة قصيرة وبأسعار أقل من دول الحصار وجودة أعلى». ويوضح الخلف أن السوق الخليجية المشتركة انتهت تماماً وأصبحت مثل الكوب المكسور من المستحيل إعادته لما كان عليه، بل إن الوضع الحالي أفضل لقطر؛ حيث أصبح لديها أسواق عديدة تتعامل معها وبأسعار تفضيلية. ويضيف أنه بدلاً من الاعتماد على أحلام تحولت إلى أوهام، بدأت قطر في تنفيذ رؤية جديدة شعارها الاعتماد على الذات وفتح مجالات جديدة للاستثمار، سواء رؤوس الأموال المحلية أو الأجنبية، خاصة في الصناعات الغذائية وصناعات مواد البناء وغيرها التي كانت تعتمد على دول الحصار الخليجية، فالمجال مفتوح حالياً للاستثمار في هذه القطاعات الحيوية والدولة تدعمها من خلال الحوافز والمزايا التي تقدمها.
التوسع في الصناعات
ويشير الخلف إلى أن المستفيد الأول من التعامل في الماضي كانت دول الخليج التي يتم الاستيراد منها لتغطية السوق المحلي، أما الآن فالأزمة خلقت وضعاً جديداً يتطلب التوسع في الصناعات المختلفة، مما يساهم في زيادة الانتعاش في السوق ويضع قطر في مركز إعادة تصدير في المنطقة كلها، فالدولة توفر البنية الأساسية والمقومات اللازمة لذلك، ومنها شبكة الطرق والمواصلات والموانئ والمطارات التي توفر نقل السلع إلى دول المنطقة، مع التركيز على دول آسيا وشرق إفريقيا. ويتوقع الخلف قيام صناعات جديدة للقطاع الخاص خلال الفترة القادمة، لتحقق التنوع الاقتصادي وتلبية الاحتياجات مع خلق صناعات قطرية قادرة على المنافسة العالمية، بعيداً عن شعارات السوق الخليجية المشتركة التي ثبت على مر الأيام أنها شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.
حبر على ورق
يتفق السيد عبد العزيز العمادي، نائب رئيس غرفة تجارة قطر الأسبق، مع الرأي السابق ويصف السوق الخليجية المشتركة بأنها «وهم» وحبر على ورق. ويضيف: «بعد 30 عاماً رجعنا للخلف خطوات، ولم نسر إلى الأمام أو نتخذ خطوات فعلية لتحقيق هذا الهدف، ولعل قطر أكبر دولة لم تستفد من أية اتفاقيات تجارية مع دول الخليج، وكانت الاستفادة الكبرى للدول التي حاصرتها» ويتساءل العمادي: «ماذا استفدنا من هذه الأوهام؟ لا شيء سوى التقيد بالقوانين واللوائح العقيمة التي كانت سبباً في الكثير من الخسائر الاقتصادية لقطر، والاعتماد على الغير في توفير الكثير من الاحتياجات».
ويضيف: «إن البدائل التي اتبعتها قطر كانت أفضل من خلال شبكة الدول التي تم التعامل معها، والتي وفرت السلع في السوق بأسعار أقل من دول الجوار، أي أن الأزمة ساهمت في حل مشكلة الاعتماد على مورد واحد للسلع الغذائية واستيرادها، وأصبح السوق يعج بالكثير من منتجات الدول».
ويؤكد العمادي أن تجربة بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي خير دليل على أهمية الخروج من الوهم والسراب المسمى بالسوق الخليجية المشتركة وغيرها من أوهام العملة الخليجية الموحدة والاتحاد النقدي الخليجي، والتي باتت بعيدة عن الواقع الذي نعيشه حالياً، وأثبتت عدم جدواها للشعوب الخليجية، ومنها الشعب القطري الذي ظل طوال 30 عاماً ينتظر أحلاما لا تتحقق.
ويؤكد العمادي على أنه من المستبعد حالياً على الإطلاق الدعوة إلى قيام هذه السوق أو اتخاذ أية خطوات نحو تفعيلها، لأنها ببساطة لا تعبر عن مصالح الشعوب في دول الخليج، وإنما تعبر عن أدوات يستغلها البعض لتحقيق مصالح خاصة بعيدة كل البعد عن واقع الشعوب الخليجية.
ويوضح أن الخيارات أصبحت متعددة أمام قطر، وفي مقدمتها قيام صناعات جديدة تضيف إلى الاقتصاد القطري وتساهم في التنمية وتخلق فرص عمل جديدة، خاصة أن الدولة تدعم هذا التوجه وتمنح مزايا وتسهيلات للاستثمارات المحلية والأجنبية. ويشدد على أن القطاع الخاص القطري قادر على القيام بهذه المهمة وخلق صناعات جديدة تلبي احتياجات السوق والتصدير إلى الخارج؛ فالسوق الخليجية المشتركة وجودها مثل عدمها، لن تضيف شيئاً إلى الاقتصاد القطري، ومن الأفضل التعاون والتكامل مع دول حليفة رفضت هذا الحصار وقدمت الدعم لدول قطر ضد هذا العدوان الغاشم.
مصير غامض لمجلس التعاون
بدوره يشدد السيد محمد السعدي رجل الأعمال على فشل جميع أهداف مجلس التعاون، ومنها السوق الخليجية المشتركة والعملة الموحدة، والتي أصبحت أحاديث من الماضي بعد الأزمة الحالية والحصار على قطر، فالخطط والاتفاقيات مستمرة منذ 30 عاماً، ولكن لا تُطبق على أرض الواقع، ومنها الوحدة النقدية والاتحاد الجمركي والبنك المركزي الموحد وغيرها من الاتفاقيات التي حولتها دول الحصار حالياً إلى حبر على ورق.
ويضيف أنه من المستحيل تنفيذ هذه الاتفاقيات في الوقت الحالي أو في المستقبل، لأن المشكلة أصبحت اجتماعية ونفسية في ظل الترابط بين شعوب الخليج، فالمستقبل أصبح غامضاً لمسيرة مجلس التعاون والأهداف التي يحققها، بعد أن أثبتت الأزمة عجزه الكامل عن اتخاذ أية خطوات للحوار بين دول الخليج وتركه الأمور تتحكم بها كيانات ودول أخرى، وفشلت الأمانة العامة لمجلس التعاون في التعامل مع الأزمة الحالية، وبالتالي فمن غير المنطقي أن يتم الاستمرار في هذه الاتفاقيات العقيمة التي لم تصمد أمام أول مشكلة حقيقية تواجه مجلس التعاون.
ويؤكد السعدي أن الدعوة التي وجّهها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، للاعتماد على الذات كان لها مردود طيب بين قطاعات الأعمال التي سارعت بتلبية هذه الدعوة وإنشاء صناعات قطرية ستخرج إلى النور قريباً في جميع المجالات، مع التركيز على الصناعات الغذائية وصناعات البناء، وهناك فرص استثمارية واعدة توفرها الدولة للقطاع الخاص ومبادرات حكومية جادة يقودها بنك قطر للتنمية لدخول صناعات جديدة إلى قطر، وتلبية احتياجات السوق من السلع والخدمات المختلفة التي كان يتم استيرادها من الخارج.
ويؤكد أن الأزمة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشكّ أن الحديث عن التعاون والتكامل شيء والواقع شيء آخر، وأنه على قطر أن تبحث عن مصالحها بعيداً عن شعارات أثبتت فشلها طوال 30 عاماً.

السابق
صاحب السمو يهنئ ماليزيا وقيرغيزستان بذكرى الاستقلال
التالي
مجموعة “BeIn Sport”: قرصنة سعودية وخرق واضح للقانون