ما ان تهب اولى نسمات الخريف، حتى يحلم المرء بخزانة دافئة، متجددة، شرط الا ينقصها الجانب العملي. صحيح ان للصيف ألوانه وأجواءه، إنما يبقى للفصول الباردة، تلك الهالة التي تنعكس على اطلالتك، فتغلفها بالكثير من الشياكة والغموض.
مع كل موسم، يحتاج المرء الى بضع قطع لتحديث الخزانة، لكي تأتي الاناقة مواكبة لتطورات العصر، في ظل الحفاظ على العمود الفقري للطابع الاساسي المطلوب، سواء كان كلاسيكياً رصيناً او عصرياً ومتجدداً. الواقع ان المنصات العالمية لا تبخل علينا بتقليعات من هنا وهناك، باقات جديدة من الالوان والخامات والملامس، وصولاً الى صيحات على صعيد القصّات والتفاصيل، كل ذلك كي لا تقع اطلالاتك أسيرة الرتابة والتكرار.
على اي حال، افضل ما يمكن ان نطلعك عليه الآن، عزيزي الرجل، هو تلك الخطوط العريضة التي جمعناها من منصات لندن وميلانو وباريس. ففي هذه المدن الثلاث، تُكتب معايير الاناقة ويُخطّ مستقبل الموضة ومسارها.
صحيح ان خزانة الرجل الشرقي، غالباً ما تنتمي الى المدرسة الكلاسيكية، لكن هذا لا يعني انها لا تعبأ بما يدور في عواصم الموضة. كما ان ذوق الرجل الشرقي، عموماً، والخليجي تحديدا، يقدّر مهارة الخياطة والتفاصيل التي تزدان بها تصاميم الموسم. هذه الحقيقة تدركها جيداً الدور العالمية، لذلك فإنها في كل موسم تبقي الرجل الشرقي ضمن حساباتها.
الموضة والسينما توأم
في البداية، لا بدّ من التوضيح، انه انطلاقاً من المواسم القليلة الفائتة، يبرز حنين جارف على مستوى الموضة العالمية الى تصاميم القرن الغابر. تلك التي ترافقت مع العصر الذهبي للسينما، بنجومه الذين تحولوا أيقونات تزيّن صفحات التاريخ العالمي للأناقة. نعم فالسينما والموضة، توأم، وبمجرد النظر الى تصاميم الموسم، لا يمكن الا ان نستعيد صور كثير من الممثلين العالميين الذين جسّدوا الاناقة الرجالية على أتمم وجه، منهم روبرت ريدفورد، وكلينت استوود، ومارلون براندو، وجاك نيكلسن، وسواهم الكثير.
نرصد في هذا الموسم من شتاء 2017على سبيل المثال، الكثير من القطع التي تحاكي حقبة السبعينات. كيف ذلك؟ نحن نتحدث هنا عن السراويل الفضفاضة والسترات المزدانة بالالوان وطبعات الازهار والورود. حقبة السبعينات على ما يبدو، تأبى ان تزول. فهي راسخة أولاً في مخيّلات المصمّمين، وحاضرة ثانياً في ذاكرة المستهلك العالمي الذي لا يتردد في تبني ما يذكّره بذاك العصر الذهبي. أما النتيجة، فاستعادة جميلة للماضي بأشكال متنوعة ونماذج لا تحصى، تبعاً لما تمليه ابتكارات دور الازياء العالمية. فكل منها يقدم مقاربة خاصة لهذه الحقبة؛ ففيما البعض يغوص فيها بالعمق، يفضل البعض الآخر ان يستعين ببعض اللمسات التي تضفي تميّزاً على القطعة.في هذا المجال، لا يمكن ان يفوتنا ذكر ما قدمته دور “روبيرتو كافالي” (Roberto Cavalli)، “بيربيري برورزوم”(Burberry Prorsum)، “غوتشي” (Gucci).
بالعودة الى السراويل الفضفاضة، كنا قد رأيناها في الموسم السابق مع دار “لانفان”(Lanvin)، لكنها اليوم ترسّخ حضورها في خزانة الرجل، وكأنها تقول إنها ليست مجرد نزوة عابرة مننزوات الموضة، بل قطعة أساسية من قطع الاناقة اليومية التي تستحق الدخول الى خزانتك، بصفتها استثماراً آمنا. لذلك فإن الكثير من الدور المرموقة تفرد لها حيزاً لا بأس به على منصاتها، منها “ديور هوم” (Dior Homme). وبما ان السروال ليس جزءاً مستقلاً بذاته، أي انه يؤثر في باقي القطع ضمن الاطلالة الواحدة، فإن هذا النمط من السراويل يترافق مع عصر مختلف من الازياء العلوية من الكنزات الى القمصان. فتأتي بقصات ضيقة لترسي توازناً مع الجزء الأدنى، أي الجزء الواسع.
بدورها تلقفت دار”روبيرتو كافالي” هذا العنوان العريض، فقدمت ترجماتها الخاصة للاناقة الغابرة على نحو عصري، أي ان رجل القرن الحادي والعشرين قادر على تبني تصاميمها في الليل كما في النهار. هناك استخدام واضح للالوان الخريفية من البني الداكن الى بني الكاميل والبيج، وصولاً الى الاخضر الزيتوني الذي يشكل لوناً عصرياً بامتياز. اما من حيث الخطوط فهي تراعي تطورات العصر، بمعنى آخر إن سروال الدنيم يأتي بقصّة فضفاضة إنما غير مبالغ بها.
أما دار “بيربيري برورزوم”، فتحرص في كل موسم على التقيد بهويّتها الانكليزية وتراثها العريق. فتأتي ترجمتها لحقبة السبعينات أكثر تريثاً، لأنها تبقي دوماً في البال صورة رجل الداندي البريطاني. لذلك، اناقة السبعينات تأخذ مسلكاً مختلفاً عن ذاك الذي شهدناه مع كافالي، السراويل ضيقة فيما ياقات المعاطف بارزة، ضخمة إذ إنها تأتي على هيئة “King Collar” كما كانت تسمى آنذاك.
في المقابل، تغوص “غوتشي” الى أبعد حدود في هذه الحقبة. فتعود محمّلة بتصاميم وردية، بزخرفات وقصات واسعة وياقات عريضة وسترات بلايزر طويلة. اما الالوان فصارخة، حادّة تذكرنا بفن الـ”بوب” (Pop Art). كما تشهد منصة غوتشي عودة لافتة الى النقوش والمربعات التي تعيدنا الى تلك الحقبة.