بزنس كلاس- رشا ابو خالد: هل سيبقى الدولار الملك الثابت على عرشه، أم ستهتز دعائمه بسبب الفوضى التي حصلت مؤخراً بالسوق المالي الذي شهد انهيار ثلاثة بنوك أمريكية حتى الآن، حيث تمثل هذه الأزمة الاقليمية نوعاً من التعثر الذي يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي، وهي الأزمة المالية الوحيدة التي كان الدولار فيها يضعف بدلا من أن يتعزز، هل هذه علامة على أشياء قادمة؟.
تباينت آراء الخبراء حول ذلك الموضوع والسيناريوهات المحتملة الناتجة عن آثاره، وأيضاً حول انخفاض هيمنة الدولار وإمكانية وجود عملة بديلة موحدة ومنافسة للدولار الأمريكي.
وفي هذا السياق أفاد الخبير الاقتصادي والمالي عبد الله صالح الرئيسي: “إن العالم بدأ جدياً ينظر بعمق لإيجاد بدائل جديدة أخرى للدولار بما يحقق أهداف اقتصاداتها. وهذا نتاج طبيعي جداً لموقف العالم تجاه احتكار الدولار لسنوات طوال في عمليات التجارة العالمية وبالأخص التعامل في عمليات بيع وشراء النفط والغاز”.
وأضاف الرئيسي في تصريح خاص لمجلة بزنس كلاس بأن العديد من البلدان المؤثرة في الاقتصاد العالمي أخذت الخطوات العملية الأولى في إيجاد العملة البديلة عن الدولار مثل روسيا، الصين، الهند ، إيران، تركيا والبرازيل وهذه الدول تشكل حتماً ثقل غير عادي في مسار الاقتصاد العالمي، مؤكداً أنه لو تم الاتفاق على العملة البديلة والتي لا يجب أن تكون حكراً لدولة معينة بل تكون في مصلحة جميع الدول التي تتداولها في التجارة العالمية، سيؤثر هذا في انهيار الدولار ورفع مستويات التضخم في أمريكا إلى مستويات غير مسبوقة وهذا بدوره سيؤثر أيضاً على العديد من الاقتصادات دولياً.
وأشار الرئيسي إلى أن قوة الدولار تكمن في قوة اقتصاد أمريكا فقط ولا يوجد مقابله احتياطي ذهب وذلك بقرار من الرئيس الأسبق نيكسون وقد ازدادت قوته بحكم أن الدولار هو العملة الرئيسة في التداول لعمليات البيع والشراء للنفط والغاز. مؤكداَ أنه إذا ما وجدت عملة بديلة للتداول في النفط والغاز فهذه ستكون الضربة القاضية والأكثر قسوة وستكون بداية إعلان انهيار الدولار.
وقال الرئيسي في هذا الصدد: ” ان انخفاض هيمنة الدولار سيكون نتاج سوء إدارة الاقتصاد الأمريكي وضعف إدارة البيت الأبيض”. مشيراً إلى أن هناك دول تنظر بجدية التعامل بعملة بديلة غير الدولار وهذا ما هو دائر نقاشه الآن وإن انتهت هذه النقاشات بالاتفاق ستكون تلك هي القشة التي ستقصم ظهر الولايات المتحدة الأمريكية على حسب قوله.
وأفاد بأن جميع الفرص الآن متاحة وبخصوبة عالية لإيجاد العملة البديلة للدولار ولن تكون هناك فرصا مؤاتية في الزمن القريب مماثلة لما هي عليه الآن، لذلك من الذكاء استغلالها بدقة وحذر .
من جانب آخر أكدت الدكتورة ليال منصور خبيرة في السياسة النقدية استحالة وجود أي عملة منافسة وبديلة للدولار، بسبب قوة الدولار وعظمة الاقتصاد الأمريكي وثباته من مختلف الجوانب.
وقالت في تصريح خاص لمجلة بزنس كلاس: “أمريكا أقوى وأكبر بكثير اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وجيوسياسياً لأن تسمح أن يكون لها عملة بديلة ومنافسة للدولار الأمريكي”. مشيرة أنه تم قبل ذلك أن بعض الرؤساء طالبوا بعملات موحدة وبديلة للدولار ولم تسمح لهم الولايات المتحدة الامريكية بذلك.
وتابعت قولها: ” لن تستطيع الدول التي عملتها غير محررة 100 بالمائة ومدعومة من المصرف المركزي، ولا تمتلك الشفافية ولا المحاسبية ولا الديموقراطية التي تمتلكها الولايات المتحدة الامريكية إيجاد عملة بديلة ومنافسة للدولار، وكل ما يقال عن استبدال الدولار ماهو إلا ورقة ضغط غير مباشرة على أمريكا”.
وفي الوقت نفسه تتفاوت الشكوك بشأن المدى الذي يمكن أن يصل إليه مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي في زيادة أسعار الفائدة، حيث يعيد المجلس حساباته في هذا الشأن نتيجة المخاوف من ركود الاقتصاد الأمريكي. ويعني هذا احتمال معاناة العملة الخضراء من دورة تراجع ممتدة.
ومع ذلك فقد أكد الخبراء أن هذا لن يكون له تأثير كبير في مكانة العملة الأمريكي كعملة احتياطي عالمية، ولكن ما ليس جيداً بالنسبة لقيمة الدولار هو أمر جيد لباقي دول العالم، حيث ستقل الحاجة إلى استمرار مواكبة صعود الدولار، وبالتالي فإن انخفاض قيمة الدولار عامل جيد للدول النامية فالمنتجات النفطية تسعر بالدولار الامريكي وانخفاض سعره يساعد هذه الدول بدفع قيمة صادراتها من المنتجات النفطية بسعر أقل وهذا ينعكس على اقتصادها وبالتالي انخفاض عجز ميزانها التجاري .
كما أن أكثر من 60 بالمائة من حجم التجارة الخارجية تتم بالدولار الامريكي وبالتالي انخفاض سعر الدولار سينعكس على اقتصاديات الدول النامية، وتزداد السياحة للدول التي تربط عملاتها بالدولار الامريكي لأنها تصبح الوجهة المثالية للسياح بسبب تكلفتها القليلة لهم.
ايضا يساعد انخفاض سعر الدولار الدول النامية على بناء احتياطاتها من الدولار الامريكي فيصبح بإمكانها دفع سعر أقل لشراء السندات وأذونات الخزينة الامريكية وتعزيز احتياطاتها من النقد الأجنبي.
وفي هذا السياق أكد الخبير المالي والاقتصادي عبد الله صالح الرئيسي أن العديد من الدول ستستفيد من تدني قيمة الدولار لسداد ديونها بالدولار بأسعار صرف جيدة إن لم تكن ممتازة، وأي ارتفاع في قيمة العملات المحلية أمام العملة الأمريكية يعطي فرصة لتلك الدول لالتقاط الأنفاس.
وأشار أنه على صعيد آخر ستتأثر الكثير من الدول سلباً نظير الاستثمارات في العديد من المجالات في الولايات المتحدة الامريكية بسبب تراجع الدولار ولذلك فإن بعض الدول تدرس تغيير استثماراتها المقومة بالدولار نتيجة تراجعه، لجهة ان تنويع الاستثمارات بعدد من العملات يزيد من الفرص والمكاسب كما يحد من المخاطر التي تحيط بتقلب العملات.
وهذا التحول قد يكون مفيد في تصحيح الاختلال الكبير الذي ظل في صالح العملة الأمريكية أغلب فترات العقد الحالي. فمن المحتمل عودة رؤوس الأموال للتدفق إلى الدول الأخرى بعد فترة عودتها الكثيفة إلى السوق الأمريكية خلال فترة زيادة أسعار الفائدة وقوة العملة الخضراء.
ومن جانب آخر أكدت الدكتورة ليال منصور بأن أي انخفاض أو ارتفاع في قيمة الدولار لن يكون له تأثير مباشر أو فوري إلا على البلدان المتقدمة لأن عملتها محررة بالكامل.
وقالت في هذا الصدد: “أي انخفاض في قيمة الدولار ولو طفيف سيؤثر بشكل فوري على البلدان المتقدمة، لكنه لن يكون له تأثير مباشر على اقتصادات الدول النامية التي تكون عملتها ثابتة بالنسبة للدولار، سيكون هناك تحسن في أسعار الاستيراد وربما تحسن في بعض الموارد، ولكن لن يصبح هذا البلد متقدم ويسجل تحسنا في الميزان التجاري بمجرد انخفاض الدولار”.
وتابعت منصور: ” ارتفاع الفائدة بالدولار ينعكس بشكل سيء على هذه البلدان لأن اغلب هذه الدول مديونين بالعملة الأجنبية وبالتالي اذا ارتفعت الفائدة سيرتفع العبء وقيمة الدين وهذا يخلق عجزاً أكبر على البلدان النامية”، مشيرة إلى ان الدول التي عملتها ثابتة بالنسبة للدولار قد وضعت حاجزاً بين الاقتصاد وبين العملة، وليس كل ما يحدث في الاقتصاد يؤثر على العملة بطريقة فورية ومباشرة بسبب ثبات سعر الصرف وتدخل المصرف المركزي وسياسات أخرى بهذا الموضوع.