البيروقراطية “حسكة” في حلق الطموح ولا سمك بلا حسك
مركز للأبحاث المائية يعيد تجميع قوارب الصيد في المواقع الاستراتيجية
شراء السمك في الماء ليس وهماً أحياناً
تحرك حكومي مبشر يرسم ملامح الشبكة
بزنس كلاس – باسل لحام
تعتبر الثروة السمكية وتأمين خطة إنتاج واستزراع السمك في دولة قطر مسألة على درجة من الأهمية لجهة تأمين الاكتفاء الذاتي في هذا الإطار. لكن رغم الجهود التي تبذل سواء على مستوى المبادرات الفردية والقطاع الخاص وصولاً إلى ارتفاع منسوب الاهتمام الحكومي بتطوير هذا القطاع، إلا أنها لم ترتقِ حسب كثير من المختصين إلى مستوى الطموح حتى نصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.
بلغ إنتاج قطر من الثروة السمكية 15.3 ألف طن خلال عام 2017، بينما بلغت معدلات الصيد 15.2 ألف طن خلال عام 2015، وهو ما يقلّ 1000 طن عن عام 2014، الذي يعدّ الأعلى خلال آخر سبعة أعوام، إذ بلغ حجم الكميات التي تم صيدها 16.2 ألف طن، وهي أكبر كمية محققة من الإنتاج السمكي، وفي عام 2012 بلغ الإنتاج 11.28 ألف طن من المصايد الطبيعية، فيما بلغ حجم الإنتاج 13.76 ألف طن عام 2010، وفق بيانات كل من إدارة الثروة السمكية في وزارة البلدية والبيئة القطرية ودراسة الإنتاج السمكي في الدول العربية، الصادرة في عام 2016، عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية، التي تُعد إحدى مؤسسات جامعة الدول العربية.
نسب نقص وعراقيل إدارية
وتمثّل نسبة الإنتاج من المصايد الطبيعية 80% في السوق المحلي، الأمر الذي يجعل قطر في حاجة إلى الاستزراع السمكي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بمعدل 21 ألف طن تنتج منها حالياً 15 ألف طن في كل عام، بالإضافة إلى حماية وتدعيم المخزونات الطبيعية والمحافظة على البيئة البحرية، وفقاً لتأكيد الدكتور فالح بن ناصر آل ثاني، وكيل وزارة البلدية والبيئة المساعد لشؤون الزراعة والثروة السمكية.
ومن أهم ما يسجله المستثمرون القطريون في هذا الإطار هو العراقيل والصعوبات البيروقراطية التي يواجهها كل من يحاول تطوير أو إقامة مشاريع في هذا السياق، حيث اشتكى عدد من المواطنين كما في حالة المستثمر القطري زايد النعيمي من صعوبة تسجيل مزرعتيه السمكيتين، رغم أنهما تعملان منذ فترة. فقد اشار بوضوح إلى أن العراقيل الإدارية والبيروقراطية تقف حاجزاً أمام ترخيص مثل هذا النوع من الاستثمار على حد تعبيره.
ويواجه قطاع الاستزراع السمكي تحديات أهمها عدم توفر الزريعة المناسبة في الدول المجاورة، ما يضطر أصحاب المزارع السمكية إلى إحضارها من أستراليا أو تركيا وتايلاند، وعلى الرغم من أن سعر الأخيرة أقل، فإن جودة الأولى أعلى، وهو ما يبحث عنه النعيمي من أجل استثمار أقوى يستطيع أن ينافس في سوق نشط كالسوق القطري، مضيفاً أن “أسعار الكهرباء والمياه في قطر ليست بالقليلة، وهي من المشكلات التي تواجهنا، إذ ندفع مبالغ باهظة، في الوقت الذي يحتاج فيه العاملون في القطاع للدعم، سواء في الكهرباء والمياه أو الإجراءات الروتينية المتعلّقة بالتراخيص والحصول على قروض من بنك التنمية”.
مركز الأبحاث المائية
عقب أزمة حصار قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 5 يونيو/ حزيران الماضي، اهتم المستثمرون بالمساهمة في مجالات الأمن الغذائي، ومن بينهم مبارك المهندي، الذي يعمل في قطاع البترول، لكنه يعمل على الاستثمار في المزارع السمكية. ويبرر المهندي هذا الأمر بأن قطر قد اعتادت سابقاً على الاستيراد من الخارج، أصبح من المهم البحث لتأمين الاكتفاء الذاتي، الأمر الذي يقتضي تذليل كل التحديات التي تواجه الاستثمار في هذا القطاع المهم.
وتولي وزارة البيئة والبلدية اهتماماً كبيراً لتذليل جميع التحديات التي تواجه الاستثمار السمكي، كما يقول الوكيل المساعد للوزارة، مشيراً إلى أن أهم التحديات التي تواجه الاستزراع السمكي في قطر تتمثّل في كون هذه المشروعات جديدة، وهو ما يقتضي توفير زريعة الأسماك المناسبة، الأمر الذي بدأت وزارة البلدية والبيئة في مواجهته عبر مركز الأبحاث المائية برأس مطبخ، الذي سيقوم بتزويد مشاريع الاستزراع السمكي في الدولة بالزريعة اللازمة لتشغيل هذه المشاريع، كذلك ستتم إقامة نحو 10 مشاريع جديدة متوسطة الحجم للاستزراع السمكي، تعتمد بشكل أساسي على مركز الأبحاث المائية الجديد.
ويطالب رائد الأعمال خالد البوعينين بدعم الدولة المشروعات ذات الخطورة المرتفعة نسبياً، قائلاً إن رواد الأعمال غالباً ما يلجأون إلى القطاعات الآمنة، كالاستثمار العقاري والمصرفي، بسبب قلة نسبة الخطورة فيهما، مقارنة بقطاعات أكثر خطورة مثل الاستزراع السمكي. وأكد بأن الخطوة العملية ومرحلة العمل على الأرض تتطلّب إشرافاً من متخصصين، وأن تخصص الجهات المعنية عدداً من المختصين في الاستزراع السمكي للعمل على تعريف روّاد الأعمال بكل خطوة والوقوف عليها، لأن هذا القطاع جديد نوعاً ما على رواد الأعمال، ويحتاج في البداية إلى تعريف موسّع به من خلال القنوات الرسمية كغرفة تجارة وصناعة قطر، ووزارة البلدية والبيئة.
مشاريع وأهداف
خلال الفترة المقبلة تطرح الدوحة مشروعات عديدة للاستزراع السمكي، أحدها لاستزراع الروبيان، بطاقة إنتاجية تبلغ 1000 طن كل عام، كذلك سيتم طرح مشروعين جديدين للاستزراع السمكي في الأقفاص العائمة، بطاقة إنتاجية تبلغ 2000 طن كل عام لكل مشروع منهما، وهو الأمر الذي يمهّد الطريق أمام دولة قطر لبلوغ الاكتفاء الذاتي الكامل من الأسماك خلال خمسة أعوام مقبلة، بحسب فالح بن ناصر، الذي لفت إلى أن عام 2018 سيشهد طرح إنتاج مزارع متميزة عدة في السوق القطري، بعد إطلاق أول مشاريع القطاع الخاص لاستزراع الأسماك، بطاقة استيعابية تُناهز ألفي طن سنوياً، كذلك تدخل 4 شركات كبرى إلى سوق الاستزراع السمكي بمشاريع متميزة عدة، قائمة على الاستزراع في المياه المالحة.
وطرحت اللجنة الفنية لتحفيز ومشاركة القطاع الخاص في مشروعات التنمية الاقتصادية مزايدة عامة للمستثمرين لإقامة مشروع استراتيجي لاستزراع الأسماك بالأقفاص المائية، وذلك في منتصف فبراير/ شباط 2017، وتقدم للمزايدة العديد من المستثمرين وفازت بحق امتياز المشروع شركة خاصة، ما يرفع نسبة الاكتفاء الذاتي من الأسماك في الدولة من 80% حالياً إلى 87% خلال فترة لا تتجاوز 18 شهراً، بحسب وكيل وزارة البلدية والبيئة المساعد.
حلول مقترحة
تعمل وزارة البلدية والبيئة على حصر مزارع الاستزراع السمكي بدون ترخيص من أجل منحها التراخيص خلال الفترة المقبلة، وفق ما كشفه مصدر في وزارة البلدية والبيئة حيث أكد أن الوزارة تعمل على تجارب بحثية عدة، من بينها واحدة تعمل على مياه الآبار قليلة الملوحة، وقد أثبتت التجربة نجاحها، وتعمل هذه التجارب أيضاً على استزراع سمك بلطي قطري. من جانب آخر، أكدت الوزارة أن السمك سيكون متوفراً في السوق بصورة كبيرة في الفترة المقبلة، الأمر الذي يشعر المستثمر النعيمي بأنه سيعمل على تذليل عقبات الاستزراع السمكي بعد حصوله وزملاءه على وعود من كبار مسؤولي وزارة البلدية والبيئة بالنظر في المشكلات التي تواجههم. وذلك في إطار بحث الدولة في الآونة الأخيرة عن حلول جذرية للمشكلات التي تواجه المستثمرين، حرصاً على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الأمن الغذائي.
تحرك حكومي مبشر
بدورها، ذكرت مصادر مطلعة بوزارة البلدية أيضاً أن مشروع استزراع الأسماك الذي يحظى بإشراف ومتابعة المجموعة الوزارية لتحفيز ومشاركة القطاع الخاص سيؤمن 30 % من احتياجات السوق المحلي من الأسماك.
وينقسم مشروع استزراع الأسماك إلى ثلاثة مشاريع رئيسية، كل مشروع منها ينتج 2000 طن، بطاقة إنتاج إجمالية تصل إلى ستة آلاف طن، وتم إرساء المناقصة الأولى على إحدى الشركات التي فازت بالمناقصة لتجهيز 2000 طن في المرحلة الأولى على أن تعقبها المراحل التالية التي تشمل المرحلة الثانية والثالثة، وبالتزامن مع إرساء هذه المرحلة تم طرح مشروع إنتاج الربيان، بطاقة إنتاج تصل إلى 1000 طن في منطقة العريش في الشمال، والمناقصة في طور اكتمال عروض الشركات لترسية العطاء في شكله النهائي لانطلاق أعمال المشروع.
ويعتبر هذا المشروع من ضمن مشاريع مماثلة في مختلف القطاعات تخطط الدولة لإطلاقها تنفيذاً لتوجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وتطبيقاً للتوصيات التي قدمتها اللجنة الفنية التابعة للمجموعة الوزارية، وضمن سعي الحكومة للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الغذاء والمنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية.
وتتم عملية الإنتاج في هذا المشروع على مراحل، تبدأ المرحلة الأولى منها في منطقة رأس مطبخ حيث يتم تحفيز أمهات الأسماك على وضع البيض، ومن ثم تأتي المرحلة الثانية التي يتم خلالها التخصيب، ومن ثم المرحلة الثالثة التي تتم خلالها عملية الفقس، لتعقبها عملية تنمية الأسماك (زريعة الأسماك واليرقات) وتسمينها في المرحلة التي تكون فيها في حالة (الاصبعيات)، وبعد هذه المرحلة يأتي دور القطاع الخاص الذي يقوم بعملية شراء الاسماك ومن ثم القيام بأعمال التربية والتسمين حتى تصل الأسماك إلى الحجم الاقتصادي الذي يتماشى مع متطلبات السوق ورغبات المستهلكين (الحجم الاقتصادي) ليتم التسويق والتوزيع على منافذ البيع.
الأسماك بين حوضين
الجدير بالذكر أن عملية الاستزراع تتم في أحواض على اليابسة وأخرى وسط البحر (الأحواض العائمة)، وضمن مشروع الاستزراع السمكي القطري، ستكون هناك ثلاث شركات تتولى عملية الاستزراع وسط البحر، وعشر شركات تتولى عملية الاستزراع في اليابسة. وستلبي هذه المشاريع احتياجات السوق المحلي التي تقدر بنحو 20 ألف طن يتم حاليا منها إنتاج
ما بين 15 و16 ألف طن والباقي ما يعمل هذا المشروع على توفيره ما بين 6 و7 آلاف طن وبذلك تحقق الدولة الاكتفاء الذاتي بالكامل من الأسماك.
وتأتي هذه الاستراتيجية القطرية وسط تزايد الطلب العالمي على الأسماك وهو ما يؤهل قطر لأن تصبح مصدراً موثوقاً ومضمونا للأسماك في المستقبل، حيث تفيد الإحصائيات الرسمية بثبات الإنتاج العالمي منذ فترة ما بين 90 و94 مليون طن في العالم رغم زيادة الطلب بنحو 74 مليون طن على مستوى العالم لم يتم توفير منها حتى الآن إلا نحو 40 مليون طن بواسطة مشاريع الاستزراع السمكي التي أصبحت المصدر الوحيد الذي يعول عليه في تعويض الزيادة في الطلب.