إصابات عديدة وحالات مهددة بالوفاة نتيجة الحوادث التي نشهدها يومياً بالطرق والشوارع، وبمجرد وقوعها يرتبط صوت سارينة سيارة الإسعاف بطوق النجاة للمصابين بتلك الحوادث، ما دفعنا للبحث عن فكرة نشأة الإسعاف.
115 عاماً مضت على تلك الفكرة الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط آنذاك، “الجمعية الدولية للإسعافات الصحية العاجلة” مثلما أطلقها مؤسسوها من الإيطاليين والفرنسيين القاطنين بالمدينة، وعلى رأسهم “انريكو مارك” الذي عرض الفكرة خلال اجتماع للجامعة الشعبية الحرة، في 26 مايو/أيار 1901، و”بيترو فازاي” الإيطالي الذي تولى تنفيذها في يوليو عام 1902.
كيف شهدت الإسكندرية أول مرفق للإسعاف؟
لم تكن فكرة إنشاء جمعية الإسعاف في مدينة الإسكندرية، كأول مرفق للإسعاف بالشرق الأوسط في القرن العشرين، إلا تلبية لحاجة مجتمعية عاجلة، لمواجهة انتشار الأمراض والأوبئة أواخر القرن التاسع عشر.
وساعد وجود العديد من الجاليات الأجنبية على خروج الفكرة إلى النور، لتتحول إلى واقع من خلال الجمعية التي اتخذت مقرها الأول في شارع الكنيسة الأميركية بالإسكندرية.
وضمَّ المقرُّ مجموعةً من الأقسام التي أدارها المتطوعون تحت مسمى “الجمعية الدولية للإسعافات الصحية العاجلة”.
وتزامن نداء “بيتروفازاى” مؤسس الإسعاف إلى الجنسيات كافة لدعم وإقامة الإسعاف، في 21 يوليو/تموز 1902، مع إصدار الإيطاليين جريدةً تعبر عن مصالحهم سميت “لوبرايو” أي “الصانع”.
وأيد الأجانب المقيمون في مصر الفكرة، بعدما حذرهم “فازاى” مما قد يصيبهم من أمراض أو طوارئ في بلاد ليست بلادهم، وتحولت الفكرة إلى أمرٍ ملحٍّ، بعد تفشي وباء الكوليرا في الإسكندرية عام 1902.
وأثار ظهور وباء الكوليرا في الإسكندرية مخاوفَ العديد من الأجانب المقيمين فيها، بعدما حصد أرواح آلاف المصابين في نابولي (إيطاليا) عام 1884، ومرسيليا (فرنسا) عام 1885، وأطلقت اللجنة المؤقتة التي شكلت لبحث وسائل تنفيذ الفكرة نداءات ودعاية بالصحف لحضور المصريين والأجانب اجتماعاً مخصصاً لإقامة مؤسسة اجتماعية دولية خاصة بالإسعاف، في 3 أغسطس/آب عام 1902، وبالفعل نشأت “جمعية الإسعاف”.
حياة مؤسس الإسعاف وقواعد مؤسسته
ولد “بيترو فازاى” بمدينة فلورنسا في إيطاليا عام 1866، وتعد نشأته بتلك المدينة أحد العوامل التي أسهمت في تبنِّيه فكرة الإسعاف.
وشهدت مدينة “فازاي” خلال تاريخها حرباً أهلية عام 1450، ظهر خلال فترتها جمعيات الإسعاف ذات الصبغة الدينية مثل “إخوان الرحمة” التي عمل بها رجال الدين، واتخذت الأديرة مقراً لعلاج الجرحى الذين ألقيت جثثهم بالشوارع، كما ظهرت جمعيات لا دينية أنشأها “الماسونيون” مثل “الصليب الأخضر” و “الصليب الأبيض” و”الإسعاف السريع العام”.
ووَضعتْ جمعية الإسعاف بالإسكندرية قانوناً لتنظيم أعمالها، تضمَّن قاعدتين أساسيتين هما العمل بشكل تطوعي، والمجانية المطلقة للخدمات الطبية المقدمة كافة، وهو ما ميَّزها عن الجمعيات الخيرية الأخرى، ونصَّ قانونها على قبول الأعضاء الجدد كمتطوعين، أو مساهمين مقابل رسوم سنوية، واختيار مجلس إدارة الجمعية المكون من 19 عضواً بالانتخاب، وعدلت اللوائح لتسمح بقبول عضوية السيدات بالجمعية عام 1904، وتحديد سن التطوع من 18 وحتى 50 سنة.
وتعرَّضت الجمعية لأزمة مالية لم تمكِّنها من سداد إيجار المحل الذي يمثل مقرها، بعدما توقف المساهمون عن سداد الاشتراك الذي يقدر بـ4 قروش شهرياً، وفرض المتطوعون بعض مطالبهم، وزادت الأزمة المالية مما دفع مجلس إدارة الجمعية لدعوة الجمعية العمومية للانعقاد، في 12 مايو/أيار عام 1905، لنظر حلِّ الجمعية، واتَّفقت الجمعية على انتخاب لجنة مؤقتة لإدارتها، التي استطاعت بعد عدة أسابيع سداد إيجار الجمعية لمدة 6 أشهر من مالها الخاص.
متى بدأ المصريون العمل في المرفق؟
بدأ اشتراك بعض الأعضاء المصريين في إدارة الجمعية عامي 1908 و1909، وانتُخب الدكتور سلامة أول مصري بمجلس الإدارة عام 1908، والدخاخني بك عام 1909. ومع قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 بدأت الانقسامات بين مؤسسي الجمعية، مما هدَّد بقاءها لكونها لا تحظى بالتأييد الشعبي أو الرسمي المؤثر وقتها، وتزامن ذلك مع بدء فريق عُرف بـ”الصفوة” من المصريين عمله بالإسعاف، وتولَّى رئيسه محمد يكن باشا رئاسة الجمعية، ليكون أولَّ رئيس مصري لها عام 1914.
واستمرت الجمعية في عملها حتى انتهاء المفاوضات بين كارلو بنتو، رئيس الجمعية عام 1924، وفيروتشي مهندس القصور الملكية، وتم الاتفاق على تأسيس اتحاد في القاهرة به هيئة مركزية تحت رعاية الملك فؤاد يجمع كل جمعيات الإسعاف بمصر، في 14 ديسمبر/كانون الأول عام 1924، وأطلق عليه “الاتحاد الملكي لجمعيات الإسعاف العمومية بالقطر المصري”، ومنوط به التنسيق بين جمعيات الإسعاف الحديثة وإسعاف القاهرة والإسكندرية، ونشر مبادئ الإسعاف بواسطة النشرات والمحاضرات.
وأصبح الإسعاف الطبي من مرافق الدولة، وانضمَّ إلى مجلس المحافظة منذ عام 1966، واستمر الإشراف بقرار مجلس الوزراء سنة 1979 الذي تزامن مع دخول خدمة الاتصالات اللاسلكية لأول مرة لمرافق الإسعاف، بعد خضوعها لوزارة الصحة، حيث تم البدء في تنفيذ شبكة للاتصالات اللاسلكية الخاصة بمرفقيّ الإسعاف بالإسكندرية والقاهرة عام 1978، واستكملت القاهرة والجيزة وبعض المحافظات مثل قنا والغربية وبورسعيد والإسماعيلية.
وأضيفت بعض المحافظات إلى الشبكة اللاسلكية عام 1986، ومنها شمال وجنوب سيناء والسويس ودمياط والبحر الأحمر، وكانت تعمل بالنظام التقليدي وبصورة مستقلة لكل محافظة، كما حدثت الشبكة لتعمل بنظام الترنك اللاسلكيEDACS عام 1996، بالإضافة لتطبيق خدمة التتبع الآلي لسيارات الإسعاف بمحافظة الإسكندرية عام 2005.
تطور مركبات الإسعاف
تمثل الدقائق الأولى للمصاب وسرعة نقله وتلقيه الخدمة الطبية العاجلة اللازمة عاملاً أساسياً في الحفاظ على حياته، ولذلك يطلق على تلك الفترة الزمنية عقب الحادث بـ”الساعة الذهبية”، وحاول مؤسسو الإسعاف التغلب على صعوبة نقل المرضى والمصابين من خلال استخدام نقالة معدة لذلك عام 1902، وتلقت الجمعية تبرعاً بأول عربة نقل في تاريخها من المهندس “أنجيلو ننشيني” عام 1904، وأسهم توفير المال من خلال الاكتتاب في شراء عربة نقل نقالة من شركة فاليني الإيطالية بروما عام 190.
وأهدى الخديو عباس الثاني عام 1908 عربة نقالة تجرها الخيول، وبدأت الجمعية عقب ذلك في استخدام عربة مزودة بدراجة بخارية، ثم اشترت 4 سيارات نقل استخدمت اثنتان منها لنقل المرضى، والأخريان لخدمة الإسعاف السريع عام 1924، وزادت الجمعية عام 1931 في عدد السيارات حتى بلغت 10 سيارات و4 دراجات بخارية بصندوق جانبي، وعربة للمتوفين.
وتبنى الهلال الأحمر الإشراف على إدارة الجمعية عام 1961، ودعمها بـ8 سيارات، وانتقلت تبعية مرفق الإسعاف لوزارة الصحة عام 1966، ما أسهم بشكل كبير في زيادة عدد السيارات بالمركز الرئيسي والفروع على مستوى مصر، وتبنَّى المرفق تنفيذ أعمال التجديد والصيانة للسيارات، والاستعانة بسيارات الشركات بعد إخضاعها للفحص الفني والطبي، للتأكد من صلاحيتها للاستخدام في حالات الكوارث والطوارئ.
تطور الإسعاف في القرن العشرين
وتبنَّت هيئة الإسعاف المصرية مجموعة من المبادئ لتطوير الخدمة شملت التعاقد على 1200 سيارة إسعاف جديدة ألمانية الصنع عام 2008، مجهزة بشكل كامل، بالإضافة لـ600 سيارة أخرى وصل منها حتى الآن 500 سيارة، وتم التنسيق مع الغرفة الرئيسية لتلقي البلاغات بالقرية الذكية، بحيث يتم توجيه السيارات لمكان البلاغ، ويستهدف أن تصل السيارة خلال 8 دقائق وهو المعدل المتعارف عليه دولياً، ويقدر عدد سيارات الإسعاف بـ3200 سيارة على مستوى الجمهورية.