ها قد بدأت الأوراق تتساقط واحدة تلو الأخرى، حتّى انتصف العدد بالتمام والكمال، ما بين مُغادر وباقٍ، البعض يقول أن كأس العالم يبدأ من الدور الثاني، حينها تشرع المنافسات الحقيقة ويصطدم الكبار بعيدًا عن دور المجموعات الذي يحوّل غالبية المشاهدين إلى مغبونين.
المنطق قال كلمته، فتأهلت منتخبات الصف الأول على غرار إسبانيا، بلجيكا، فرنسا، فيما حافظ التاريخ على مساره فلاقى حامل اللقب “ألمانيا” مصير سفله وخرج من الباب الضيق كما فعلت فرنسا 2002، إيطاليا 2010، وإسبانيا 2014.. الحظ العاثر وقف بالمرصاد أمام أفريقيا فأقصيت جميع منتخباتهم، السنغال بفارق بطاقتين صفراوين، نيجيريا سقطت بالأمتار الأخيرة ضد الأرجنتين.
اليوم سنكون على موعد مع انطلاقة الدور الثاني من كأس العالم روسيا 2018، ففي الظهيرة سيكون التانجو الأرجنتيني في مواجهة الديك الفرنسي وهي لربما الموقعة الأثقل فنيًا والأكثر شهرة من بين جميع مواجهات هذا الدور، إضافة إلى مباراة السهرة والتي ستجمع بين أوروغواي صاحبة الشباك النظيفة والبرتغال الطامحة في مواصلة السعي نحو التدرج بسلم البطولة ومحاكاة ما تم إنجازه بفرنسا 2016.
فرنسا – الأرجنتين
التشابه الوحيد بينهما هو امتلاكهما لمدربين متذبذبي الثقة، فخورخي سامباولي يدخل كل مباراة على حدة برسم خططي وتوليفة لاعبين مغايرة لما قبلها من المباريات، ففي الافتتاح عمد إلى (4-2-3-1) ثم ضد كرواتيا (3-4-2-1) وأخيرًا ضد نيجيريا (4-4-2) بمستويات أقل من المتوسطة، أمّا ديديه ديشامب فلم يختلف حاله كثيرًا وتباينت قراراته بين (4-3-3) و (4-2-3-1) فهو لم يتوصل بعد إلى التشكيل والتوظيف الأمثلين لكوكبة النجوم التي يمتلكها، فظهرت فرنسا بشكل باهت خلال الدور الأول وهو ما أشارت إليه صحيفة ليكيب بوصفها أداء الديكة بالمُحزن والغير محترم، لذا فإن مفتاح العبور بأقدام اللاعيبن وليس بعقول المدربين.
أمّا على صعيد القدرات الفردية فإن فرنسا تتفوق بكل المراكز، لاعبون لديهم الثقة والثبات والأهم هو أنهم قطع أساسية بفرقهم بدء من الحارس لوريس فأومتيتي وكانتي، وصولًا لخط المقدمة مبابي، غريزمان وديمبيلي.. وهي الحلقة المفقودة بالمنتخب الأرجنتيني الذي يمتاز بالتقدم في العمر وعدم تميز ونجومية غالبية لاعبيه، كاباييرو، روخو، ماسكيرانو، بيريز، وحتّى الأسماء الهجومية المغمورة كبافون وميزا!
التشبية الأمثل لحال كلا المنتخبين هو أن فرنسا كالمواطن الروسي الذي تنقل من مدينة كازان باتجاه بيترسبرغ مثلًا، هو محلي نعم لكنه تائه قليلًا عن مدينته وفي الوقت ذاته هو ليس أجنبيًا وسيجيد التعامل، أمّا الأرجنتين فهي كالسائح في بلد أجنبي، لا يعرف الخبايا والدهاليز وسيواجه صعوبات البقاء لكنه يتمسك بأمل ضعيف وهو ليو ميسّي، أو كما قال سامباولي بالمؤتمر الصحفي للمباراة “سنلعب واضعين سكاكين بين أسناننا”
فنّيًا فإن ثُقل حجم لاعبي فرنسا -خاصة بالوسط- سيعطيهم الأفضلية للفوز بالمباراة إذا ما قارناه بنظيره في الأرجنتين والذي تحول إلى مشهد عبثي، ماسكيرانو دائم الأخطاء والسهوات، إنزو بيريز الذي لا يجيد أي شيء بعد منتصف الملعب، الحلقة الوحيدة التي قد تعطي شرارة الأمل هي إيفر بانيغا والذي برز أثره بشدة بمباراة نيجيريا كمساهم قوي في بناء الهجمات من الخلف وقيادة الوسط الهجومي.. بفرنسا فإن توليفة بوغبا – ماتويدي – كانتي جيدة إلى حد ما، فهي تعطي التنوع وتعدد الخيارات كون ثلاثتهم مختلفو الخصائص.
الحل الوحيد من وجهة نظري للإبقاء على الأرجنتين بالبطولة لأبعد نقطة ممكنة وتخطي عقبة فرنسا هو الاستخدام الأذكى لميسي، الكثرة تغلب الشجاعة هو مفهوم لا ريب فيه، حتّى إن كان الشجاع هو ميسي نفسه، لذا فإن نظرية التغطية قد تكون المصل لداء تخبط المنتخب الأرجنتيني، في الحروب يركض أحد الجنود باتجاه العدو غير مبالٍ لهم بينما يغطيه زملائه بالرصاص فيما يُعرف بإسم “التغطية” هو الأمر ذاته الذي يجب أن يوفره لاعبو التانغو لميسي.
للتفسير أكثر فإن التغطية قد تكون اعتيادية أو عكسية، الأولى هي أن يقوم دي ماريا وبافون مثلًا بالتحرك كثيرًا وإفراغ دفاعات الخصوم من لاعبيهم عبر توسعة الملعب ومن ثم التمرير لميسي الذي سيكون مُثقلًا برقابة أقل وهو ما سيسهل من مهمته، الثانية هي أن يقوم ميسي نفسه بالإفراغ وسحب أكبر عدد من اللاعبين لنصف الميدان ولعب دور “false 9” قبل أن يضرب بالتمرير القطري أو حتى العامودي، لكن هذه الخطة تستلزم أن يبدأ سامباولي بالرسم 4-3-1-2.. ميسي صانع ألعاب صريح خلف هيغواين وأغويرو واللذان سيقومان بدورهما باحتلال مربع عمليات الخصم.
ما قلت قبلًا فإن وجود ميسي -الذي لم يسجل بالإقصائيات المونديالية مسبقًا- بالفريق الخصم هي احدى المعضلات التي تستعصى على المدربين، ديشامب في الأساس مدرب متخبط ولم يجد الأرض الصلبة بعد للوقوف عليها واعتقد أنه كاذب بتصريحه “ميسي لن يؤثر على اختياراتي للتشكيلة”، تمركز ليو في الرواق الأيمن سيحد من انطلاقات لوكاس والذي بدوره سيؤثر على مردود بوغبا وماتويدي في نفس الجهة، وجود ميسي أيضًا سيجعل الرقابة شديدة باليمين الأمر الذي سيعطي للتحولات القطرية قيمة كبيرة بمباراة اليوم من الجهة المكتظة للفارغة.
ديشامب يعي جيدًا ماهية مواجهة ميسي، ولذا فمن المنتظر أن يزج بلاعب الوسط الدفاعي بليز ماتويدي بمركز الجناح الأيسر -كما فعل بمباراة بيرو- من أجل تكوين شراكة ثلاثية مع بوغبا ولوكاس، فيما سيكون الرواق المقابل محجوزًا للشاب كيليان مبابي، مدعومًا بانطلاقات الصغير بافارد.. مدرب المنتخب الفرنسي سيدخل لقاء الغد بتشكيلة أشبه إلى 4-4-1-1 ماتويدي جناح على الورق بالـ 4-2-3-1 لكنه بنظري سيكون الضلع الرابع بالوسط في مهمة أشبه بتلك التي أوكل بها سامباولي إنزو بيريز بمبارة نيجيريا لإيقاف أحمد موسى.
بخطة 4-2-3-1 لم تقدم فرنسا المأمول فبدت بشكل دفاعي متحفظ ولم تخلق الكثر من الفرص بالثلث الأخير من الملعب، لربما أفضل حالًا من 4-3-3 بالمباراة الأولى ضد أستراليا، لكنها لم بالتأكيد لم ترق بعد لما هو مُنتظر، بوغبا على سبيل المثال تشعر أنه مقيد بمركز الوسط الدفاعي، الأظهرة لا تتقدم كثيرًا، الاعتماد الكلي على مهارات خط المقدمة، هي أشياء نكرهها نحن ويحبها ديشامب، سجّل ثلاثة أهداف بثلاث مباريات في سجٍل ركيك للغاية، لكنه استقبل هدفًا واحدً”.
التشكيل المتوقع للفريقين
فرنسا (4-2-3-1)
لوريس
هيرنانديز – أومتيتي – فاران – بافارد
بوغبا – كانتي
ماتويدي – غريزمان – مبابي
جيرو
الأرجنتين (4-4-2)
أرماني
تاليافيكو – أوتاميندي – روخو – ميرخادو
دي ماريا – ماسكيرانو – بانيغا – بيريز
هيغواين – ميسي