الانسحاب من أوبك.. والقرار السيادي

الدوحة – بزنس كلاس:

أصاب القرار التاريخي المفاجئ الذي اتخذته دولة قطر أمس بالإنسحاب من منظمة الدولة المصدرة للنفط “أوبك” دول الحصار خصوصاً السعودية والإمارات بحالة من الارتباك والجنون كونه جاء في الوقت الذي استخدمت فيه هذه الدول المنظمة كأداة لتنفيذ أجنداتها الخاصة التي لا تفيد بقية الدول الأعضاء بالمنظمة، كما أن القرار يمثل إعتراضاً صريحاً على طريقة أداء المنظمة في السنوات الأخيرة وتأكيدا على تزايد الخلافات داخلها بالقدر الذي أعاق عمل المنظمة العالمية، والقرار يعتبر ايضا تأكيداً على أن الاقتصاد القطري يسير في الإتجاه الصحيح وأنه بتطبيق سياسة التنوع والاستثمار في الانسان والمعرفة، كما أنه يؤكد أن المرحلة المقبلة سيكون التركيز فيها على تطوير صناعة الغاز الطبيعي العالمية الذي تتصدر قطر قائمة منتجيه ومصدريه بأكبر إحتياطي للغاز الطبيعي، كما أن الخطوة تؤكد استطاعة قطر على مواصلة مسيرة النمو الهائلة التي جعلتها محط الأنظار في كل المحافل العالمية.

وفي نفس الوقت جاء قرار إنسحاب قطر ليعبر وبوضوح عن إمكانية أن تتخذ دول أخرى في المنظمة نفس الخطوة في أي وقت ترى فيه أن البقاء داخل المنظمة لن يعود عليها بالفائدة على المدى القريب والبعيد…

وتأكيداً على جرأة الخطوة القطرية وقوتها ومدى تأثير هذه الخطوة سلباً على مسيرة المنظمة، أفردت وسائل الإعلام بدول الحصار الثلاث السعودية والإمارات والبحرين مساحات واسعة لتناول قرار إنسحاب دولة قطر من منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” اعتباراً من يناير المقبل، معتبرة أن هذه الخطوة لا تؤثر على مسيرة الأوبك نسبة لأن انتاج قطر للنفط قليل مقارنة بالإنتاج العالمي وانتاج المنظمة مؤكدة أن تأثير هذا الإنحساب محدود جداً، وركزت صحف دول الحصار على هذه النقطة في كل تقاريرها..

ما سبب إهتمام دول الحصار بإنسحاب قطر
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو لماذا كل هذا الإهتمام بقرار انسحاب قطر طالما أنه لا يؤثر على منظمة أوبك ولا على الأسواق العالمية للنفط؟.  وبالتأكيد لا تملك دول الحصار مجتمعة إجابة على هذا السؤال لأسباب جوهرية لن يذكرها إعلامها الكذوب ولا مسؤوليها السطحيين، حيث أن أكثر ما يغيظ هذه الدول الحصار وإعلامها الكذوب هو أن قرار إنسحاب دولة قطر من منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” مؤشر واضح وقوي على أن دولة قطر تتمتع بالإستقلالية في قراراتها ومواقفها السياسية والسيادية ولا تقوم بتنفيذ أي أجندات لا تتوافق مع هذه التوجهات، في الوقت الذي تخضع فيه دول الحصار مجتمعة إلى تنفيذ أجندات خارجية لا علاقة لها لا بدولهم ولا بالمنطقة والشرق الأوسط.

وطرحت بعض المقالات التي نشرتها صحف دول الحصار تساؤلاً عن ماذا ستخسر أوبك من خروج قطر؟ ونسبة لضيق أفق الرؤية لكتاب المقالات لدى اعلام الحصار لن يتمكنوا أيضاً من الإجابة على هذا السؤال، كونهم لا يملكون الأدوات المهنية والأكاديمية والتحليلية التي تمكنهم من تقديم قراءة محكمة لواقع المنظمة قبل وبعد إنسحاب قطر، والمتابع للمشهد السياسي والإقتصادي العالمي في السنوات العشرة الماضية سيجد أن دولة قطر ظلت طيلة هذه السنوات لاعباً رئيسياً على الساحة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية العالمية.

سطحية إعلام الحصار
وقد اتسمت كل الأخبار والتحليلات التي نشرتها صحف الحصار عن قرار قطر بالسطحية والضعف والهشاشة لعدم قدرتها على تقديم قراءة صحيحة ومتأنية ولعدم تمكنها من تقديم دلائل ومؤشرات حقيقية تدعم رؤيتها للقرار القطري، وما يثبت هذه السطحية ما جاءت به صحيفة الاتحاد الامارايتة، التي قالت إن إنسحاب قطر من المنظمة سببه إشتداد وطأة المقاطعة المفروضة على الدوحة من جانب دول الحصار “السعودية والإمارات والبحرين ومصر”.. فكيف بدولة تشتد عليها مقاطعة 4 دول مجتمعة تقوم باصدار قرار مستقل وتاريخي بالخروج من أكبر منظمة نفطية اقتصادية في العالم؟..

إنسحاب قطر وتأثيره على المنظمة..
وعليه فإن إنسحاب قطر من “أوبك” سيضعف المنظمة لأنها تكون بذلك قد فقدت حليف مهم وله ثقل دبلوماسي وسياسي واقتصادي لا يستهان به، كما أنها، أي دولة قطر، أصبحت تتمتع بثقة المجتمع الدولي قاطبة بفضل سياساتها الحكيمة والمتزنة ودبلوماسيتها الذكية وعلاقاتها القوية مع مختلف دول العالم ويدها الطولى في حلحلة العديد من ملفات النزاعات الدولية المعقدة في المنطقة والشرق الأوسط، ضف إلى ذلك مواقفها المشرفة في كافة المحافل وعلى وجه الخصوص دورها المحوري في العمل الخيري والإنساني العالمي، إضافة إلى ثقلها المكتسب من دورها المهم كشريك قوي وحليف استراتيجي للولايات المتحدة وعدد من دول العالم في مكافحة الإرهاب، وكل هذه المعطيات جعلت من قطر “مساهم رئيس في تشكيل القرار العالمي”.

أراء خبراء واقتصاديون
وعودة على بدء، قال خبراء ومحللون اقتصاديون في تصريحات لـ قناة “CNBC” أن تداعيات قرار قطر المفاجئ بالإنسحاب من المنظمة سيلقي بظلاله على مستقبل المنظمة النفطية العالمية الذي أصبح في وضع هش بعد هذا القرار، كما اكد خبراء استطلعت أرائهم جريدة الشرق القطرية  على أن القرار جاء بعد تزايد الخلافات داخل المنظمة بالقدر الذي أعاق عملها، مؤكدين على أن قطر ستظل قوية بدون منظمة أوبك ولن تتأثر بهذا الخروج.

وذكرت رويترز في تقرير أعدته خصيصا لرصد تداعيات القرار القطري، أن التحالف الداخلي الأكثر قوة في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، والذي يضم مجموعة المنتجين الخليجيين “يتفكك سريعاً”. وأشارت إلى أن قطر وكرئيس لـ”أوبك” في 2016 أدت قطر دوراً فعالاً في لم شمل المنتجين، ومن بينهم روسيا، وهي ليست عضواً في المنظمة، للاتفاق على خفض الإمدادات.

وبدورها قالت خبيرة استراتيجية ومحللة سابقة في وكالة الاستخبارات الأمريكية في تصريحات لوكالة بلومبيرغ الأمريكية إن رمزية القرار القطري عميقة مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستؤدي على الأغلب إلى استنتاج أن الانقسامات الجيوسياسية في المنطقة أصبحت مستعصية للغاية”، ووفقا لبلومبيرغ فإن القرار القطري يمثل سابقة مزعجة أمام مجموعة تفخر بوضع المصالح الإقتصادية المشتركة فوق الأوضاع السياسية والأحداث الكارثية.

قطر .. التركيز على الغاز
الجدير بالذكر أن سعادة المهندس سعد بن شريده الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للبترول كان قد أعلن يوم أمس أن دولة قطر قررت الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” بدءا من الأول من يناير المقبل، وأن الدولة أبلغت المنظمة صباح أمس بقرارها.. وأرجع سعادة الوزير هذا القرار إلى رغبة قطر في التركيز على قطاع الغاز باعتباره هو القطاع الأهم بالنسبة لها، وأنه في ظل سعي دولة قطر لترسيخ مكانتها كمزود موثوق ومعتمد للطاقة إلى جميع أنحاء العالم، كان لزاما عليها مراجعة دور قطر ومساهمتها على الصعيد العالمي في مجال الطاقة ، وكيفية تعزيز ذلك الدور وتلك المساهمات بشكل يخدم أهداف واستراتيجية قطر على المدى البعيد.

السابق
قطر وماليزيا.. جذور عميقة لعلاقات مثمرة
التالي
سمو الأمير: سعيد بما يحدث في المشهد القطري