وكالات – بزنس كلاس:
هل تغيرت قواعد لعبة العرش في السعودية وما هو مصير محمد بن سلمان في “أوقات عدم اليقين” التي تمر بها مملكة النفط التي تواجه مأزقاً دولياً منذ 2 أكتوبر الماضي بعد جريمة قتل جمال خاشقجي؟ وماذا تعني عودة الأمير أحمد، عم ولي العهد، إلى الرياض؟
فيما ذهب بعض المراقبين إلى أهمية بيان البيت الأبيض الأخير وما تلاه من تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومن قبل ذلك بأسبوعين جولة الملك سلمان الأولى له بالمملكة منذ توليه مقاليد الحكم، إلا أن وكالة بلومبيرغ ترى أن كل ما سبق لا يعني حسم مصير “الوريث” واستمرار الوضع كما كان قبل 2 أكتوبر.
وتشير وكالة بلومبيرغ في تقريرها، الذي نشرته “الجزيرة نت” مساء اليوم الإثنين، إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الرغم من أنه يحظى بدعم من والده ومن الرئيس ترامب، فإن مستقبله كوريث محتمل للعرش لا يزال حديث المدينة في المملكة، وإن حُماته لا يمكنهم القطع بشأن مصيره.
ما ذكرته بلومبيرغ يتسق مع ما كشفته وكالة رويترز الإثنين الماضي نقلاً عن 3 مصادر مقربة من الديوان الملكي السعودي من أن بعض أعضاء الأسرة الحاكمة في السعودية يحاولون منع محمد بن سلمان من أن يصبح ملكاً وسط الضجة الدولية بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقالت المصادر إن العشرات من الأمراء وأبناء العمومة من فروع قوية لأسرة آل سعود يريدون أن يروا تغييراً في ترتيب الخلافة لكنهم لن يتصرفوا بينما لا يزال الملك سلمان – والد ولي العهد البالغ 82 عاماً- على قيد الحياة لأنهم يدركون أن الملك من غير المرجح أن ينقلب ضد ابنه المفضل.
وأوضحت أنه في ضوء هذه الحالة فإن الأمراء يناقشون مع أفراد آخرين من العائلة المالكة إمكانية أن يتولى الأمير أحمد بن عبد العزيز (البالغ من العمر 76 عاماً) العرش في حال وفاة الملك سلمان. ووفقاً لأحد المصادر السعودية فإن الأمير أحمد شقيق الملك سلمان الوحيد (من الأم والأب) الباقي على قيد الحياة سيحصل على دعم أفراد العائلة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.
وتأكيداً لرويترز فقد نقل اثنان من مراسلي “بلومبيرغ” في الرياض أن دبلوماسيين -سعوديين وأجانب- يعملون في السعودية، ما فتئوا يطرحون في أحاديثهم سؤالين: الأول عما إذا كان بن سلمان سيبقى الخليفة المنتظر لوالده، وإذا كانت الإجابة لا، فما الذي سيحدث للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها؟، حسب وصف الوكالة.
وترى بلومبيرغ أن من العسير معرفة الكيفية التي ينظر إليها كبار أفراد العائلة المالكة وشيوخ القبائل وأجهزة الأمن لمحمد بن سلمان، بعد سلسلة تصرفاته “الخرقاء” في الخارج وقمعه معارضيه في الداخل.
وتضيف أنه ربما ستكون هناك تداعيات جراء تهميشه لخصومه من أمراء آل سعود، في سعيه لإحكام قبضته على السلطة
تغيير قواعد اللعبة
ويقول كمران بخاري الخبير في قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد التنمية المهنية التابع لجامعة أوتاوا في تصريحات لـ”بلومبيرغ” إن مقتل جمال خاشقجي أدى إلى تغيير قواعد اللعبة، سواء كان محمد بن سلمان هو من أمر بذلك أم لا، مؤكداً أن جريمة اغتيال خاشقجي “قلبت حياة بن سلمان رأساً على عقب، إذ تبدلت الأمور من وعد بمسيرة مهنية طويلة إلى مستقبل لا يدري ما يخبئه له فيه القدر، وإلى غموض يكتنف فرصه لحكم البلاد”، مضيفاً أن جريمة الاغتيال ستظل “وصمة عار” في جبينه تعيقه عن تنفيذ الكثير من الأعمال.
لقد سوّق ولي العهد نفسه إلى الغرب باعتبار أنه الأمير الشاب “الجريء” الذي يريد تحديث المملكة والتصدي للتطرف الإسلامي، والرجل الذي يجسد روح السعودية الجديدة، أما خطته لبيع حصة من شركة النفط العربية السعودية (أرامكو) فقد جعلته “محبوب” الصيارفة الدوليين، وفقاً لوكالة بلومبيرغ.
ثمة مؤشرات أظهرت بالفعل أن محمد بن سلمان ليس أمامه مجال كبير للمناورة، فما إن أعلن ترامب الثلاثاء الماضي أن الولايات المتحدة لن تدع جريمة اغتيال خاشقجي تقوّض علاقات بلاده مع المملكة، حتى وصلت أسعار النفط إلى 50 دولاراً للبرميل.
ولعل هذا التراجع قد يكون فألاً حسناً لمحمد بن سلمان الساعي لإعادة الاعتبار لنفسه، لكن من شأن ذلك أن يحد من النمو البطيء أصلاً للاقتصاد السعودي.
وقد شكر الرئيس ترامب السعودية على دورها في خفض أسعار النفط، وحثها على إجراء مزيد من التخفيض.
وتضيف بلومبيرغ: لقد كان ترامب واضحاً عندما ذكر أن دعمه لولي العهد لن يكون من دون مقابل، وذلك بالرغم من كل الأصوات القوية داخل الكونغرس وتقرير الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” الذي يحمّل ولي العهد مسؤولية قتل خاشقجي.
وتشير إلى جولة الملك سلمان، مصطحباً ولي عهده، مؤخراً في أنحاء من المملكة، وهي الجولة الأولى له منذ اعتلائه العرش في 2015، وكان الهدف المضمر منها إصلاح بعض الضرر الذي لحق بعلاقاته مع المؤسسة الدينية والقبائل وأمراء الأقاليم جراء سياسات ابنه.
وبدأ الملك جولته بمحافظة القصيم التي تصفها بلومبيرغ بأنها أكثر المناطق تمسكاً بالطابع المحافظ، قاطعاً خلالها وعوداً بإنفاق ملايين الريالات في مشاريع تنموية في كل محطة من المحطات التي توقف عندها.
وترى بلومبيرغ أن مشروع محمد بن سلمان لبناء مدينة المستقبل الجديدة في قلب الصحراء، والتي أطلق عليها اسم “نيوم” لتكون منافسة لدبي، لم تعد بتلك الأولوية على ما يبدو.
وتنبّه في تقريرها إلى أن الملوك السعوديين درجوا على استغلال المال في تقوية الدعم الشعبي لهم في كل أرجاء البلاد، في “أوقات عدم اليقين”.
وربما يراهن الملك سلمان على أن تعهدات كبار الشيوخ السعوديين بالولاء له قد توفر الحماية لابنه الأمير محمد لفترة طويلة قبل انحسارها. غير أن هذا الولاء من قبل الأمراء وكبار رجال الدولة والشيوخ ربما لا يكون كافياً، فلولي العهد بعض المنتقدين المتنفذين والأعداء في الولايات المتحدة، من بينهم كبار المشرعين في الكونغرس، وفي أوروبا كذلك التي تنظر إليه بعداء متزايد بسبب حربه في اليمن وسجله في حقوق الإنسان، بحسب بلومبيرغ.
وتؤكد بلومبيرغ أن هناك من يتحدث عن تذمر وسط أفراد العائلة المالكة، وتكهنات بأن أحمد بن عبد العزيز -شقيق الملك سلمان- العائد من لندن قبل أسابيع قليلة، قد يحل محل محمد بن سلمان ولياً للعهد.
وبشأن “قمة العشرين” التي ستنعقد في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيريس يوم 30 نوفمبر الجاري، تقول بلومبيرغ إنه في حال مشاركة بن سلمان في هذه القمة ستكون مؤشراً على ثقة ولي العهد السعودي في مستقبله، “فالحكام الذين لا يشعرون بالأمان في بلدانهم يتجنبون عموماً السفر إلى الخارج”.