البرتغال.. جولة في جوهرة أوروبا المخفية

 

قبل ان تحط الطائرة على مدرج مطار لشبونة، تنجح هذه العاصمة في أسر زائريها. المنظر من فوق مساحات خضراء شاسعة مرصّعة بالقرميد الاحمر لهندسة معمارية، يمكن القول انها الاكثر تنوعاً وتميّزاً في العالم. مُدُن يحدّها من الغرب محيط مفتوح، ترتطم مياهه بزنار عريض من الرمال الذهبية. فأهلاً بكم في البرتغال، حيث السياحة تكتسب معنى مختلفاً، وأبعاداً متنوعة قادرة على إرضاء الجميع.

 

قبل ان نستهل حديثنا عن اهم اماكن الجذب، لا بدّ من ان نقرّ بأن زيارة واحدة لهذا البلد الذي يبدو كأن الجغرافيا قد تعمّدت اخفاءه خلف اسبانيا، اي في جنوب غرب اوروبا، لا تكفي، والعودة لا بدّ ان تكون حتمية.
إن الاسباب متعددة؛ البرتغال تحتوي على تنوع مذهل من الجبال الى الوديان، من القرى النائية الى المدن التي تضج بالحياة، من الشواطئ الذهبية الى الانهر والبحيرات المزروعة، وسط امكنة منسيّة من الجمال الخام، من التوابل والبهارات الى ثمار البحر والحلويات الشهية، من ابتسامات السكان الى لطافتهم ودماثتهم واستعدادهم لمساعدة أي سائح. كل شيء في هذا المكان يدعو الى الفرح، وكأن الحياة في هذه البقعة من العالم، يُقام لها مهرجان كل يوم! ولعلّ الارث العربي من أيام الاندلس الذي يمكن لمسه الى يومنا، يلعب دورا ما في جعل البرتغال قريبة من قلب الزائر العربي.

 

في هذا التقرير، نقدم لكم الجزءالاول من خطة شاملة لزيارة مدتها بين سبعة أيام وعشرة، تتعرفون خلالها الى أهم الاماكن الساحلية. ولمن يرغب يمكنه بالتأكيد اختصار الجولة الى بضعة ايام، على ان يكتفي بمدينة واحدة.

 

لشبونة، أربعة أيام:البداية لا بدّ من ان تكون من العاصمة التي تتكئ على سبع تلال. غريب وجه هذه المدينة التي تضج بالحياة كيفما جال النظر، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على شيء من الهدوء، بفضل انظمة النقل والهندسة، وتلك السطوح الحمراء التي تعيد الى الاذهان كلمات اغنية فيروز “حمرا سطيحاتك حمرا”!على أي حال، لشبونة لا تشبه سواها من عواصم العالم. فرغم نبض الحياة الذي يسري في أغلبية شوارعها وأزقتها، لاتزال وفية لإرثها التاريخي ولطابعها الرومنسي. كيف لا وهي ثانية أقدم مدينة في العالم، إذ تأتي مباشرة بعد أثينا.

تعجّ لشبونة بالقصور التاريخية والحدائق والآثار والمتاحف. لدى وصولكم، إذا كنتم تشعرون بالتعب يمكنكم اللجوء الى سيارات الـ”توك توك” الصغيرة، المتوافرة في كل مكان. يمكن الحصول، كذلك، على جولة مدتها ساعة الى ثلاث ساعات، هناك الكثير من العروض التي يقدمها لكم سائق هذه السيارة الكهربائية.ينصح بداية بالتوجه الى ما بات يعرف بـسوق “تايم اوت” أي ساحة السوق التجاري، حيث تتوافر العديد من الاكشاك والمطاعم المتخصصة بالطعام البرتغالي. تجربة مميزة تختلطون فيها بالسياح واهل العاصمة.يمكن ان تستهلوا صباح اليوم الثاني بزيارة لقصر سان جورج التاريخي الذي يحتاج الى نحو 4 الى 5 ساعات، بعدها يمكن ان تتابعوا الجولة في ما تبقى من شوارع العاصمة، منها منطقتا “ألفاما” التي تعجّ بالمطاعم والمقاهي واماكن التسوق و”شيادو” التي تضم عدداً من المسارح ومحال التسوق. هناك منطقة “بيليم” ايضاً، وهي مشتقة من العربية “بيت لحم” وتضمّ أحياء مميزة من العاصمة وفيها الكثير من المعالم السياحية التي تدخل ضمن لائحة التراث العالمي، مثل برج بيليم، ودير جيرونيموس الشهير. مساء يمكن الاستمتاع بسماع موسيقى الـ”فادو” البرتغالية التقليدية. وللراغبين في التعرف اكثر الى تاريخ هذا الفن الذي استهلّ في منتصف القرن التاسع عشر، يمكنهم التوجه الى متحف الموسيقى.إذا كنتم تزورون لشبونة برفقة العائلة، ينصح بتخصيص يوم واحد على الاقل لزيارة “متحف لشبونة للاحياء البحرية” (أوشيناريوم لشبونة)، خصوصاً انه الأكبر من نوعه في اوروبا. يشتمل على مصغّر للمحيط الاطلسي واهم الاسماك والحيوانات البحرية.يوم رابع ينصح بتخصيصه لزيارة “سنترا”، التي تفصلها نحو ساعة عن العاصمة. وفيها قصر “بينيا” المزدان بألوان زاهية وقد شيّد في القرن التاسع عشر، على احدى تلال المدينة. تعكس هندسته وتفاصيله الداخلية طابعاً رومنسياً جداً، وهو مدرج على لائحة اليونسكو للتراث العالمي ايضاً. على اي حال، اكتسبت سينترا دورا مهما في الحياة السياسية لملوك البرتغال، اذ غالباً ما شكّلت مقرّ الحكم الصيفي بسبب مناخها وطبيعتها الخلابة.

 

بورتو يوم واحد إلى يومين:تقع على الساحل الشمالي للبلاد، وهي ثانية اكبر مدينة في البرتغال بعد العاصمة. صغيرة لكن الرونق يلفّها من كل جوانبها. شيّدت على ضفتي نهر دورو، والتلال المحيطة به. وهي اليوم مدرجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي. تضم كنيسة سان فرانسيسكو التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر. كما ان موقعها الجغرافي جعلها نقطة استراتيجية على صعيد التجارة، خصوصاً المنتجات الزراعية، إذ يسهم النهر الشهير في نقل البضائع الى القرى المجاورة على متون السفن التي صارت اليوم سفناً سياحية بامتياز. لذلك عدّت بورتو بوابة رئيسية تربط المحيط الاطلسي بالداخل البرتغالي منذ القدم.على اي حال، تستقبلكم هذه المدينة بجمال مبهر، وبجسور تربط بين ضفتيها تزيدها سحراً، وبناسها الذين يعشقون الحياة وبمطاعمها التي تعجّ بمأكولات بحرية يسيل لها اللعاب.في بورتو، لا تنسوا التنقل مشياً في “أفينيدا دوش أليادوش”، حيث تعيدكم هذه الساحة بالزمن عقوداً. التنزه يصبح متعة في ظل كل هذه الهندسة العريقة والواجهات المميزة والمساحات العمرانية التي تعانق الماضي.بالحديث عن الهندسة المميزة، تعدّ محطة القطارات الرئيسية نقطة جذب مهمة، بفضل داخلها المزدان بواجهات مذهلة من البلاط البرتغالي التقليدي الذي يصور تاريخ تطور وسائل النقل في البلاد.كذلك، لا يفوتكم التوجه الى مكتبة “ليلو” التي تعدّ من اجمل المكتبات التاريخية على الاطلاق. فضلاً عن هندستها القوطية وتفاصيلها الداخلية المذهلة، تحتوي على مجموعة واسعة من الكتب لأدباء برتغاليين وبعض الاصدارات بلغات عدة. الدرج المؤدي الى الطبقة العلوية يعتبر قطعة فنية بحد ذاته، وكأنكم دخلتم الى اجواء “هاري بوتر” الخرافية.الجرف 3 الى 4 ايام:التوجه جنوباً الى الجرف، المشتقة من كلمة الـ”غرب” العربية، على الساحل البرتغالي، يعني الاستمتاع بمناظر تخطف الانفاس مطلة على زرقة البحر. الفرق هنا ان المياه دافئة بفضل اقترابها من البحر المتوسط، بعكس الحال مع مياه المحيط الباردة جداً في بورتو ولشبونة. هنا يتوافر الكثير من الفنادق والشقق المفروشة التي تقع على مقربة من الشاطئ الذهبي العريض الذي يشرّع ابوابه للجميع. كثيرة هي البقع التي يمكن زيارتها في هذه المنطقة الجنوبية، من لاغوس الى ساغريس وفارو وتافيرا.المهم ان يكون الوقت لمصلحتكم؛ فعلى سبيل المثال، إذا كنتم تفضلون الاستمتاع بجمال الشاطئ والرياضات المائية والابحار في السفن الشراعية واكتشاف المغاور الطبيعية المذهلة، لاتهدروا الوقت بالتنقل من منطقة الى اخرى. يمكن الاكتفاء بلاغوس لأنها تحتوي على كل شيء.أما اذا كان الشاطئ محطة ثانوية في جدولكم، فكثيرة هي المعالم الاثرية التي يمكن تقفيها، من كنيسة سان سيبستيان الى قصر الحكام الذي بناه العرب وقلعة كابو دي ساغريش وألجيزور وبلدة سيلفيس التاريخية التي خضعت للحكم الاسلامي ايضاً، فتجعل الزائر يحلم بعلاء الدين ممتطياً سجادته الشهيرة. اما بورتيماو فهي واحدة من كبرى مدن الجرف، تتمتع بشاطئ مذهل تحرسه صخور حمراء ضخمة. تاريخياً، احتضنت هذه المدينة ميناءً مهماً، ما جعل الحياة تتدفق في كل ارجائها، اشتملت على سوق لا يزال الى يومنا يعجّ بالمطاعم والمحال وأماكن السهر. يمكن، كذلك، زيارة قلعة سانت كاتارينا التي بنيت في القرن السابع عشر، لحماية السكان من الغزاة والقراصنة. من هذه القلعة، يمكن الاستمتاع بمنظر آسر مطلّ على الشاطئ غير المحدود. للمعلومات أيضاً، تقيم المدينة في أغسطس/ آب من كل عام، مهرجان السردين الذي يعدّ من اهم مهرجانات الطعام في البلاد.مدينة البوفيرا وهي مشتقة من العربية “البحيرة”، تحتضن كنيسة تاريخية شيّدت في القرن السادس عشر، كما تشتهر بكونها مقصداً للسهر، فيما شهدت بلدة فارو التي تتمتع بآثار فينيقية، حكم الامير محمد بن هارون الذي أسس مملكته فيها. فيها جزء قديم يسمى “المدينة القديمة” وهي مسيجة بأسوار من القرون الوسطى، تتميز بشوارع مرصوفة بالحجارة والساحات الشاسعة، تعود الى الحقبة الرومانية، فضلاً عن انها غنية بالمباني التاريخية التي تستحق عناءالزيارة.

Previous post
أفضل الوجهات العربية خلال فصل الربيع
Next post
بفعل التقلبات الاقتصادية.. كيف تأثرت هذه الدول بالانتعاش والإفلاس ؟