اقتصاد السعودية يدخل مرحلة “الموت السريري”

الدوحة – وكالات – بزنس كلاس:

تتكشف كل يوم عورات الخطط الاقتصادية السعودية للنهوض باقتصاد بات مريضاً وعلى وشك أن يدخل مرحلة الغيبوبة نتيجة “المعالجة” الفاشلة التي يشرف عليها “كبير أطباء” المملكة في الكورس التدريبي الذي يتبعه لإحياء اقتصاد كان هو وأسرته المسؤولين بشكل اساسي عن تداعيه حتى دخل مرحلة “الموت السريري”.

في الوقت الذي اتخذت فيه السعودية، المصنفة كأكبر مصدر للنفط في العالم، إجراءات تقشفية، عقب أزمة إنخفاض أسعار النفط في 2014، تهدف من خلالها إلى سد عجز أقتصادها الذي يعاني من ضعف النمو وشح الإنتاج والتضخم والإرتفاع الكبير في الإنفاق العسكري والأمني والتكاليف الباهظة لحرب اليمن مع تزايد البطالة، وفي خضم هذا التدهور المتواصل والتقديرات المخيفة لمستقبل الإقتصاد السعودي أعلنت السلطات في المملكة عن تشييد منطقة إقتصادية جديدة على ساحل البحر الأحمر أطلقت عليها اسم “مشروع نيوم” يتضمن مجمع من القصور الملكية وبتكلفة تقدر بـ 500 مليار دولار وسيتم الإنتهاء من مرحلته الأولى مطلع عام 2025 .

“نيوم” ربما يكون مشروعا طموحاً على الورق ولكنه أشبه بالأحلام في ظل ما يعانيه الإقتصاد السعودي “على أرض الواقع” من كساد عام لعدم وجود موارد ولإعتماده المفرط على عائدات النفط المتدنية بسبب الأزمة الحالية ، لذا أثار إعلان المشروع حالة من الإستغراب وخصوصاً أن وزارة المالية السعودية كانت قد قدرت إيرادات الميزانية العامة لعام 2018 بـ 783 مليار ريال بينما بلغت تقديرات النفقات العامة بـ 978 مليار ريال ما يعني أن مقدار العجز المتوقع يبلغ 195 مليار ريال أي أكثر من ثلث قيمة تكاليف مشروع نيوم، كما قدرت إرتفاع المصروفات المقدرة لنفس العام بـ52 مليار ريال مقارنة بمصروفات العام الماضي، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الوزارة في ديسمبر الماضي أن الميزانية العامة لـ 2017 قد عانت من عجز بلغ 230 مليار ريال.

ويبدو الإنكماش السعودي بلغ ذروته في العامين الماضي والحالي، فعقب الإطلاع على التقارير التي أعلنتها الهيئة العامة السعودية للإحصاء ومكتب إدارة الدين العام في المملكة عن العام الماضي نجد أن الأزمة الإقتصادية أصبحت تنذر بخطورة الوضع وسط ضبابية المشهد المستقبلي للإقتصاد ، خصوصا بعد أن كشفت هيئة الإحصاء بالمملكة ان الناتج المحلي الإجمالي قد إنخفض خلال الربعين الأولين من العام الماضي بنسبة 2.3% و3.7% على التوالي وذلك من تأثيرات تذبذب أسعار النفط وتراجع معدلات الإنتاج.

أما فيما يختص بالقطاع الخاص السعودي فقد رفع الراية البيضاء عقب الإعلان عن زيادة الرسوم على الشركات والعمالة الوافدة مع إيقاف العقودات التي وقعتها مع الحكومة لتنفيذ المشاريع الكبيرة ما استدعى هذه الشركات إلى تسريح موظفيها المواطنين وعمالتها الوافدة ما ترك أثراً واضحاً على مشهد الحياة العامة في المملكة، مع الخسائر الفادحة التي ظلت تسجلها البورصة، علاوة على هروب الإستثمارات الأجنبية إثر التداعيات التي خلفتها حملة الإعتقالات التي نفذتها السلطات السعودية مؤخراً والتي شملت عدد كبيراً من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين ما جعل المناخ الإقتصادي السعودي غير مطمئن على الإطلاق.

وفي ظل تراكم الأزمات الكبيرة ربما وجدت سلطات المملكة في الديون والقروض وإعادة التمويل مصدرا لإنقاذ إقتصادها من الإنهيار بعد أن لجأت إلى إعادة تمويل قرض دولي من 10 مليار إلى 16 مليار دولار بزيادة 6 مليار دولار ليصبح أكبر القروض المجمعة يتم تقديمها في الأسواق الناشئة بحسب تقارير صحفية، هذا بالإضافة الى التوقعات التي أطلقها بنك أوف أميركا ميريل لينش بأن  السعودية ستتصدر قائمة إصدارات أدوات الدين السيادية عالميا للعام الجاري. وعزت مجلة أويل برايس الأمريكية تداعيات الوضع الاقتصادي في السعودية لسبب إعتماده على عائدات النفط ووصفت ذلك بالقول إن المملكة أصبحت وكأنها تقف على برميل من البارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة.

هذا من جانب، ومن جانب أخر فإن الشعب السعودي يعيش وسط حالة من الغلاء والتضخم مع إرتفاع أسعار المحروقات وإنهيار الأسواق العقارية وإنتشار البطالة وتزايد الأعباء عليه عقب أعلان السلطات عن توقعاتها بإرتفاع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة تصل إلى 5.7% للعام الجاري، بجانب الإجراءات الجديدة التي فرضتها  الدولة من قبيل ضريبة القيمة المضافة والتي بلغت نسبة 5% على أغلب السلع والخدمات والضريبة الإنتقائية على عدد من المنتجات.

وعليه يبدو أن السعودية أمام سلسلة من الأزمات الإقتصادية تجعلها في مواجهة تحد كبير قد يقود اقتصادها إلى الإنهيار، فمع تراجع أسعار النفط، الذي يمثل العمود الفقري والمصدر الرئيسي للدخل في الدولة، في السوق العالمي، والركود الذي تعاني منه معظم قطاعاتها وحالة الإنكماش والعجز عن تحقيق أي معدلات نمو إقتصادي يبعث على الإطمئنان، فإن المستقبل لا يبدو سارا للمملكة.

وفي أوج هذه المعاناة الشعبية والأزمة الإقتصادية الحالية أطلقت السعودية على مشروعها الجديد الذي روج له الإعلام المحلي على أساس أنه “مدينة الأحلام” .. لكن في ظل الواقع الذي يعيش فيه الشعب السعودي وما يواجهه الاقتصاد من تحديات ، يصبح “نيوم” فعلياً حلماً على الورق يقابله على أرض الواقع إنهيارات متواصلة لمختلف القطاعات المكونة للإقتصاد السعودي وبالأرقام ووفقاً للبيانات والتقارير الرسمية التي أصدرتها الجهات المسؤولة بالمملكة.

وسائل الإعلام السعودية قالت إن كلمة “نيوم” تعني “المستقبل الجديد” .. لكنه مستقبل يحيط به واقع محبط تثبته الأرقام الرسمية ويؤكده المشهد العام للحياة اليومية في المملكة والوعودة الكثيرة بالرفاهية والتي لم تتحقق حتى الان ، والسخط الشعبي والغضب العام جراء الغلاء والتقشف وإستئثار فئة معينة بثروات الدولة مع إرتفاع معدلات الفقر، كل ذلك يفتح الباب أمام سؤال عريض عن كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟

Previous post
ساعة جديدة ترتدي الفرو الأبيض من “فندي”
Next post
ديكوراته تضاهي أزياءه رقياً وترفاً.. جولة في منزل إيلي صعب؟