تلعفر – العراق – وكالات – بزنس كلاس:
“احذر القناص…احذر القناص”، عبارة باتت تتردد كل دقيقة مع تقدم القوات العراقية نحو مركز مدينة تلعفر، شمال غربي البلاد، والذي يعد أكبر قضاء عراقي لا يزال تحت سيطرة التنظيم.
تخوض القوات العراقية حربا شرسة لتحرير قضاء تلعفر من مسلحي تنظيم “داعش”، على كافة محاور قضاء تلعفر، فيما حررت عددا من الأحياء والقرى شرق، وغرب، وجنوب القضاء، على مدار الأيام الأربعة الماضية، منذ انطلاق العمليات العسكرية لتحرير المنطقة الواقعة على بعد 70 كيلومترا من مدينة الموصل، شمالي البلاد.
وانتشرت قوات الحشد الشعبي على جميع الجبهات منذ اليوم الأول للمعركة، لإسناد القوات العراقية المشاركة، بالإضافة إلى أنها تمتلك محور شرق تلعفر، وبه أقوى مواقع تمركز مسلحي التنظيم الإرهابي.
واندفع آلاف الجنود من مطار تلعفر العسكري، الذي حررته القوات العراقية قبل 9 شهور، نحو أحياء شرق تلعفر، بمشاركة عشرات الفصائل المسلحة المنضوية تحت “هيئة الحشد الشعبي”.
وانطلقت إحدى الفرق القتالية إلى اقتحام حي خضر إلياس المعروف بـ”الخضراء” ، وحي الجزيرة، بعد اختراقها حوائط الصد الثلاثة التي أقامها مسلحو تنظيم داعش، ورفع مقاتلوها العلم العراقي على مداخل الحيين.على مدخل حي الخضراء، استعد عشرات من جنود فرقة “العباس” القتالية لخوض معركة تحرير الحي بعد تدميرهم للسواتر الترابية أو خطوط الصد التي أقامها داعش أمام الحي، ومع بزوغ فجر أمس الأول الثلاثاء، بات الجنود داخل الحي، بينهم قوات الحشد التركماني، الذين هبّوا لتحرير مدينتهم ممن شردّهم، وقتل أبناءهم.
بينهم كان عباس الذي كان مقررا أن يتزوج يوم 23 من الشهر الجاري، إلا أنه أجل العرس برضا عروسه للمشاركة في القتال، قائلا: “كان عرسي اليوم، لكن أجلناه خاطر تلعفر تتحرر”.
وعن رأي عروسه وأهلها، فقال “لم يمنعوني أبداً، هي وأنا من النجف، وأجلنا عرسنا لنحتفل مع كل العراقيين بالنصر الكبير على الإرهابيين، ويرجع الناس لبيوتهم”.
اقتحم الجنود حي الخضراء تحت تبادل إطلاق نار كثيف مع مسلحي “داعش”، حيث بدأت العملية من قبل الفرق الخاصة، أولها “الجهد الهندسي”، للكشف عن وجود العبوات الناسفة وتطهير الطريق والبيوت، تمهيدا لسير الجنود، وكل هذه المهمة تجري على قدم وساق تحت تبادل إطلاق النار والصواريخ.
أمام أحد البيوت التي كان يستغلها التنظيم الإرهابي كمقر له، قال القائد لجنديه: “يلا يا بطل روح ارفع علمك”، ثم يعلق على ظهر درعه العسكري علم العراق، لينطلق بعدها للركض نحو المنزل المحرر، حيث يعبر المسافة تحت نيران القناصة.
يقول حامل العلم، ويدعى سليمان “أعمل معلما في مدرسة في النجف، جئت كل هذه المسافة لأحرر العراق من دنس الإرهاب”، مضيفا: “لا نخاف من شيء”.في المنزل أعدت خطة بديلة، وانقسمت القوات إلى مجموعات، أحدها صعد لسطح المنزل لاستهدافه بالرصاص والصواريخ، إلا أن ذلك كان مجرد تمويه، في الوقت الذي كانت المجموعة الأخرى تخرج من المنزل متجهة للباحة الخلفية.
تمكنت الفرقة من تطهير الطريق الخلفي، تمهيدا لنقل مجموعة أكبر من المقاتلين لكسب مزيد من الأرض، وبعد مواجهات عنيفة استمرت نحو 3 ساعات، تمكنت الفرقة من تحرير منازل أخرى، لننتقل إلى المنزل التالي.
كان لابد في هذا الوقت من استدعاء مدرعات الجيش، ليحتمي بها الجنود أثناء عبورهم للشوارع، التي يتمركز في مقابلها قناصة “داعش”، وما أن مرت المدرعات وخلفها نحن والجنود، حتى أمطرنا القناصة بالرصاصات.
بعد عبور شبه آمن، دخلنا إلى المنزل الآخر المحرر، وسط الحي، وهو ما كان مليئا بأوراق ودفاتر تخص أعداد مقاتلي داعش، وعملهم ضمن “دواوين” التنظيم المختلفة، وأعداد وجبات الغداء والعشاء التي يستملها كل مقاتل، بالإضافة إلى مئات من “وصل تسليم” دوّن عليه اسم المقاتل والأموال التي تصرف له مقابل تغذية المقاتلين وعائلاتهم.
في أحد غرف المنزل كان يختبئ نفق كبير، يؤدي من قلب المنزل إلى الحديقة، ومنه أيضا إلى بوابه خلفية، بينما كان يؤدي الطابق السفلي إلى نفق آخر لغرفة سرية، تأتي في مقدمتها خارطة لـ “ولايات داعش”، وعبارة “داعش باقية وتتمدد”.
من بين الوثائق التي حصلت عليها “سبوتنيك” من هذا المنزل، “وصل” بتوقيع أبو سالم وخاتم التنظيم، يأمر فيه “قاطع الجزيرة الإداري” بتزويد “كتيبة الدرع بزيوت وعشاء يوميا”، وكان ذلك بتاريخ الثالث من آذار/مارس.
ويبدو أن أبو وليد إعاشة كان مسؤولا عن شراء وتوفير الطعام للجنود، وحضانة الأطفال في هذا المنزل، حيث كتبت عشرات “الأذون” بصرف آلاف الدينارات العراقية له بشكل شبه يومي لشراء الخضروات، والفاكهة، والمخللات، واللحم.حصل أبو وليد على “181 ألف دينار عراقي لشراء الخضروات والفاكهة يوم 8 شباط/فبراير 2016، وفي اليوم التالي حصل على 100 ألف دينار عراقي لشراء اللحم”.
وبحسب “وصل قبض” حصلنا عليه أيضا، فإن أبو وليد كان يتقاضى 567 ألف دينار عراقي شهريا، أي ما يعادل نحو 500 دولار أمريكي.
وتعود تواريخ أغلب “وصل تسليم وقبض” في هذا المنزل إلى أعوام 2015، وحتى أواخر 2016.
وفي أحد الأوراق الصغيرة المتروكة في المنزل، كان يبدو أن أحد الأشخاص سيلتقي مروان عمر الفاروق في سنجار، يوم 4 كانون الثاني/يناير 2017، لتسليمه مبلغا ماليا، ولم يدّون سبب ذلك، بينما كان وصل آخر يشير إلى تلقي جعفر عاصي لمبلغ يقدر بـ 210 ألف دينار مقابل إمدادات غاز.
ويذكر أن تلعفر كانت مركزا يحتجز فيه مقاتلو التنظيم الإرهابي آلافا من النساء والأطفال الإيزيديين، وهو ما كشف عنه هؤلاء بعد تمكنهم من الهرب إلى جبال سنجار المحاذية لقضاء تلعفر من الجهة الشمالية والغربية.
وفي خبر لاحق، استكملت القوات العراقية تقدمها، اليوم الجمعة، في أحياء قضاء تلعفر الشرقية، متعهدة بمواصلة الزحف نحو مركز المدينة.
وفي أحد منازل حي الخضراء، كانت “سبوتنيك” هناك، منذ اللحظات الأولى لاقتحام الحي، الذي يعد ثاني الأحياء المحررة، في المحور الشرقي للقضاء.
ووسط تبادل إطلاق نار كثيف، قررت القوات العراقية كسب مزيد من المنازل المحررة، لتقتحم منزلا كان يستخدمه قادة التنظيم كمقر رئيسي لهم.
في المنزل وجدنا مجلسا كان يستخدمه أعضاء التنظيم، ويبدو أنهم كانوا في هذا المنزل قبيل أيام قليلة من اقتحامه، حيث ظهرت آثار القهوة على أكواب ودلاية كانوا يستخدمونها.
في المجلس كانت بعض أوراق التنظيم الخاصة بديوان الزكاة والصدقات، متناثرة في المكان، من بينها وثيقة تسليم أحمد خلف حمادي 90 ألفا، ومكتوب على الوثيقة أن “داعش حريصة على إيصال حقكم الذي فرضه الله لكم من أموال الأغنياء”.
اللافت أن المكان كان به بعض الأسلحة المصنعة يدويا، وهي عبارة عن مسدس حديدي وطلقات معادة التصنيع.
المسدس عبارة عن أنبوب حديدي، كذلك المستخدم في نقل المياه، وملحوم على شكل مسدس، وله زناد، وكان بجانبه عدد من طلقات الرصاص الفارغة.
وقال علي السبتي الناطق باسم فرقة العباس القتالية، إن قواته سيطرت على عدد من الدواوين في الحي، من بينها ديوان التعليم، مؤكدا أنه جرى تطهير الحي بشكل كامل من مخلفات الدواعش.
وأضاف السبتي أن التنظيم حاول استخدام وسائل قذرة لمواجهة القوات العراقية متمثلة في الفرقة بإسناد من اللواء 36 التابع للفرقة المدرعة التاسعة بالجيش العراقي، موضحا “القناصة يتنقلون من بيت لآخر لاستهداف القوات”.