خطة طوارئ عاجلة توضع موضع التنفيذ
ممرات جوية إضافية تعبد الطرق الوعرة والسفر في كل الاتجاهات
القطرية هدف ثمين لدول الحصار تضيعه ضربة طائشة
بزنس كلاس – سليم حسين
لعل الخطوط الجوية القطرية كانت أكبر المتضررين من الحصار الجائر الذي فرض على دولة قطر في الخامس من شهر يونيو / حزيران الماضي مع إغلاق المجال الجوي لدول الحصار بوجه أسطول طائراتها البالغ 197 طائرة الغالبية العظمى منها حديثة لا تزيد أعمارها على 5 سنوات، ومعظمها مخصص للرحلات الجوية الطويلة إلى أكثر من 150 وجهة حول العالم، من مركزها في العاصمة القطرية الدوحة. وهي لاعبٌ رئيسي في تحالف طيران ون وورلد، الذي يضم أميركان إير لاينز. وقد اجتازت طائرات القطرية المجال الجوي السعودي بصورة منتظمة قبل الأزمة. واستخدمت جميع الرحلات الجوية إلى أفريقيا، وكذلك الرحلات إلى ساو باولو وما بعدها إلى بوينس آيرس، المجال الجوي السعودي. واستخدمت المجال الجوي الإماراتي الذي يقع في شرق قطر كثيرًا، باتجاه بقية آسيا والمحيط الهادئ».. وكان إغلاق المجال بوجه القطرية ومازال يحمل أبعاداً تتخطى الجانب السياسي للموضوع وتصب في قلب العملية الاقتصادية ومسألة الأرباح والمنافسة بين الخطوط القطرية ونظيراتها الخليجية كما تدخل على خط الاستفادة من هذا الوضع غير الطبيعي خطوط طيران دولية ترغب بشدة انتهاز هذه الفرصة لتعوض ما خسرته من حصتها بالسوق العالمي أمام الصعود المتواصل للقطرية.
جبهات دفاع محصنة
لكن الناقل الوطني لقطر ورغم أنها وضعت في موقف حرج للغاية، وضعت خطة طوارئ سريعة وواضحة المعالم وبدأت العمل عليها فور إعلان الحصار. فقد انطلقت القطرية للعمل على أكثر من جبهة بدأتها برفع شكوى إلى إيكاو “المنظمة الدولية للطيران المدني” أثمرت في بداية شهر أغسطس الماضي على إلزام دول الحصار بفتح ممرات جوية للخطوط القطرية في أجوائها بحسب المادة 84 من اتفاقية شيكاغو للطيران المدني، ما أعاد للخطوط القطرية جزء كبير من المسارات التي فقدتها مع بداية الحصار وشكل نقطة تحول في الضرر المحتمل المتوقع للعمليات التشغيلية للناقل الوطني لدولة قطر.
وبعيداً عن الجبهة القانونية، عملت القطرية بنشاط متسارع في اتساق مع الحركة النشطة التي شهدتها كافة القطاعات الحيوية في البلاد من أجل الخروج من آثار الحصار في إطار خطة استراتيجية متكاملة تلغي مستقبلاً أي أثر محتمل للحصار. لذلك أضافت الخطوط الجوية القطرية رحلاتٍ جديدة إلى جمهورية براغ عاصمة التشيك ونيس في فرنسا ومقدونيا وسلطنة عمان ومضاعفة عدد الرحلات إلى وجهات آسيوية عديدة مثل كاتماندو وبنغلاديش وسواها نتيجة زيادة أعداد المسافرين الكبيرة على تلك الخطوط. كما أعلنت القطرية عن العمل على وجهات جديدة تحملها إلى أستراليا والبرازيل وتشيلي والولايات المتحدة تبدأ في عام 2018. وتأتي هذه التوسعات أصلاً في إطار توسيع شبكة الشركة العملاقة في محاولة جديرة بالعمل لتعويض فقدان الرحلات الخليجية لا سيما التي تربط الدوحة مع مدن دول الحصار الخليجية ومصر.
صيغ إجرائية مبتكرة
وجاءت قرارات الحكومة القطرية أيضاً لدعم موقف الناقل الوطني مع تفعيل العديد من الفعاليات السياحية والمؤتمرات لعل أبرزها إعلان الدوحة السماح لمواطني 80 دولة حول العالم بالدخول إلى قطر دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة لتضرب قطر بذلك عصفورين بحجر واحد، دعم قطاع السياحة والضيافة بزخم الجنسيات المعفية من قيود تأشيرة الدخول، ونقل هؤلاء من وإلى الدوحة على متن الخطوط الجوية القطرية.
بالمقابل ولعل هذا أحد أهم أسباب حصار قطر وضرب ناقلها الوطني كانت شركات الاتحاد وفلاي دبي إضافة إلى الخطوط السعودية تمر بواحدة من أسوأ سنواتها رغم الدعم السخي من حومات بلدانها لإبقائها في دائرة المنافسة بعد أن خسرت على مدار السنوات القليلة الماضية جزء مهم من حصتها في السوق الدولية لصالح الخطوط القطرية أولاً. لذلك رات تلك الشركات ودولها أن نجاح القطرية يجب أن يتوقف فأغلقت الأجواء في وجهها بشكل يحدث أكبر ضرر ممكن عليها حتى لو كان ذلك سيفيد شركات الطيران الأمريكية التي توسلت للرئيس الأمريكي دونالد ترمب في ربيع هذا العام أن تتدخل إدارته لوقف توسع الخطوط القطرية تحديداً وبدرجة أقل منها الخطوط الجوية الخليجية بشكل عام على السوق الأمريكي.
نيران صديقة
فقد تسببت شركة الاتحاد الإماراتية بأزمة قوية بين ألمانيا وأبوظبي بتخليها عن شريكها الألماني شركة أير برلين لتتركها في مهب الإفلاس بعد إعلانها عن عجزها عن إنقاذ شريكها، ما اعتبرته ألمانيا على لسان رأس سلطتها السياسية أنجيلا ميركل “خيانة وطعنة بالظهر” من الإمارات التي كانت قد تعهدت بأن تقوم شركة الاتحاد بتغطية خسائر الناقل الألماني إذا وقع المحظور ووقعت الخسائر وهو ما تملصت أبوظبي منه بوجه بارد.
من جانب آخر، وحتى تسفيد من أزمة القطرية بالشكل الأمثل، ذهب محللون إلى أن شركة “أمريكان أيرلاينز” اتجهت في نهاية المطاف لرفض عرض الخطوط القطرية لشراء حصة أقلية فيها وذلك من أن تعمق جراحها وتستفيد من غيابها المحتمل عن سوق الطيران المدني الأمريكية. فقد سعت الخطوط الجوية القطرية لشراء 10% من أسهم شركة “أمريكان أيرلاينز” ، بقيمة تتجاوز 81 مليون دولار. ويشير ذلك إلى إدراك قطر مع هذه الأزمة احتياجها إلى محفظة متنوعة، وأنّه لا يمكنها الاعتماد فقط على شركائها في مجلس التعاون الخليجي. وتمثل الرحلات الجوية الأمريكية 8% من رحلات الخطوط الجوية القطرية، وهناك خطط للتوسع بأكثر من 20% بحلول العام المقبل 2018. وأفادت صحيفة «دبلن رويترز» أنّ الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية القطرية «أكبر الباكر» قد أخبر الرئيس التنفيذي الأمريكي «دوغ باركر» أنّه لا ينوي شراء نسبة تتيح له تولي مجلس الإدارة، بل ينوي شراء 4.75% فقط كمساهمة أقلية، معربًا عن أمله في أن يعلي هذا الشراء من قيمة الخطوط الجوية القطرية، على الرغم من قرار أميركان إيرلاينز بوقف اتفاقيات التسويق معها ومع طيران الاتحاد في 24 مارس/آذار من هذا العام. وردًا على سؤالٍ حول المزيد من الاستثمارات، ربما في أوروبا، أفادت بلومبرغ أنّ «الباكر» قال أنّ «الجنرال لا يخبر أبدًا عن خططه في المعركة مسبقًا». كل ما سبق يوضح بشكل قاطع أن الشركات الأمريكية استغلت باتنهازية أزمة القطرية وحاولت ابتزازها لكي تخرجها من المنافسة في أمريكا الشمالية كما ذكرت مصادر مطلعة حول أسباب تعثر الاتفاق، لكن ذلك لم يمنع القطرية من التوجه إلى حقائب استثمارية أخرى من المتوقع أن تعلن عنها الشركة في وقت قريب.
الجدير بالذكر أن الناقلات الأمريكية فقدت، خلال العام الماضي، أكثر من 5% من حجوزات رحلاتها الجوية من شبه القارة الهندية وإليها منذ عام 2008؛ بسبب منافسة الخطوط القطرية، كما تراجعت حصة الشركات وشركائها بين شرقي الولايات المتحدة وجنوب شرقي آسيا من 43% إلى 36%، وتراجعت رحلاتها أيضاً إلى أوروبا.
النتائج حكم معتمد
وبالإضافة إلى ذلك، من أجل الحفاظ على طائراتها في وضع التشغيل، وافقت الخطوط الجوية القطرية على تأجير الخطوط الجوية البريطانية تسعة طائرات إيرباص A320 بطواقمها لمسافاتٍ قصيرة لمسارات الصيف بين 1 يوليو/تموز و16 يوليو/تموز. واستُخدمت طائرات شحن الخطوط الجوية القطرية أيضًا لنقل 4 آلاف من الماشية إلى قطر من أستراليا والمجر والولايات المتحدة على 60 رحلة جوية، في دليل على مدى مرونة الجهاز الإداري والتنفيذي الذي يدير عمليات الناقل الوطني في أحلك الظروف.
الخطوط الجوية القطرية مستمرة بالتحليق في الأجواء “المفتوحة” رغم كل الغيوم السوداء التي تعترض طريقها وهذا ما تدل عليه بوضوح نتائجها المالية للعام المالي الماضي الذي انتهى في مارس / آذار المنصرم، حيث بلغ صافي أرباح الشركة في العام المالي 2016-2017 1.97 مليار ريال قطري (540 مليون دولار) مقابل 1.62 في العام المالي 2015-2016. كما بلغت الإيرادات 39.3 مليار ريال قطري (10.7 مليار دولار) في العام المالي 2016-2017 مقابل 35.6 مليار ريال قطري في العام المالي 2015-2016، أي أن أرباح القطرية قد ارتفعت بنسبة 21.7%. فإذا قرأنا بشكل جيد نتائج أو بالأحرى أرقام خسائر منافساتها الخليجية الأخرى كشركة الاتحاد الإمارتية أو فلاي دبي سنعرف لماذا كانت الخطوط القطرية أحد أهم أسباب حصار قطر غير المعلنة لكنها في جوهر “معاناة الأشقاء” ليس فقط من باب “الغيرة” نتيجة استحواذ القطرية على تقريباً كافة الجوائز العالمية في مجال الطيران المدني على مدار السنوات القليلة الماضية بل لأنها باتت خطراً اقتصادياً على استثمارات بعض دول الخليج “الفاشلة”.