
سفينة من ورق في بحر هائج
أحادية المصادر وتراجع البنى التحتية لبعض دول الخليج عيّنة من حزمة أسباب
قطر حققت ما عجز عنه الآخرون والوقائع شواهد
بزنس كلاس – محمود شاكر
الحديث عن تطوير مجلس التعاون الخليجي ليصبح اتحاداً اقتصادياً متكاملاً هو مشروع طموح من المهم جداً العمل عليه بين دول الخليج العربي جميعاً نظراً لما يشهده العالم من قيام تكتلات اقتصادية ضخمة تضمن للمشاركين فيها نمواً اقتصادياً وحصة مناسبة من الاقتصاد العالمي بصورة كلية.
إلا أن هناك معوقات كثيرة وأسباباً عضوية تجعل قيام الاتحاد الخليجي أمرا مستبعداً أو غير ذي فائدة من حيث النتيجة المرجوة من هكذا توجه.
بعيداً عن ضجة الأزمة الخليجية الحالية وتداعياتها السياسية الكارثية على صيغة وروح مجلس التعاون، هناك أسباب موضوعية وعضوية تلعب دوراً مركزيا كعوائق أمام أي اتحاد خليجي على المستوى الاقتصادي.
أحادية المصادر الاقتصادية
من أبرز الأسباب التي تقف عائقاً بوجه عملية التكامل الاقتصادي لدول الخليج، أحادية الإنتاج والتركيبة الوحيدة للهيكلية الاقتصادية الخليجية. فاقتصاد دول الخليج جميعها يعتمد بدرجة كبيرة على إنتاج مصادر الطاقة بأنواعها. ومع استثناءات بسيطة يكاد يكون مصدر الدخل الوحيد لدول مجلس التعاون الخليجي هو بيع النفط والغاز ومشتقاتها. وبالتالي فإن اعتماد هذه الدول على مصدر واحد للدخل يجعل عملية الاندماج الاقتصادي بينها غير ذات جدوى كما أنها ستقع في فخ الازدواجية والمنافسة بذات المنتجات التي لا تحتاج أي دولة خليجية سوى جزء يسير مما تنتجه منها مثل النفط والغاز. إذاً هي جميعاً تنتج نفس المادة وهي جميعاً أيضاً تحتاج مواد أخرى كثيرة تستورها من مصادر ودول أخرى مختلفة. وكذلك فإن اعتماد الدول الأعضاء على النفط واستخدام عوائده في دعم القطاع الحكومي يؤدي إلى تضاؤل دور القطاع الخاص المستقل، القادر على التصرف بعيدا عن سلطة الدولة، ما يعني عدم توفر ظروف اقتصادية من تنويع الاقتصاد والمنافسة، تساعد على الوصول إلىالتكامل الاقتصادي.
حول استثنائية قطر
ورغم أنها تجربة فردية تحتاج للتعميم بشكل متناغم بين دول الخليج، تبدو قطر واحدة من أفضل الدول في هذا الإطار عندما تبنت استراتيجية حقيقية لتنويع مصادر الدخل بشكل فعال فتنوعت مصادر الاقتصاد القطري بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة وبات مصدر الدخل من تصدير مواد الطاقة يتراجع في ارقام الميزانية على حساب نمو مصادر الدخل الأخرى. سواء الاستثمار في القطاع الزراعي بأكثر من بلد في العالم للوصول إلى الأمن الغذائي في قطر. وربما تكون مشاريع قطر الزراعية في السودان وتركيا وأستراليا خير دليل على ذلك، ناهيك عن الاستثمارات الضخمة التي تفوق 300 مليار دولار لجهاز قطر للاستثمار في أكثر من مجال من الصناعات الثقيلة والمتوسطة بمختلف مناطق العالم. وكل ذلك يتم في قطر عبر شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص الذي أخذ زمام المبادرة لخلق اقتصاد قطري متنوع المصادر قادر على مواجهة أي أزمة اقتصادية مهما بلغت شدتها.
تسلط القرارات الخليجية
من جانب آخر، فإن قيام اتحاد اقتصادي حقيقي بين دول الخليج يتطلب بشكل أساسي سياسة اقتصادية مشتركة يقوم بصياغتها مجلس خليجي اقتصادي يضع نصب عينيه إقامة صناعات كبيرة ومشاريع بنية تحتية إضافة إلى استثمارات زراعية على أساس تلبية حاجة إقليمية أو خليجية وليس حاجة وطنية لدولة بحد ذاتها. هذا الأمر يحتاج إلى جملة من الشروط التي يصعب جداً تحقيقها نتيجة تسلط القرار السياسي الوطني لأي دولة خليجية على القرار الاقتصادي الخليجي وهناك أمثلة كثيرة على هذا. لكن أهم هذه الشروط يتجلى في اتفاق خليجي شامل على تغليب مصلحة المجموعة على المصلحة الفردية لهذه الدولة أو تلك وبالتالي التنازل عن بعض أوجه السيادة الوطنية مقابل تحقيق دائرة أمن اقتصادي على نطاق أوسع يشمل الخليج برمته. لكن غالبية الدول النامية ومن بينها دول مجلس التعاون لم تتقبل بعد فكرة دمج أجزاء من سيادتها الوطنية أو الممارسة المشتركة للسيادة مثل النموذج الذي قدمته دول الاتحاد الأوروبي.
مستويات متفاوتة
إضافة إلى ما تقدم فإن التكامل الاقتصادي بحاجة لتطوير البنية التحتية وإقامة شبكة ربط “طرقات وخطوط سكة حديدية” بين مصادر الإنتاج من حقول ومصانع مع الأسواق وهذا أمر يصعب تحقيقه بسبب تفاوت مستويات التركيز على تطوير البنى التحتية الوطنية والمشتركة بين دول الخليج حيث نجد دولة مثل قطر وقد قطعت بهذا المضمار أشواطاً كبيرة كمشروع مترو الدوحة أو شبكة مشاريع مونديال قطر 2022 من الملاعب إلى الفنادق وسواها من المنشآت الحيوية، فيما السعودية مثلاً تعاني مشاكل جمة نتيجة نقص تطوير البنية التحتية الواضح في مناطق كثيرة من المملكة.
قوانين ونواظم
أخيراً، منحت الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون الأولوية في التطبيق لأحكام الاتفاقية عند تعارضها مع القوانين والأنظمة الوطنية لأي دولة من الدول الأعضاء. وبما أن مسؤولية متابعة تنفيذ القرارات تقع على عاتق الأمانة العامة التي تتبع المجلس الأعلى، لم يقم الأخير بدوره المطلوب في مساءلة الأمانة العامة عن هذا التقصير، بينما تتبع اللجان الفنية المجلس الوزاري في أي دولة خليجية. وهنا تبرز أهمية وجود جهاز مستقل ماليا وإداريا يقوم بعمليات التوجيه والرقابة والمتابعة لسير تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون، لتجد طريقها نحو التطبيق وصولاً إلى التكامل الاقتصادي.
سلة متناقضات
في ضوء ما تقدم وبعد أيام على اندلاع ما باتت يُعرف اليوم بأزمة قطع العلاقات مع قطر، نجد ببساطة أن بعض دول الخليج أو بعض حكومات دول الخليج تفكر وتخطط على أساس وطني واضعة نصب أعينها أجندة سياسية لتقدمها في الأهمية على أي مشروع اقتصادي خليجي مشترك في تناقض واضح مع التفكير المنطقي الذي يقول أن السياسة وسيلة وجدت لتحقيق المصالح الاقتصادية العليا التي تعتبر غاية بحد ذاتها، لذلك طالما هكذا عقلية تتحكم بصناعة القرار على المستوى الخليجي لن يكون هناك اتحاد اقتصادي وسينضم إلى قائمة منسيات المنطقة!