الدوحة مرجعية موثقة لتحويل الأزمات إلى طاقة فاعلة

قلبت الطاولة ولم تحدث ضجيجاً

ما بعد الحصار أفضل مما قبله والاقتصاد القطري يشهد نهضة استثنائية

غرفة قطر تفتح صندوق المبادرات والقطاع الخاص يقلع شوك الأزمة

 

بزنس كلاس – ميادة أبو خالد

يذهب البعض للتأكيد بأن الدوحة لم تبدأ بعد عملية التصعيد رداً على العدوان الجائر الذي وقع عليها من قطع علاقات دبلوماسية وحصار جائر واستهداف مواطنيها لا بل حتى تجريم أي مواطن في دول الحصار ذاتها بـ “تهمة” محبة قطر باعتبار الأمر جناية يعاقب عليها القانون صراحة في الإمارات العربية المتحدة وتحت الطاولة في السعودية. لكن بعيداً عن اجواء الشحن السياسي والمناكفات الإعلامية لا بد أن نسأل ماذا بجعبة قطر بعد في مواجهة الحصار والمحاصرين وكيف تمكنت من كسر هذا الحصار بزمن قياسي دون أن يشعر المواطن القطري بكاهله يئن تحت سوط الحصار كما كانت الرياض وأبوظبي تمني النفس.

أكد عدد من المسؤولين أن الاقتصاد القطري أثبت للعالم قوته وكفاءته في مواجهة الحصار الجائر، بما تمتلكه دولة قطر من استراتيجيات وخطط وبدائل مكنتها من الصمود أمام هذا التحدي الراهن. ونوه المسؤولون في ندوة نظمتها جامعة قطر، تحت عنوان “الاقتصاد القطري في ظل الحصار.. صمود وصعود”، بالإدارة الحكيمة للأزمة والتحرك السريع لمواجهة تداعياتها منذ البداية.. مؤكدين ضرورة استثمار الوضع الراهن، في تمتين علاقات قطر مع العالم، وتحقيق تطلعات رؤية قطر الوطنية 2030 لبناء اقتصاد مستدام .

وقال الدكتور صالح محمد سالم النابت وزير التخطيط التنموي والإحصاء، إن دولة قطر واجهت الكثير من الأزمات وخرجت منها أكثر قوة وصلابة “ولم تساوم يوما على حريتها وسيادتها وكرامتها”. وأشار إلى أن الأزمة الحالية رغم أن لها طابعها الخاص وآثارها الاجتماعية على شعوب الخليج العربي ككل، إلا أن دولة قطر ستخرج منها أكثر قوة، مضيفا ” سنخرج من هذا الحصار أكثر قوة بكل تأكيد.. وستكون قطر مختلفة عما كانت عليه قبل الحصار مستفيدة من تجاربها ومتكيفة مع الواقع الجديد.

جبهة داخلية موحدة

ورغم إدراك الجميع الآن بأن الأزمة مقصودة ومفتعلة بشكل بسيط حد السذاجة، إلا أن الدوحة  استطاعت بفضل وحدة جبهتها الداخلية، وخططها، وتعاملها المباشر والسريع معها، وتكاتف مؤسساتها وتكاملها، أن تقلب الطاولة على رأس المعتدين وتخيب ظنون من راهنوا على انكسارها.

وكي نكون واقعيين ولا نقع في فخ التطبيل والتزمير لأمر ما كما اعتادت وسائل إعلام دول الحصار، فقد كان للأزمة أثر واضح في بدايتها خصوصاً لناحية عامل المفاجئة والصدمة ما أدى لمعاناة قطاع الخدمات مثل السياحة والنقل وقطاع المال، لكن الدولة نجحت في تجاوز هذه التداعيات بسرعة مذهلة لتعود الأمور إلى طبيعتها قبل الحصار. واستطاعت الحكومة، وفي وقت قياسي إيجاد طرق نقل بديلة لا سيما الخطوط الملاحية البحرية عبر ميناء حمد  بعد إغلاق المنفذ البري، وكذلك تعويض الودائع المسحوبة من البنوك بدعم قوي من مصرف قطر المركزي وجهاز قطر للاستثمار، إضافة إلى دعم القطاع السياحي بعد قرار إعفاء مواطني 80 دولة من التأشيرات”.

وفيما يتعلق بالمشاريع الرأسمالية، كان واضحاً بأن الدولة كانت لديها احتياطاتها المسبقة لحالات الطوارئ التي أثبتت جدواها فور بدء تطبيق الحصار، وذلك عن طريق تخزين المواد الأولية في الدولة، وهذا منح فسحة وقت كافية وفرصة لإيجاد البدائل التي تضمن تنفيذ المشاريع في مواعيدها وبالتكلفة ذاتها.

وحول التضخم وما ترتب عليه من زيادة كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للحصار الجائر، لفت وزير التخطيط التنموي والإحصاء في قطر إلى أن أسعار السلع الغذائية لاسيما السلع غير القابلة للتخزين، شهدت بعض الارتفاعات في بداية الأزمة، لكن قابلها انخفاض في قطاعات أخرى داخلة في حساب التضخم مثل قطاعي الإيجار والنقل وبعض المواد الغذائية مما أوجد نوعا من التوازن في هذا المجال.

أما في القطاع المالي فقد تأثر هذا القطاع دون شك بالحصار المفروض ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفائدة وتأثيره على التصنيف الائتماني لكن مع الإارة إلى لعبة المصالح والسياسة التي مارستها دول الحصار إضافة إلى شراء الذمم فقط لإظهار الدوحة بمظهر الدولة المتداعية مالياً نتيجة الحصار وهو أمر لم يكن صحيحاً في بداية الأزمة كما هو ليس كذلك الان. وقد تم تعويض التراجعات على المستوى المالي من الزيادات التي حدثت على أسعار المواد الهيدروكربونية عالميا خلال هذه الفترة، إلى جانب التعويض من خلال رفع قيمة وكتلة الإيداع الحكومي. مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنه يجب بذل جهود إضافية لتعزيز الاقتصاد ومنها الاهتمام بمجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تحتاج الى تكاتف حتى تضمن الاستمرار ، وتحويل الثروة الناضبة من النفط والغاز إلى أصول ورأس مال واستثماراها في مشاريع اقتصادية استراتيجية قابل للاستدامة.

في قمرة القيادة

من ناحية أخرى، يجب أن لا ننسى الدور المركزي الذي اضطلع به القطاع الخاص القطري في كسر شوكة الحصار من خلال تكيف نشاطات مؤسساته المختلفة وارتقاءها إلى مستوى تحدي الأزمة لتبلغ مستويات جديدة من الأداء لم تصل لها قبل الحصار. وكانت غرفة قطر هي كلمة السر في هذا النشاط الاستثنائي، حيث لعبت دور قائد أوركسترا البلاد الاقتصادية لتنتج ملحمة اقتصادية تجلت بخروج قطر من أسوأ تبعات الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.

ففي واحد من أمثلة كثيرة على قيادة “الغرفة” للمشهد الاقتصادي بظل الحصار، كانت غرفة قطر المبادر لتشجيع ودعم خطط  الدولة الاستراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي باذلة قصارى جهدها لخلق التسهيلات والتوجيهات والزيارات اللازمة، بغية تشجيع الشركات ورجال الأعمال في هذا المضمار، وذلك عندما حشدت فريق ضخم من كبار رجال الأعمال القطريين وفتحت أبواب التعاون على مصراعيها مع دولة سلطنة عُمان الشقيقة بعد أقل من شهر على بداية الأزمة ما نتج عنه مشاريع كثيرة وكبيرة في التعاون الاقتصادي بين البلدين تصب في خدمة الاقتصاد والمواطن القطري بالدرجة الأولى لا سيما لناحية الأمن الغذائي.

وشكلت الأزمة بالنسبة لغرفة قطر رافعة جهد للتركيز على تحفيز المصنع القطري والشركات القطرية، من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى كافة دول العالم، من اجل الوصول إلى تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030. وذلك بعد أن قطعت الغرفة أشواطاً كبيرة في تثقيف وتوجيه القطاع الخاص، للتواجد دائماً في السوق، كي تتحول المشاريع القطرية الخاصة إلى ساحات إنتاج فعلي ومصانع حقيقية ، بحيث تملك القدرة الكاملة على تحقيق الاكتفاء الذاتي المنشود.

وعبر مدير عام غرفة قطر عن الأمر بوضوح اكبر عندما أشار إلى أن قطر وعبر بوابة الغرفة قد نجحت بتكوين علاقات خلال الفترة السابقة مع دول صديقة، والآن سيكون هناك مزيد من الاتفاقيات والتعاون والحركة الاقتصادية، والتي نشطت بين قطر وسلطنة عمان، التي كان لها الحصة الأكبر، بالإضافة إلى زيارات وفود رجال الأعمال بين قطر وتركيا، فضلاً عن باكستان والهند وغيرها. وقد خلقت هذه الإجراءات تعاوناً إيجابياً بين الدولة وبين هذه الدول، ورجال الأعمال من جانبها.

قلب الطاولة

ولو ألقينا نظرة على المنتجات الحاضرة اليوم في السوق القطري، سنجد أنها من دول متعددة حول العالم، إذ أن قطر قد فتحت أسواقها لمختلف المنتجات العالمية، ولم ولن تقصر مع المواطن أو المقيم على عكس ما أوردته بعض الوسائل الإعلامية الخارجية. والحقيقة أن «الغرفة» قامت بجهد جبّار لمنع حدوث ذلك، وسيكون هنا فرص تجارية جديدة، وزيارات مكثفة لرجال الأعمال مع الدول الأخرى، وفتح أسواق ومحلات جديدة.

الدوحة وكما أشار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مستعدة أن تمشي إلى الأشقاء 10 آلاف ميل إذا خطوا هم خطوة واحدة اتجاهها، الدوحة ليست بوارد التصعيد أو الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم اقتصادياً على دول تعتبرها شقيقة حتى لو تأمرت عليها وحاولت وتحاول الإساءة لها رغم أنها تمتلك كل أدوات ومقومات قلب الحصار وطاولته على رأس المعتدين وتجعلهم يدفعون غالياً ثمن اعتدائهم.. فعلى المخطئ أن ينتبه إلى عدم المبالغة والذهاب بعيداً في غيه لأن المثل يقول “احذر الحليم إذا غضب”!!

 

السابق
قطاع الإنشاءات والمقاولات على مشارف عهد جديد
التالي
7 نقاط لتحصين الاقتصاد.. سمو الأمير: نمو الناتج المحلي غير النفطي 5.6%