عبرت الخطوط الجوية القطرية على لسان مديرها التنفيذي أكبر الباكر عن رغبتها بشراء حصة في عملاق الطيران الدولي والألماني شركة لوفتهانزا. وجاءات تصريحات الباكر في معرض انتقاده الحظر الإلكتروني التي فرضته الولايات المتحدة، في 25 مارس الماضي، على الركاب بالصعود إلى الطائرات بأجهزة إلكترونية يزيد حجمها على حجم الهاتف المحمول في الرحلات المباشرة إلى الولايات المتحدة، من 10 مطارات في الخليج، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وتركيا.
وقال الباكر في تصريحات لصحيفة «آيرش تايمز» الأيرلندية،: «أعتقد أن الناس بدأ يساورهم القلق من أن هذا النوع من الإجراءات العشوائية ليس في الحقيقة ما يريده جمهور المسافرين.. ونحن في الخطوط القطرية علينا أن نعزز من إجراءاتنا وأنظمتنا لتصبح قوية.. وكما تعلمون، فإذا ما كان هذا هو مصدر القلق، فلا بد أن تقول السلطات الأميركية: «عليك أن تنفذ كل الإجراءات الخاصة بأجهزة الكشف عن المتفجرات ETD، بنسبة 100 % خلال الوقت المقرر للمغادرة».
الكشف عن المتفجرات
ويقول الباكر: إن أجهزة الكشف عن المتفجرات معقدة ومتقدمة جداً، لدرجة أنه لا مجال للهروب منها، موضحاً أنها «تمثل حلاً ناجحاً بنسبة 100 %.. وهي قد لا تناسب الركاب، ولكنهم على الأقل سيستردون أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم».
وما يثير الدهشة، بالقياس للضجة المثارة حول الموضوع، أن ما يتراوح بين 12 %-15 % فقط من الركاب هم الذين يصطحبون معهم أجهزة كمبيوتر محمولة على متن رحلات القطرية إلى الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، فإن الإرهابيين الذين هم مستهدفون بهذا الإجراء من غير المحتمل أن يتعاملوا مع المطارات التي تستخدم هذه الأجهزة، حيث إنها تخضع بالفعل لإجراءات أمنية مشددة.
ويقول الباكر: «بدلاً من الذهاب عبر المطارات المطبق فيها الحظر، فسيذهبون إلى المطارات التي لا تطبقه، ولا يوجد حظر في بعض المطارات الخطيرة جداً– لا أريد أن أتعرض لها بالذكر– ولك من السهل جداً ركوب الطائرات من تلك الأماكن، مقارنة بمطاراتنا».
لقد أدى حظر أجهزة الكمبيوتر المحمول، والحظر الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي ألغته المحاكم الأميركية، إلى خلق كثير من البلبلة لدى الخطوط الجوية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ومن بينها خطوط نقل الركاب من دول الخليج.
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كانت تلك الشركات ستعاني، في النهاية، من أي أضرار.. وفي الواقع، هناك تهديدات أكثر قوة تلوح في الأفق بكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
في الولايات المتحدة، قامت الشركات الثلاث الكبرى، بتكوين لوبي ضد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لتقييد حق الخطوط الخليجية، القطرية والإمارات والاتحاد، في تشغيل أساطيلها داخل البلاد..
وادعى اللاعبون الأميركيون أن منافسيهم الخليجيين يتمتعون بدعم من حكوماتهم يصل إلى 42 مليار دولار وغير ذلك من المميزات غير العادلة.. لم يتخذ أوباما، أي إجراء، ولكن هناك من يرون بأن إدارة أوباما قد تكون أكثر تعاطفاً مع ادعاءات الشركات الأميركية.
ادعاءات وهراء
وينفي الباكر الادعاءات التي تروجها ناقلات أميركية وأوروبية بشأن حصول الناقلات الخليجية ومن ضمنها «القطرية» على الدعم قائلاً: «إن هذه الادعاءات مجرد هراء».. ويحاجج بأن أصحاب هذه الشكاوى هم من الورثة الذين استفادوا، على مدى سنوات، من الدعم الممول من دافع الضرائب الأميركي.. ويقول: «إن الأمر يختلف تماماً معنا، فقد حصلنا على نصيبنا العادل، لكي نكون مستقلين، واليوم علينا أن نثبت قدرتنا على تحقيق الربح».
ويعتقد الباكر بأن رؤية ترامب التجارية ستتغلب لو أحيت الشركات الأميركية الشكوى من جديد.. ويوضح ذلك بقوله: «إننا نشتري طائرات أميركية بأعداد كبيرة ونوفر لهم الوظائف.. وكل رحلة طيران نقوم بها تستفيد منها الولايات المتحدة.. لذا فبالنسبة لنا، نحن نعمل ضمن شعار «أميركا أولاً». ويضيف: «بينما نعطي للناس قيمة جيدة مقابل ما يدفعونه من مال، فإن الشركات الأميركية الثلاث تدمر ركابها بالفعل، حيث تخفض طاقتها، حتى تتمكن، على نحو مصطنع، من رفع أسعار تذاكرها وتحقق أرباحاً قياسية».
إجراءات حمائية
وعبر الأطلنطي، تقوم المفوضية الأوروبية بوضع مسودة إجراءات حمائية جديدة يمكن أن تسوغ لبروكسل سلطة إيقاف حقوق الطيران للخطوط الجوية غير الأوروبية، بسبب «الممارسات غير العادلة في المنافسة»، وهذا قد يلحق الضرر بواحدة أو أكثر من خطوط نقل الركاب في الكتلة الأوروبية.
وينظر إلى هذا الإجراء، على نطاق واسع، باعتباره سعياً لمواجهة صعود نجم الخطوط الجوية القطرية وزميلاتها من اللاعبين الخليجيين.. وتضغط ألمانيا وفرنسا، جنباً إلى جنب مع شركتيهما لوفتهانزا وأير فرانس، على المفوضية للمواجهة المنافسة من جانب الشركات الخليجية، التي حولت ركاب الرحلات الجوية الطويلة إلى الشرق.
يرد الباكر بالمنطق نفسه الذي اتبعه مع الخطوط الجوية الأميركية.. يقول: «إن منطق شركات نقل الركاب الأوروبية أشبه بعواء الذئب، لأنها لا تستطيع أن تتخذ إجراءاتها الخاصة بها من حيث التحكم في التكلفة، أو تحقق الكفاءة في تشغيل المطارات؛ ومتى مع ذلك فهي لاتزال تحقق الأرباح.. ومشكلة الخطوط الجوية القطرية أن بروكسل يبدو أنها تعطي أذنيها للوفتهانزا وأير فرانس.
وهو يتفق مع استماع بروكسل للشركتين بقوله: «نعم، ولكننا لنا إسهاماتنا التي تصب في صالح اقتصادات أوروبا.. لو نظرت إلى الشركات الثلاث الكبرى الخليجية معاً، وما تطلبه من شركة أير باص للطائرات، فإن الوظائف المباشرة وغير المباشرة التي نوفرها، هي أكثر بكثير مما توفره لوفتهامزا وأير فرانس، ومعنى هذا أنه فيما يتعلق بالوظائف، فإننا نوفر الوظائف.
ويصر على أنه لا يريد التدخل في عمل أحد في أوروبا، لكنه لا يمكنه مقاومة التطرق إلى لوفتهانزا، حيث يقول إنها اللاعب الذي يهيمن على القارة.. «إن جميع الدول الأوروبية الـ27، يجب أن تعترض لأن لوفتهانزا تهيمن على أجوائها. انظر، وقتما شئت، إلى الخطوط النمساوية أو لطيران بروكسل أو الخطوط السويسرية، ولوفتهانزا.. إنها أيضا تمتلك أير دوليميتي، وهي، بصراحة، الشركة الوطنية لنقل ركاب شمال إيطاليا.. عندما تنظر إلى هذه الشركات الخمسة جميعها، فمعنى ذلك أنها تسيطر على الأجواء فوق أوروبا.
الأداء المالي
ما يميز الخطوط القطرية أنها تعتمد على دعم نفسها بنفسها وتحقق ربحاً.. ويبين تقريرها السنوي أن عملياتها التشغيلية حققت فائضاً قدره 3.05 مليار ريال (785مليون يورو) في العام المالي المنتهي في 31 من مارس 2016 في حين نقلت خطوطها الجوية 26.6 مليون راكب.. وهي تمتلك أصولاً تبلغ قيمتها حوالي 24 مليار يورو، منها ما يقرب من 6 مليارات يورو في صورة أموال سائلة.
وفي العام المالي المنتهي في مارس 2017، بلغ عدد الركاب 28 مليون راكب في حين حققت إجمالي نمو من رقمين. وبدءاً من هذا العام، سوف تخدم أكثر من 160 محطة وصول، وتعد دبلن من بين 14 محطة وصول جديدة ستضاف إلى قائمتها في العام الذي ينتهي في مارس 2018.
وخلال وقت قصير سوف يتخطى أسطولها 200 طائرة ركاب.. وكانت القطرية من أوائل الشركات التي اقتنت الطائرة أيرباص A380 السوبرجامبو– وهي أعلى كثير من مباني دبلن الإدارية– وسوف تكون العميل الذي يطلق طائرة شركة بوينج من طراز 777X عندما تحلق لأول مرة في 2020.
وقد تحقق ذلك منذ بداية قوية ومستمرة قبل 20 عاماً، حيث قدمت الشركة رحلات طيران طويلة مقابل أسعار معقولة عبر مركزها في العاصمة القطرية الدوحة، وربطت أوروبا والولايات المتحدة مع آسيا والشرق الأقصى.. وقد استفادت من الشهية المتزايدة للسفر وفتح الأجواء في أسواق مثل الاتحاد الأوروبي والأميركتين.. وفي حين كانت شركة ريان أير في طليعة ثورة خفض التكاليف في أوروبا، التزمت قطر بتقديم خدمة كاملة.
حسد المنافسين
وعلى الرغم من المعايير الباهرة، فإن بعض المراقبين يستغربون للوقت الذي استطاعت فيه أن تحقق القطرية نمواً من رقمين.. ومن المتوقع أنها ستتمكن هذا العام من تحقيق نمو بواقع 7 %.. هذا من شأنه أن يثير حسد المنافسين التقليديين، لكن هذه النسبة بطيئة مقارنة بالسرعة التي حققتها الشركة خلال العقد الماضي.
يقول الباكر: إنه لو حصل على ما طلبه من الطائرات، فإن نسبة النمو قد تصل إلى 15 %.. «لو حصلت على دفعات الطائرات التي طلبتها، حسبما هو متفق عليه، فأعتقد بأننا سنحقق ذلك،» بحسب قوله.. وهو يقر بأن الخطوط القطرية ستصل إلى أقصى حدود نسبة النمو، وهو ما تشير التوقعات إلى أنه سيتحقق فيما بين 2010 و2021، وبعدها سيستقر عند 4 إلى 5 بالمائة سنوياً.
ويقر الباكر بشكوكه حول تسلمه الطائرات المطلوبة للوصول إلى نسبة نمو 15 %. في يونيو الماضي نفد صبره بسبب عمليات الإرجاء والإلغاء من جانب شركة أير باص بشأن تسليم طائراتها A320NEW.. وفي وقت لاحق أعلنت قطر أنها طلبت طائرات جديدة من بوينج. لم تأت هذه الخطوة بمعزل عن طابع شخصية الباكر.. ولم يعرف عن الرجل قبوله بالأعذار.. ويشير العاملون معه إليه على أنه «الرئيس» في نبرة تؤكد أنه إذا أراد إنجاز شيء، فلا بد من إنجازه.. كذلك يتمتع بسمعة السعي إلى الحصول الأشياء بالشكل الذي يراه صحيحاً وكان من المقرر أن تبدأ القطرية تسيير خطوط طيرانها من دبلن للدوحة في الثاني عشر من يونيو. ونظراً لأن ذلك يصادف حلول شهر رمضان، فسوف يؤجل الموعد حتى الرابع من يوليو.
وحتى الآن يقول الرئيس التنفيذي إن «الحجوزات مقدماً تمثل علامة صحية، أنتم تريدون نسبة إشغال 100 % (إقلاع الطائرة بكامل حمولتها) وهذا صعب جداً، لكننا نواصل الصعود على تلة النجاح» بحسب قوله.
وأضاف: إن شركة الخطوط الجوية تزن بدقة جميع الاحتمالات الخاصة بأي خطوط جديدة، قبل أن تقرر تدشينها. ونحن نعتقد بأن تسيير رحلة واحدة يومياً هو ما يمكن للسوق أن تستوعبه.
ويشير الباكر أيضاً إلى أن الشركة لا تريد تلحق الضرر بشريكها في تحالف وان وورلد أليانس، وهي مجموعة الخطوط الجوية الدولية الشركة الأم لأير لينجوس وإيبريا وفويلنج وبريتش أيروايز.
إنها ليست مجرد شريك، فالقطرية تمتلك 20 % من أسهم المجموعة، ما يجعلها صاحبة أكبر حصة من الأسهم ويجعلها أكثر اهتماماً بإير لينجوس.. وقد رفعت حصتها من 16 بالمائة عندما انخفضت قيمة أسهم الشركة بحدة في أعقاب تصويت البريكزيت في العام الماضي.
ورغم الشعور بالرضا عن أداء المجموعة، يقول الباكر: إن الشركة لن تزيد حصتها فيها.. ويذكر أن هذا يمكن أن يكون أمراً محرجاً أن المجموعة لديها حد أقصى يقرب من 49.9 % وهو الحد الأقصى المسموح بملكيته لغير الأوروبيين، من قبل بروكسل. هل يود هو أن يتم رفع هذا القيد؟ يجيب: «ليس من شأني التعليق على ما يريد أن يفعله الأوروبيون.. وأقصى اهتمامنا، هو أننا نريد العمل مع الاتحاد الأوروبي لتنمية أشغالنا هناك نحن ومنافسونا».
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت هناك خطوط جوية أوروبية يود أن يستثمر فيها، يتوقف قبل الإجابة ثم يقول: «ربما أريد أن أشتري شركة لوفتهانزا».